في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده مجال الطب وانتشار مفهوم "التطبيب عن بعد" لاسيما في أعقاب ظهور تقنيات جديدة في القطاع، أضحى من الممكن اليوم التغلب على العوائق التي كانت تحول دون حصول العديد من الأشخاص خاصة في المناطق النائية على المساعدة الطبية. وعليه، لم يعد المريض مضطرا إلى قطع مسافات طوال وتحمل مصاريف تنقل باهظة، للوصول إلى الطبيب في الحواضر الكبرى، بل أضحى بإمكانه الاستعاضة عن ذلك، بتلقي العلاج عن بعد، والحصول على استشارة طبية بواسطة الفيديو، وتكييف جرعات الأدوية أو تجديد الوصفة الطبية من قبل الطبيب المعالج. وقال الباحث في المعلوماتية الإحيائية حسن غزال ،في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، إنه بالرغم من أن مكانة التطبيب عن بعد في النظام الصحي لا تحتاج إلى إثبات، إلا أنه كان يتعين انتظار حلول هذه الفترة من الأزمة الصحية الناتجة عن كوفيد 19 ليقتنع أخيرا عدد كبير من المهنيين الصحيين الذين كانوا متحفظين ومترددين ، بأهمية هذه الخدمة الجديدة وجدواها. وتابع أن المدافعين عن التطبيب عن بعد لم يطالبوا قط بأن تكون هذه الخدمة بديلا عن الاستشارة في عيادة طبية أو مستشفى ، بل يعتبرونها مجرد أداة تكميلية، مبرزا أنه ما دامت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتيح وسائل مبتكرة لتجاوز الكثير من الإكراهات التي يعاني منها القطاع الصحي ، فإنه ليس من الحكمة تجاهلها وعدم الاستفادة منها. وسجل السيد غزال ، الذي يرأس أيضا الجمعية المغربية للتطبيب عن بعد والصحة الإلكترونية، أنه في ظل هذا الوضع الاستثنائي الذي فرضه الوباء ، وجد العديد من الأطباء أنفسهم، بين عشية وضحاها ، غير قادرين على تصور استمرار توفير الرعاية الصحية للمرضى دون اللجوء إلى الاتصال عن بعد. وأشار إلى أن المملكة تعد واحدة من الدول القلائل في إفريقيا والعالم العربي التي يمكنها أن تفتخر حقا بوجود إطار تشريعي لممارسة هذا النوع من التطبيب. وكان مجلس الحكومة، قد صادق في ماي 2018 على مشروع مرسوم رقم 2.18.378 بشأن الطب عن بعد. وتشمل خدمات الطب عن بعد ، بحسب المرسوم، طلبات الاستشارة الطبية عن بعد، واللجوء إلى الخبرة الطبية عن بعد، والمراقبة الطبية عن بعد، وكذلك الإجابة الطبية التي تنجز في إطار الضبط الطبي على مستوى مصالح المساعدة الطبية الاستعجالية. وقال الباحث المغربي إن هذا الإطار التشريعي مكن من تفعيل مشروع التطبيب عن بعد بعدد من المناطق النائية ، من طرف الجمعية المغربية للطب عن بعد وجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء ، بشراكة مع وزارة الصحة. وأضاف أن الامر يتعلق بأول برنامج حقيقي للاستشارة الطبية عن بعد في البلاد ، والذي شمل في مرحلته التجريبية الأولى 6 مواقع تقع في المناطق القروية التي تعاني من مشكل الولوج للخدمات الصحية. أما المرحلة الثانية الجارية حاليا فتتعلق بحوالي 30 موقعا ، إلا أن الطموح هو تعميم البرنامج على أكثر من 160 موقعا في أفق 3 سنوات. وسجل أن الأزمة الصحية الحالية أظهرت مدى أهمية دمج مؤهلات التقنيات الرقمية في مسار مكافحة الوباء على المدى القصير ومساعدة النظم الصحية على المدى الطويل . وتابع أن هذه الازمة، وعلى الرغم من أنها شكلت ضغط ا قويا على الأنظمة الصحية، إلا أنها كانت بمثابة محفز لتحول الصحة الرقمية في المغرب ، حيث مكنت من إدراك المهنيين وصناع القرار لأهمية التكنولوجيا الرقمية ، وما تلاها من تنفيذ سريع للاستراتيجيات الرقمية في مجال الخدمات الصحية. وأشار في هذا الصدد إلى إطلاق وزارة الصحة خدمة تطوعية مجانية تعتمد على الاستشارة الطبية عن بعد عبر المنصة الإلكترونية ( www.tbib24.com ) وذلك بغاية تعزيز التدابير الوقائية الاحترازية ضد وباء كوفيد-19، والتخفيف من حدة الولوج إلى المراكز الصحية والمستشفيات العمومية والخاصة. كما أطلقت الوزارة تطبيقا هاتفيا للإشعار باحتمال التعرض لعدوى فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" تحت مسمى “وقايتنا”. وفي الوقت الذي يراهن فيه الكثير على التكنولوجيا لرفع مختلف التحديات التي يواجهها قطاع الصحة ، غير أن دور العنصر البشري يبقى محوريا للنهوض بالقطاع والارتقاء به إلى أفضل المستويات . وعليه ، أضحى من اللازم إيلاء مزيد من الاهتمام للعنصر البشري وتمكينه من تكوينات ملائمة ومتخصصة تساعده على مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة ، وتملك أدوات استخدامها لتجويد العرض الصحي وتعميمه على أوسع نطاق .