القطع مع الأساليب السابقة التي رهنت مستقبل الرياضة الوطنية نتيجة اختيارات غير مسؤولة وحسابات خاطئة وتحالفات هشة تطبعها في الغالب الأعم المصالح الشخصية، لا يمكن أن تأخذ مجرى طبيعي رغم الترسانة القانونية، ورغم القرارات والتوصيات والمناظرات الوطنية والإحتجاجات والتصدعات الداخلية للنوادي التي تدفع جميعها في اتجاه تخليق الحياة الرياضية لأن بنية الإستقبال الرياضي في المغرب متآكلة ومتعفنة إلى حد يجعل الجماهير ترفع شعارات نارية بالمدرجات وترتكب أعمالا مجرمة بالشوارع تدين الخروقات والمؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الأندية من طرف قوى ظاهرة أو خفية همها الأساسي الدفاع أو الحفاظ على مواقع المسؤولية، هذه المؤرقات تطرح في العمق إشكالية مراقبة صرف ميزانيات الأندية وطبيعة المسيرين ومصداقيتهم، لكن الأكيد أن الوعي بخطورة الآفات المثبطة والمعرقلة للدور القوي الذي يمكن أن يلعبه الحقل الرياضي في التوازنات الإقتصادية والإجتماعية يحتم بالضرورة وضع آليات متطورة لمراقبة صرف ميزانيات الأندية وتطبيق صارم للقوانين على المختلسين والمبذرين لأموال مؤسسات رياضية لوقف النزيف وقطع دابر الإختلالات المعطلة للتنمية الرياضية. مظاهر الفساد الرياضي تتجلى مظاهر الفساد الرياضي في شقه المعنوي في العديد من الأمور الملتبسة أولها ضعف وانعدام الحس والضمير المهني والتربوي لدى العديد من رؤساء ومسيري الأندية الوطنية، فغالبا ما ينتفي الإحساس بالواجب لدى المسؤولين على النوادي الرياضية وتنعدم الرغبة لديهم في خدمة الممارسين وتلقينهم باحترافية أصول الرياضة المبنية على أسس علمية كفيلة بولادة أبطال يمهدون الطريق إلى كوكبة أخرى بل أجيال أخرى، فالإهمال وعدم الاكتراث والتقاعس مظاهر تكبل وتغل جل المسيرين الذين تجاوزهم الزمن ولم يعودوا قادرين على العطاء في ظل المتغيرات الحديثة التي أوجدت تقنيات عالية مرتبطة بالتسيير والتأطير الرياضي الذي ينهل من التكنولوجيا الحديثة ويطور أساليب أدائه وفق المتغيرات الدولية، لقد حل محل الإجتهاد والتفاني في العمل التسابق المحموم نحو جني الأموال بشتى السبل المشروعة وغير المشروعة، بمعنى أن الهاجس المحرك لم يعد أخلاقيا تغذيه الروح الوطنية بقدر ما أصبح مكتسبات مادية صرفة، وهنا يمكن أن نسجل بكل أسف أن المسير الرياضي- مكاتب الأندية- لا يعي إطلاقا الدلالة الأخلاقية لتكوين جيل الغد، وهذه الإرتكاسة الأخلاقية هي نتاج أزمة أخلاقية مجتمعية أفرزتها تعقيدات الحياة، فالإنتهازية والمكيافيلية mechiavellique تعد الطريق الأمثل لتحقيق الطموحات الفردية وهي العملة الرائجة والمتحكمة في العمل الرياضي وغيره من المجالات الحيوية التي لها علاقة مباشرة بالتدبير والتسيير الرياضي، وبفعل انتشار المظاهر السلبية وتجدرها في الأنشطة المرتبطة بالحياة اليومية بصفة عامة فإن بقعة الفساد آخذة في التوسع وأن زحفها على القطاعات الإجتماعية النشيطة كفيل بإفقادها الشرعية الجماهيرية، كما أن غياب العدالة الإجتماعية في المجتمع سهل من تضارب المصالح الفردية والجماعية على حد سواء. في الشق المادي للفساد الرياضي، ثمة مظاهر مجرمة بادية للعيان ولا تحتاج إلى كبير عناء للبحث والتقصي حولها للخروج بخلاصات تفيد تعرض النادي الرياضي لعملية اختلاس وتبذير حقيقيين لموارده المالية في أمور لم تعد بالنفع على المؤسسة الرياضية والمنتسبين إليها، لكنها بالمقابل بدلت من حال مسؤوليها وظهرت عليهم مظاهر النعمة، ويمكن حصر العمليات غير البريئة التي تعاني منها الأندية في غياب الشفافية والنزاهة في جميع التعاملات المالية ونخص بالذكر طريقة صرف الإعتمادات والتعاقد مع الممونين وبيع وشراء اللاعبين ودفع مستحقات العاملين وأجور الطاقم التقني وشراء المعدات الرياضية والتطبيب ومصاريف التنقلات وغيرها من الأمور المالية المرتبطة في عقمها بالتسيير الطبيعي للنادي، هذه العمليات في مجملها تحوم حولها الشكوك رغم أن المكاتب المسيرة مرهونة سنويا بتقديم التقرير المالي والأدبي في الجموعات العامة لكنها تقارير غير معززة بالوثائق والفواتير لرفع اللبس وإبراء الذمة، كما أن إنجاز التقرير المالي يظل حكرا على أشخاص تنقصهم الخبرة والدراية الكافية بالأمور المالية، مما يلزم الدفع في اتجاه فرض خبير في الحسابات مع تعميم خلاصات التقرير على المنخرطين وعلى وسائل الإعلام وحتى على المحبين والعاطفين والمساهمين درءا لكل قراءات أو تأويلات خاطئة، ونلاحظ أن جل الأندية الوطنية تمارس أساليب التعتيم على الجماهير، مما يتسبب في الغالب الأعم في خلق بلبلة تصل في أحيان كثيرة إلى اتهام المكاتب المسيرة إتهامات خطيرة غير مبنية على أدلة مادية يعتد بها من الناحية القانونية، وهذا الالتباس والتنافر راجع بالأساس إلى تكريس جل رؤساء الأندية ثقافة الانغلاق والانكفاء على الذات بدل تبني ثقافة قوامها الوضوح وحرية التعبير والإستعداد للمحاسبة والمساءلة في إطار حضاري وديمقراطي، وهذا المنحى الحداثي سيعزز ويقوي ويرسخ مبدأ الشفافية في جميع التعاملات ونعتقد أنه من أهم الوسائل لمحاربة ووقف زحف جميع أشكال الفساد الرياضي الذي ترزح تحت وطأته بعض الأندية على المستوى الوطني والتي تحد من فاعليتها وقدرتها على المنافسة وخلق مواهب وأبطال من مستويات عالية. كما أنه للقطع مع الفساد الرياضي- الفساد المادي والمعنوي- المستشري والمكتسح لقلاع رياضية فإن الأمر يمر عبر تفعيل القوانين وفسح المجال لجمعيات المجتمع المدني المشتغلة في المجال سعيا إلى توطين الآليات الديمقراطية المؤدية والمسهلة لعمليات تخليق الحياة العامة. مالية الإتحاد الزموري غير مراقبة انطلاقا من الوعي العام بضرورة إرساء مفاهيم رياضية تستجيب للنقلة النوعية التي تحاول الجامعة الملكية لكرة القدم ترسيخها وتجديرها لتحقيق الطموحات المتوخاة والمسطرة في أجندتها فإن القنوات التي يمكن من خلالها تصريف برامج محددة وإستراتيجية معينة لا يمكن أن تجد طريقها للتنفيذ بدون خلق الأجواء الملائمة والعقليات المستوعبة والمتقبلة لعملية التغيير وعمليات التحديث، فالنادي الذي يدار بعقلية إقطاعية ويمارس الكولسة ويقطع الطريق على طالبي الإنخراط وينفخ في الفواتير ويرفض فتح الحسابات المالية في وجه الجميع فإنه ناد يعاني من خطب ما ويلزم النبش والحفر في ثنايا تجاويفه المغلقة بحثا عن الحقيقة وإشباعا للفضول المعرفي وتنويرا للرأي العام الرياضي الذي لم يعد يقبل أن يتم استغفاله، وبناء على المبادرات الأفقية والعمودية التي تروم خلق قطيعة ابستمولوجية مع رواسب الماضي ومخلفاته لا نجد للنادي الزموري مكانا في الخريطة العامة لسياسية الإصلاح المطلوبة والمنتظرة في القطاع الرياضي. فإذا كانت جميع المؤشرات تذهب إلى أن النادي الزموري تعرض منذ ثلاثة عقود من الزمن لعملية تمزيق ومؤامرات قوضت جميع الفرص لجعله نادي بإمكانيات مالية وموارد بشرية يضاهي أغنى الفرق وطنيا، سياسة اللامبالاة المنتهجة من قبل القوى الحية لا تخرج عن المقولة العامة" كم حاجة قضيناها بتركها" فتحت شهية الرئيس المخلوع الذي جمع ثروة خيالية مقارنة ما وضعه المالي السابق، هذا الانتقال الاجتماعي للرئيس المخلوع من حالة إلى حالة أفضل يرجع الفضل فيه إلى صندوق النادي الزموري الذي غرف منه كما شاء بدون متابعة ولا مساءلة كما جاء في بيان الحركة التصحيحية ثم بعده رسالة عضو المجلس البلدي الموجهة إلى المجلس الجهوي للحسابات والتي عدد فيها خروقات مالية كثيرة معززة بالأرقام خاصة مداخيل الخمارة التي حصل النادي على رخصة لها في سنة 2003 واستغلت لمدة ست سنوات، وجميع التقارير أحجمت عن الحديث عن مداخيلها والتي يدعي الرئيس السابق أنها "عرفت عجزا" بمعنى غير مربحة، لكن ضريبة الأرباح تقول عكس ذلك، إذ طالبت مديرية الضرائب بما قدره 440.000 ألف درهم كمستحقات عن الأرباح السنوية ولأنه لم يقم بالدفع فقد تم إغلاق خمارة النادي، وعن صفقة المشاركة في الكؤوس الإفريقية ترى الوثيقة الموجهة للمجلس الجهوي للحسابات أن موسم 2008/2009 همت تحويل مبلغ 600.000 ألف درهم بالعملة الصعبة ولم يصرف منه سوى 18000 ألف يورو لكن المبلغ المتبقي لم يرجع إلى صندوق النادي...؟، وتشير الوثيقة أيضا إلى مبلغ غرامة 7000 يورو بسبب الأحداث غير الرياضية التي شهدتها مباراة الفريق الزموري بنظيره مازنبي الكونغولي وقد تم دفع المبلغ من قبل الجامعة الملكية بخلاف ما هو مضمن في التقرير المالي المقدم إلى الجمع العام، زيادة على المساهمات المقدمة من الجماعات القروية والحضرية وهي مساهمات تحتاج إلى التدقيق والفحص للوقوف على حجم المصاريف ومقارنتها بالمداخيل لمعرفة إن كانت ثمة اختلالات يجب تقويمها إلى جانب المبلغ الجزافي المتعلق بفسخ العقد المبرم مع المدرب الإيطالي والمقدر قيمته بحوالي 60.000 ألف درهم والذي أداه المدرب للرئيس المخلوع مباشرة، زيادة على مبالغ تتعلق ببيع اللاعبين للمغرب الفاسي والفتح الرباطي..وتعويضات تكوين اللاعبين الذين يمارسون بالدول الأوربية خاصة آيت باهي بفرنسا وزهير بن واحي بالكويت. أمام هذا الزخم من المعلومات والروائح العطنة التي تفوح من ردهات مؤسسة رياضية والتي كشفتها وثيقتان الأولى أصدرتها الحركة التصحيحية الخارجة من رحم النادي والأخرى صادرة عن عضو بالمجلس البلدي والموجهة إلى المجلس الجهوي للحسابات وهما وثيقتان من الأهمية بمكان تكشفان بما يدع مجالا للشك أن النادي الزموري يعيش مظاهر فساد مالي غير مسبوق وجب وقفه عن طريق تدخل الجهات القضائية، أو متابعة الأطراف التي أصدرت إتهامات ضد الرئيس المخلوع قضائيا، وهنا يجب أن نسجل إما أن الأطراف المتهَمة كل ما تدعيه مجرد ترهات وأباطيل وأراجيز تروم في المقام الأول تمريغ وتلطيخ سمعة الرجل القوي في الإتحاد الزموري تمهيدا لإبعاده وهو ما تحقق جزئيا فيجب الرد عليه من طرف القضاء والجماهير، وإن كانت الاتهامات مؤكدة وأدلة دامغة على وقوع تجاوزات مالية يجب متابعة الأطراف المتهِمة أي المتلاعبين بالمال العام، ونعتقد أن ملفا بهذا الحجم وهذه الضجة التي أثارها على المستوى الوطني لم يتم الحسم فيه من قبل الجامعة الملكية ولا السلطات المحلية، يعزز فرضية أن المال العام أصبح مستباحا بإقليم الخميسات ...؟ وسائل محاربة الفساد الرياضي للقضاء على الفساد المستشري والمكتسح للنوادي الرياضية لابد من تفعيل مبدأ الشفافية بآلية عمل فاعلة لضبط جميع التعاملات المالية والإدارية تجنبا للغموض أو التضليل، فالشفافية أصبحت مطلباً حضارياً وإنسانياً يجب استحضاره بقوة للقضاء على الفساد وأذنابه خدمة للأهداف التنموية خاصة الرياضة منها، فالشفافية والمصداقية تعزز الثقة بين الجماهير والأطر المسيرة للنوادي.. والسبيل الأمثل لمكافحة مظاهر الفساد يكمن في تفعيل دور منظمات المجتمع المدني وتمكينها من القيام بدورها في ممارسة المهام الرقابية عبر توقيع شراكة فاعلة مع الجهات الحكومية تحقيقاً للمصلحة العامة. هناك خطوات أساسية لمراقبة صرف المال العام خاصة مالية النوادي الرياضية تتجلى في منح صلاحيات أكبر للجهات الرقابية كالجمعيات الحقوقية وجمعيات حماية المال العام، ونشير هنا أن القوانين الحالية لا تتيح الوصول إلى المعلومات، مع ضرورة فتح الباب أمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة للمساهمة الوازنة والفاعلة في تحريك الملفات. كما أن السلطات المحلية والجماعات المحلية والمجلس الجهوي للحسابات ملزمون جميعا بالتدخل لحماية المال العام من الشوائب والخروقات التي قد تعصف بمصير مؤسسة رياضية تتصرف في مبالغ مالية تصف في أحايين كثيرة إلى ما يقارب 900 مليون سنتيم، هذا المبلغ يفوق بكثير ميزانية جماعة قروية التي توضع تحت المجهر من قبل أجهزة مختلفة.