أضفى النظام الجزائري طابعا من الغموض على مستقبله السياسي، وجعل أحزاب المعارضة الجزائرية تعيش على أمل عدم ترشحه لولاية خامسة، رغم أن هذه الأخيرة كانت الفرضية الأكثر ترجيحا، ليقوم بعد ذلك قادة أحزاب التحالف الرئاسي الجزائري الأربعة بوضع حد لهذا الغموض والإعلان رسميا على أن الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة سيكون مرشحهم للانتخابات الرئاسية شهر أبريل المقبل، مرشح تسعى من خلاله الأغلبية إلى جعله "روزفلت" الجزائر، في الوقت الذي تعتبر فيه المعارضة ترشحه لولاية خامسة "خطأ جسيما" و"إخراسا لصوت الحكمة والتعقل"، لأن نتائج الانتخابات تكون "محسومة سلفا لصالحه". عبد العزيز بوتفليقة، 81 سنة، رئيس الجمهورية الجزائرية العاشر منذ تكوينها، والثامن منذ إعلان استقلالها، ترشح أول مرة سنة 1999 كمرشح حر إلى جانب 6 مرشحين انسحبوا قبل يوم من موعد إجراء الاقتراع، ليجدد ترشحه لولاية ثانية سنة 2004، حيث أعيد انتخابه بما يقارب 85 في المائة من الأصوات، ولاية شهدت حادث تعرضه لمحاولة الاغتيال في باتنة، شرق البلاد. طموح بوتفليقة السياسي لم يقف عند حدود ولايتين، حيث قام سنة 2008 بإقرار تعديل دستوري يمكن من انتخاب الرئيس لأكثر من ولايتين رئاسيتين، وهو ما مكنه من الترشح لولاية ثالثة سنة 2009 وفاز بنسبة 90.24 في المائة من الأصوات، ثم الولاية الرابعة سنة 2014، التي أدلى فيها بصوته الانتخابي على كرسي متحرك، كما اتهم فيها منافسه علي بن فليس السلطات الجزائرية "باللجوء إلى التزوير الشامل من أجل الإبقاء على نظام نبذه الشعب" في إشارة إلى بوتفليقة. الرئيس المريض أصيب بوتفليقة بجلطة دماغية سنة 2013، جلطة أفقدته قدرته على الكلام وعلى الحركة وجعلته حبيس كرسي متحرك، وضع جعل الجميع يتنبأ بصعوبة استمراره في تنفيذ مهامه الرئاسية واستحالة فوزه بولاية رابعة، غير أن بوتفليقة استطاع أن يحقق المستحيل ويثبت لمعارضيه أنه لن يغادر السلطة إلا إذا ما غيبه الموت، وإن كان موت بوتفليقة "لن يغير شيئا" في الجزائر. مرض بوتفليقة جعله يغيب عن الواجهة، حيث غاب عن مجموعة من الأنشطة والمواعيد الرسمية، كما أنه لم يخاطب شعبه منذ سنة 2012، وهو ما جعل مجموعة من المنابر الإعلامية تتداول أخبارا عن وفاته سريريا، وفي كل مرة يكذب الإعلام الجزائري الخبر، ويؤكد أن الوضعية الصحية للرئيس الجزائري "عادية، ويقوم بعمله بشكل اعتيادي". مرض بوتفليقة وغيابه عن الواجهة السياسية لم يزد الموالون للنظام الجزائري إلا إصرارا على استمراره في السلطة، حيث طالب حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري الحاكم من بوتفليقة الترشح لولاية خامسة باعتبار أنه مطلب "جماهيري"، في الوقت الذي تؤكد فيه المعارضة أن " القرار السياسي في الجزائر محتكر من طرف أجهزة الدولة، أجهزة جعلت من اللعبة السياسية لعبة مغلقة عوض أن تتنافس فيها البرامج الانتخابية" ولاية خامسة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة خلق جدلا في المشهد السياسي الجزائري بين أحزاب المعارضة والأغلبية، حيث قامت 14 شخصية جزائرية بدعوة بوتفليقة إلى عدم الترشح لولاية خامسة في رسالة وجهتها إليه، مشيرة إلى أن " الوقت قد حان للأمة لتسترجع أملاكها"، وأن هذه الرسالة ليست "تهجما، وإنما دعوة إلى الحكمة والتعقل". واعتبر الموقعون على الرسالة أن نتائج سياسات الرئيس بوتفليقة خلال العشرين سنة الماضية "ليست مرضية وبعيدة عن تلبية الطموحات المشروعة للجزائريين"، مشيرين حسب ذات الرسالة أن فترة حكم بوتفليقة الطويلة للبلاد "انتهت إلى خلق نظام سياسي لا يمكن أن يفي بالمعايير الحديثة لسيادة القانون". من جهتها اعتبرت أحزاب الأغلبية أن المعارضين لترشح بوتفليقة "مصابون بالزهايمر السياسي، ويسعون إلى الترويج لمغالطات تهدف لإثارة الفتنة"، حيث أكد جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري أن "الشعب يعي ويرى المكاسب المحققة، خلال العهدات الرئاسية التي تولاها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة". يشار إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها أحزاب التحالف الرئاسي الأربعة، رسميا، عن ترشيح رئيس الدولة، بعدما اكتفت لحد الآن بمناشدته للترشح لولاية جديدة، ويتوقع الجميع فوز بوتفليقة بولاية جديدة، حيث أكد كريم طابو المنسق الوطني لحزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي الجزائري في تصريح سابق لموقع القناة الثانية أن السيناريو الأول والأكيد لهذه الانتخابات "هو العهدة الخامسة لبوتفليقة". هذا وكانت وزارة الداخلية الجزائرية قد أعلنت عن استقبال 182 رسالة رغبة في الترشح على مستوى الوزارة، من بينها 126 طلبا تقدم به مرشحون أحرار، وبقية الطلبات تعود لرؤساء أحزاب سياسية، وهو ما اعتبره صحف محلية بأنه "عدد قياسي في تاريخ الانتخابات الجزائرية عموما، بما فى ذلك انتخابات 2014".