ذاكرة مثقلة بصور المعاناة والألم، وطموح وإصرار كبيرين على مواصلة المسير .. تعيش روزين دافيلا، الإيفوارية ذات ال27 ربيعا، التي تقيم بالمغرب منذ 2011. فقد خاضت غمار المجهول وغادرت بلادها عن عمر يناهز التاسعة عشرة، حاملة معها ذكريات وأحلاما بمستقبل أفضل. أسباب عديدة دفعت هذه الشابة الإيفوارية، التي حصلت على وضع لاجئة سنة 2012، لترك بلادها وكل ما كانت تملك. ففي سنة 2010 وجدت نفسها يتيمة الأم، السند الوحيد الذي كان لها، في خضم الأزمة السياسية التي كانت تعيشها البلاد آنذاك. واضطرت إلى العيش مع جديها لأمها خلال فترة من الزمن قبل أن تندلع الحرب وتتشتت عائلتها لتجد نفسها مرة أخرى وحيدة في محنتها. في هذه الفترة القاسية تعرفت هذه الشابة على زوجها السابق ووالد أطفالها، الذي كان المنقذ والملاذ من واقع قاس يجثم على حياتها، والشخص الوحيد الذي آزرها. اضطر الرجل، أمام اشتداد الاضطرابات إلى مغادرة البلاد بحثا عن مكان آمن لهما، حيث استقر بالمغرب قبل أن تتمكن وأطفالها من الالتحاق به. وخلال رحلة طويلة نحو المغرب استغرقت شهرا كاملا، واجهت روزين في طريقها بمختلف بلدان العبور عدة إكراهات وصعوبات، شملت نقص الموارد المالية والغذاء وعدم تأمين السكن. كل ذلك تجشمته وهي تحمل رضيعا بين ذراعيها. بعد هذه الرحلة المتعبة، تمكنت روزين من اللحاق بزوجها في المغرب وتحديدا بمدينة آسفي، حيث وجدت بالمملكة مكانا آمنا لها ولأطفالها، بعيدا عن النزاعات والأزمات السياسية، غير أنها اضطرت من جهة أخرى إلى مواجهة الحقيقة المرة، وهي أن زوجها كان لا يزال يعيش في وضعية غير قانونية بالمغرب. وتحكي روزين أنها لم تكن هي وأسرتها قادرين في البداية، على استئجار شقة أو غرفة، حيث فقد كانوا مضطرين للعيش داخل كنيسة بآسفي، شكلت مأوى للعديد من اللاجئين من مختلف البلدان، معظمهم قادمون من إفريقيا جنوب الصحراء. وبعد هذه الفترة العصيبة، اقترح زوجها السابق أن يلجأ إلى مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين من أجل مساعدتهم على تسوية أوضاعهم بالمغرب. وهكذا بدأوا باتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بذلك. وفي غشت 2012 تمت تسوية وضعيتها هي وأطفالها بالمغرب. سنة 2015، أخذت حياة روزين منعرجا مأساويا، فقد تعرضت خلالها لاعتداء جنسي، انفصلت على إثره عن زوجها بعد اكتشافه أنها أضحت حاملا جراء هذا الاعتداء. وتحكي روزين عن هذه الفترة من حياتها بنظرة تعكس كل الحزن والمحن التي عانتها، فخلال هذه الفترة تخلى عنها زوجها، تاركا إياها دون سقف يأويها هي وأبناؤها، ولا عمل قار يمكنها من تلبية حاجياتهم. وتمكنت هذه المرأة والأم المكافحة، من تجاوز هذه الفترة الصعبة، بمساعدة عدة أشخاص رافقوها في محنتها وأعادوا إليها الأمل في حياة أفضل لها ولأطفالها، فقررت التوجه إلى مدينة الرباط العاصمة للبحث عن وظيفة تتلاءم مع تخصصها، وهو تعليم اللغة الفرنسية. أشار عليها بعضهم بطرق أبواب جمعية "آرت لينا"، وهي (مركز اجتماعي ثقافي)، التي عرضت عليها متابعة دورة تدريبية تؤهلها لتدريس اللغة الفرنسية، وكذا تحسين مهاراتها المهنية. وبعد مرور سنة على هذه الدورة التدريبية، أصبحت روزين متمكنة من التدريس بعدة جمعيات منها "آرت لينا" و "آرت كوم". كما تحاول المساهمة بتقديم اقتراحات لتيسير صيرورة العمل داخل هذه الجمعيات، وتنشط كذلك بجدية في الأعمال الجمعوية وتطمح عبر ذلك إلى الحصول على وظيفة أفضل. وتبدي الشابة الإيفوارية رغبة في تقاسم خبرتها، لا أن تكون عبئا على المجتمع، فهي ترغب في الكفاح في هذه الحياة وكسب قوتها اليومي لتلبية حاجيات أطفالها. وفي ما يخص اندماجها داخل المجتمع المغربي، تتذكر روزين أنها واجهت الكثير من الصعوبات، ولكن هذا لم يكبح إرادتها القوية في الاندماج. وتشعر اليوم أنها أكثر استقلالية، وأكثر نضجا مما كانت عليه في السابق. وعندما ترى أطفالها يكبرون أمام عينيها، تدرك كم قطعت من أشواط في دروب حياة صعبة. وتحاول الأم الشابة أن تؤطر صغارها قدر المستطاع، وأن توفر لهم كل شيء حرمت منه في طفولتها. تعتبر روزين نفسها امرأة شجاعة، مؤمنة، كافحت من أجل توفير مستقبل أفضل، لها ولأطفالها، وستستمر يوما بعد يوم في خوض هذه المعركة، مؤمنة بقدراتها على تجاوز كل ما يعترض أحلامها. هي اليوم، معتدة بما راكمته من خبرات وتجارب، تطمح إلى إنشاء حضانة خاصة بها، وتأسيس جمعية لتقديم المساعدة للفئات الهشة، وخصوصا من النساء والأطفال.