يكشف تصويت كاتالونيا للانفصال عن إسبانيا أنه لا الديمقراطية ولا الازدهار الاقتصادي يشكلان ضمانا ضد الانفصالية. كما أن الاستفتاء ليس الوسيلة الأنجع لإدارة النزاعات الإقليمية. في كلتا الحالتين، لا تفي الديمقراطية بهدفها الجوهري لأنها تؤدي في هاد السياق إلى النزعة الانفصالية على حساب سيادة الدول و استقرارها. في حين أن قضية كاتالونيا أثارت قلق المجتمع الدولي ، فإن الحركات الانفصالية ذات الدوافع الاقتصادية المشابهة في أماكن أخرى يتم التسامح معها كأعراض سياسية لفشل دول ما بعد الاستعمار على الرغم من أنها لا تقل تهديدًا لسيادة العديد من البلدان. لنأخذ مثالاً من إفريقيا ، حيث ورد أن ما لا يقل عن 22 دولة لديها حركات انفصالية نشطة. تحث الحركة الانفصالية المسماة بجبهة البوليساريو الشعب الذي تدعي أنها تمثله - الصحراويين - على الانفصال عن المغرب من خلال حملهم على الاعتقاد بأن أراضيهم غنية بالموارد الطبيعية ، غنية بما يكفي لضمان دخل سنوي لجميع سكانها. حتى لو كان الواقع على الأرض مختلفًا تمامًا عما يزعمه الانفصاليون ، فقد تبين أن قضية الصحراء هي واحدة من أكثر النزاعات الإقليمية تعقيدًا واستمرارية في إفريقيا. بدأت القصة كلها في عام 1975 ، عندما حرر المغرب صحرائه من الاستعمار الإسباني ، غرر انفصاليو البوليساريو وبعض اتباعهم إلى اللجوء الى بلدة تندوف جنوبالجزائر. وتعتبر البوليساريو من افرازات إيديولوجيات الحرب الباردة في ذلك الوقت ، حينما بدات الحكومات الاشتراكية الموالية للاتحاد السوفياتي كالجزائر وليبيا في تسليحها وتمويلها، كما قامتا بالضغط على منظمة الوحدة الافريقية لمنحها العضوية في الاتحاد الأفريقي في عام 1984 ، تحت الاسم المزعوم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" (SADR). على الرغم من أن هذه النبذة قصيرة ، إلا أنها تلقي بعض الضوء على صعود وتطور النزعة الانفصالية في إفريقيا. فبغض النظر عن مدى قوة اي حركة الانفصالية ، فإنها لا تستطيع أبدًا تحقيق هدفها النهائي - إنشاء دولة - دون تدخل و اعتراف دول أجنبية. فالدول الأفريقية التي تستضيف الانفصاليين أو تدعمهم ، مثل الجزائر في حالة المغرب ، تحولهم إلى مجاهدين لادكاء الروح الثورية للأمة التي تجاوزتها المطالب السياسية والاقتصادية المتزايدة للأجيال الحالية. ومع ذلك ، فإن الاعتراف الأجنبي ليس عذراً لعدم طرح سؤال أساسي: على أي أساس تطالب البوليساريو بحقها في الانفصال؟ لا التاريخ ولا الثقافة تؤيد قضيتها. كانت الصحراء جزءًا لا يتجزأ من المغرب منذ العصور الوسطى ، وكما تكشف السجلات والوثائق التاريخية ، فإن قبائلها تدين باستمرار بالولاء لملوك المغرب على الرغم من السياسة الاستعمارية الأوروبية القائمة على فرق تسد. يتكلم الصحراويون ويكتبون بنفس اللغات (الأمازيغية أو العربية) ويمارسون نفس الدين (الإسلام السني) مثل باقي سكان المغرب. ولغتهم العربية الحسانية ، معترف بها أيضًا في الدستور المغربي الحالي. لكن عدم وجود اختلافات ثقافية كبيرة لا يمنع الحركات الانفصالية من إعادة اختراعها لإضفاء الشرعية على نضالها من أجل الانفصال. عندما يطُلب من نشطاء البوليساريو الدفاع عن قضيتهم من الناحية الثقافية ، فانهم يسلطون الضوء على تراثهم البدوي كجوهر للهوية المتميزة للصحراء. أولئك الذين ليسوا على دراية بشؤون شمال إفريقيا أو الرومانسيين الذين يحنون إلى أنماط الحياة ما قبل الحداثة والبدائية قد يتعاطفون مع القضية الانفصالية لأنها تدغدغ خيالهم كصراع توراتي بين المسكين Davidالبدوي (البوليساريو) والقوي goliathالمستقر (المغرب). ومع ذلك ، فإن لجوء البوليساريو المخادع إلى الأسطورة الغرائبية للبدو الرحل يؤدي إلى نسف مشروعهم بدلاً من دعمه من أجل دولة مستقلة. إن بناء الدولة والرحالة مفهومان لا يمكن التوفيق بينهما ، أحدهما يستمد شرعيته من ترسيم الحدود ، والآخر آلة حرب تعيش من خلال تدميرها. علاوة على ذلك ، إذا كان قادة البوليساريو يحترمون حقاً الروح البدوية للصحراويين ، فما الذي يمنعهم من السماح للأشخاص الخاضعين لسيطرتهم في تندوف بالتنقل عبر الحدود الجزائرية لزيارة عائلاتهم وأقاربهم في المغرب؟ الخطاب القائم على االمزاعم الاقتصادية للانفصاليين التي تدعي ان المغرب "دولة" "استعمارية" تحتل الصحراء لمواردها الطبيعية لم تعد مقنعة. إن الاقتصاد الاستعماري ، كما يتفق جميع الخبراء الأفارقة ، ليس له هدف سوى تلبية احتياجات البلد الأم من خلال تزويده بالمواد الخام. لكن فيما يخص الصحراء المغربية ، غداة استرجاعها من الاسبان ، كانت منطقة صحراوية فقيرة بلا مؤسسات وبنيات تحتية حديثة. فمنذ عام 1975 ، استثمر المغرب سبع مرات أكثر مقابل كل درهم يتم ربحه في المنطقة ، بالإضافة إلى دعم السلع الأساسية مثل النفط وغاز الطهي والسكر.. على الرغم من ادعائها بأنها الممثل الوحيد للصحراويين ، فإن جبهة البوليساريو ليس لها أي تأثير سياسي خارج حدود مخيمات تندوف حيث يتم وضع حوالي 29000 محتجز تحت سيطرة صارمة. حتى وضعهم "كلاجئين" ليس بالمقنع وفقًا لميثاق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لم يقتصر الأمر على رفض الحركة الانفصالية بإصرار إجراء إحصاء للسكان الذين يعيشون في تندوف ، بل حُرموا أيضًا من حريتهم في التعبير والتنقل. وبالمقارنة ، فإن نصف مليون صحراوي خارج الحدود الجزائرية يتمتعون بحقوقهم السياسية والثقافية ، مثل أي مواطن مغربي آخر. بل إن مشاركتهم القوية في الانتخابات المحلية والتشريعية المغربية ، التي تصل في الغالب إلى 80 في المائة من نسبة المشاركة مقارنة بباقي الأقاليم المغربية هي في حد ذاتها تعبير عن تقرير المصير مما يجعل دعوة البوليساريو لإجراء استفتاء غير ضرورية وغير منطقية بل تعتبر عبثية و مناورة سياسية تهدد الاستقرار بالمنطقة. على الرغم من أن نهاية نزاع الصحراء لا تزال غير واضحة في الامد القريب ، إلا أن هناك امل في نهاية النفق يُظهر على أن الحل السياسي ليس مستحيلًا. فبالإضافة الى موافقة الحكومة الجزائرية أخيرًا على الجلوس مع المغرب على طاولة المفاوضات ، قررت عدة دول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية. كما بدأ المجتمع الدولي يسمع أصوات المعارضة الصحراوية تتصاعد من المخيمات رغم حظر السلطات العسكرية الوصول إلى مرافق الإنترنت وطرد مراقبي حقوق الإنسان الدوليين ، كل هذا يدل على ان الحل السياسي القائم على أرضية الحكم الذاتي يعتبر المسلك الوحيد الشرعي لانهاء النزاع المفتعل بالصحراء. والأهم من ذلك ، أن المغرب عرض على منطقة الصحراء خطة للحكم الذاتي ، وصفها مجلس الأمن الدولي بأنها "واقعية وذات مصداقية" ، والتي تسمح لجميع الصحراويين باستغلال وتدبير مواردهم الاقتصادية والطبيعية بالطريقة التي يرغبون فيها. أما بالنسبة للحكومات الأفريقية التي تواصل دعم ا لانفصاليين الصحراويين ، فعليها أن تعلم بشكل أفضل أن الخطاب ا الذي تبعث به إلى مجتمعاتها المتنوعة إثنيًا ودينيًا ليس خالي من المخاطر القائمة فيما يتعلق باستقرارها ووحدتها الترابية وسلامة أراضيها. *مقال رأي لسفير المغرب بكينيا المختار غامبو