نظّمت الجمعية المغربية للبحث التاريخي بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ندوة فكرية تكريمية مهداة إلى روح الأستاذ والمؤرخ المغربي عبد الرحمان المودن الذي رحل إلى دار البقاء شهر غشت من السنة الماضية، مخلّفاً مجموعة من الإسهامات التاريخية والفكرية الهامة التي أغنت الجامعة المغربية. وفي كلمة لها بالمناسبة، قالت لطيفة كندوز رئيسة الجمعية إن مبادرة الجمعية بتنظيم هذا اللقاء تأتي تكريماً لروح الراحل عبد الرحمان المودن، "الأستاذ المثقف والمدرك، الذي افتقده ميدان البحث التاريخي"، مشيرةً أنه قد سبق للراحل ترؤس الجمعية لدورتين وترك بصماته الواضحة في تنظيمها وإسهاماتها وانفتاحها على مؤسسات أخرى وطنية ودولية.
وأبرزت لطيفة كندوز أن الراحل "يستحق أكثر من هذا التكريم البسيط لولا ظروف الجائحة"، مشيرةً أن التئام زملائه وطلابه اليوم يأتي لتقديم شهادات إنسانية وعلمية في حق الراحل، كما تمت مناقشة أطروحته المهمة حول العلاقات المغربية العثمانية التي كان قد ألّفها الفقيد باللغة الإنجليزية بجامعة برينستون، والتي تعكف إحدى طالباته السابقات على ترجمتها إلى اللغة العربية. وأوضحت المتحدثة أن الجمعية التي ترأسها، تثمن القيمة الفكرية والبحثية لأعماله، داعية إلى "الانكباب على تجميع ونشر الأبحاث والمنجزات التي تركها الأستاذ المودن والتي لا زالت مخطوطة ولم تتح الفرصة بعد لإخراجها، حتى يستفيد منها ليس الطلبة فقط، بل الباحثين ولتبقى نبراساً للمهتمين بعلم التاريخ." من جانبها، قالت سعاد بنعلي، أستاذة باحثة متخصصة في تاريخ المغرب والمجال العثماني التركي والفارسي الإيراني، وطالبة سابقة للراحل: "اجتماعنا اليوم لتكريم المؤرخ المغربي المتخصص في دراسات تاريخ الدولة العثمانية والذي أعطى بجهوده نفساً وحياةً للبحث التاريخي بالجامعة المغربية"، مشيرة أنه "دشّن تخصصاً جديداً خلال بحثه في مواضيع خاصة تتعلق بتاريخ المغرب وتنفتح على علاقاته مع الجانب العثماني ضمن المجال الإسلامي، في وقت تركزت فيه أغلب الدراسات حول الجانب الأوروبي". وأبرزت الأستاذة الباحثة أنه ك"عربون اعتراف وامتنان منها لأستاذها الراحل، تسعى وزملاؤها، إلى نشر دراسات الراحل، واستكمال مسيره في الدراسات التاريخية لتركيا وإيران"، كاشفة عن اشتغالها على ترجمة رسالة الدكتوراه التي ناقشها الراحل في ثمانينات القرن الماضي بجامعة برينستون، إلى اللغة العربية. وخلال الندوة التكريمية، قدم عميد المعهد الملكي للغة الأمازيغية أحمد بوكوس، ورئيس الجمعية المغربية للبحث التاريخي، درعاً تكريمياً لزوجة المؤرخ الراحل، اعترافاً بإسهاماته العلمية المهمة في المجال التاريخي.
ودرس المؤرخ الراحل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، التي نال بها الإجازة في التاريخ سنة 1970، ودبلوم الدراسات العليا سنة 1984، قبل أن يتابع دراسته في سلك الدكتوراه بجامعة برينستون بالولايات المتحدة الأميركية، وسبق للراحل الاشتغال بعدد من الجامعات المغربية كما حاضر بعدد من الجامعات التاريخية بفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وتونس وقطر. وللراحل عشرات الدراسات والأبحاث التاريخية، حول التاريخ الاجتماعي المغربي والعلاقات المغربيةالعثمانية، ومن ضمن أهم أعماله "قبائل إيناون والمخزن بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر"، و"البادشاه والسلطان: العلاقات المغربية العثمانية بين القرنين السادس عشر والثامن عشر"، و"مساهمة في دراسة الثقافة الدبلوماسية" باللغة الإنجليزية سنة 1991.