بعد أن خدم الساحة الثقافية والفنية الوطنية لعقود، يرحل عرّاب الحركة السينمائية بالمغرب، نور الدين الصايل، متأثراً بمضاعفات إصابته بفيروس "كورونا". وحمل الراحل طيلة مساره هاجس النهوض بالسينما المغربية وتأسيس صناعة سينمائية حقيقية، من خلال اشتغاله النظري والميداني، وتأطيره لأجيال من العاملين اليوم بالفن السابع. ولعُ الصايل بالسينما يعود لسنوات طفولته الأولى من خلال ارتياده الصالات السينمائية بمسقط رأسه طنجة، حيث بدأت قصة عشقه الكبير مع الأفلام الإسبانية ثم العالمية، إلى أن انتقل إلى مدينة الرباط لدراسة الفلسفة، حيث أسّس وترأس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، التي حملت أهداف خلق ثقافة سينمائية وترسيخ دعائم ثقافة ديمقراطية، وكان لها الدور في تأسيس مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة عام 1977. بعد حصوله على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، بكلية الآداب بالرباط. اشتغل الصايل في بداية مشواره مُدرّسا لمادة الفلسفة بثانوية مولاي يوسف بالرباط، قبل أن يعين سنة 1975 مفتشًا عامًا للمادة ذاتها، ووازى، خلال هذه الفترة بين اشتغاله في التعليم والعمل الصحافي، من خلال إعداد وتقديم مجموعة من البرامج السينمائية الإذاعية. ومع تأسيس القناة الثانية سنة 1989، اشتغل مستشاراً بالقناة، قبل أن ينتقل إلى مجموعة كنال+ الفرنسية التي تم تعيينه بها في منصب مديراً مكلفًا بالبرامج والبث بالقناة. وفي سنة 2000 عُين نور الدين الصايل مديرًا عامًا جديدًا للقناة الثانية، وهو المنصب الذي شغله لثلاث سنوات، حتى تعيينه على رأس المركز السينمائي المغربي. ويعتبر الكثير من المتتبّعين أنّ الفترة التي قضاها الصايل مديراً لCCM، كانت أزهى أيام المركز من خلال جهوده الحثيثة في تطوير إنتاج الأفلام الوطنية، الذي ارتفع من فيلمين سنوياً إلى ما بين 10 و20 فيلم سنوياً، بالإضافة إلى سهره على إقامة مواعيد سينمائية ثابتة ودعمه لها. الناقد خليل الدامون، قال إن الصايل، يغادرنا اليوم بعد أن عشنا معه أجمل أيام الثقافة السينمائية الجادة، حيث "يعتبر مؤسس للثقافة والفعل السينمائي بالمغرب، سواء على المستوى النظري أو العملي؛ بحكم التفكير العميق والمستوى الكبير للتحليل الفيلمي والنقد السينمائي، وعلى المستوى العملي، لأنه كان منتج وكاتب سيناريو، وساهم في إخراج وإنجاز مجموعة من الأفلام المغربية". وتابع المتحدث في تصريح للموقع "على مستوى التأثير الكبير للصايل، ما زلنا نتذكر صوته على الإذاعة أو شاشة التلفزة، حلقاته وبرامجه، كانت دوماً دروساً في السينما والتحليل"، لافتاً أنّه بعد وصوله إلى إدارة القناة الثانية، دخلت السينما شيئا فشيئا إلى التلفزيون المغربي، وأصبحنا نشاهد أفلام كبيرة، لا يمكن أن تشاهد إلاّ تحت إمضاءه". "فتح المجال أمام مجموعة من الفعاليات لإنجاز أعمال، سواء على مستوى التلفزة أو السينما"، يضيف الدامون، مبرزاً أنه "عندما كان على رأس إدارة المركز السينمائي المغربي، تحولت عملية الإنتاج من فيلمين أو ثلاثة في السنة إلى 12 فيلماً، وفي عهده ينظم المهرجان الوطني للفيلم ينظم كل سنة بمدينة طنجة". من خلال اشتغاله الفكري، نشر الصايل بمجموعة من المجلات، مقالات في النقد الفني السينمائي، كما أطّر عشرات الورشات والمحاضرات بمعاهد الإعلام والسينما، كما أصدر مجلّة خاصة بالصناعة السينمائية، وساهم في كتابة سيناريوهات أفلام من بينها، الرحلة الكبرى سنة 1981، وباديس سنة 1989، وللا حبي سنة 1996، وفي التأليف الأدبي أصدر رواية باللغة الفرنسية بعنوان (A l'Ombre du Chroniquer) سنة 1989.