حشود جماهيرية غير مسبوقة التأمت بالقنيطرة يوم الثلاثاء الماضي فوق بساط احتجاجي محكوم بأجندة مطلبية عنوانها البارز: الإقالة ثم المحاسبة في حق الرئيس حكيم دومو ومكتبه، وذلك طبعا على خلفية ما أورده بلاغ الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان باعتبارها الجهة الداعية للوقفة والذي جاء مضمونه متناغما مع أدبيات "الحركة التصحيحية" التي ظلت منذ بواكير نشأتها رافعة للواء معارضة أنماط تسيير الرئيس حكيم دومو على امتداد الفترة التي أعقبت الجمع العام العادي للنادي القنيطري. هكذا ومع انسياب عقارب العد التنازلي لموعد الوقفة أخذ مجهر المعاينة والرصد الميداني يلتقط في البداية زخات من التدفق الجماهيري الوافد عبر زقاق وشوارع مدينة القنيطرة التي بدأت تشهد شيئا فشيئا التهابا مطردا في حركة المرور لاسيما مع اقتراب ساعات الذروة..وما هي سوى لحظات زمنية حتى تحولت ساحة النافورة إلى فضاء صاخب وملتهب من فرط الاستيعاب الجماهيري الضاغط الذي جعل صقيع ذلك اليوم يتبدد في غمرة ترديد شعارات متراوحة بين التنديد بسوء التسيير الثاوي خلف استكانة النادي على مقربة من مقصلة النزول، ثم لإقالة الرئيس حكيم دومو ومكتبه عبر تسريع مسطرة التدقيق المحاسباتي على خلفية الملفات المعروضة على أنظار القضاء العادي. أطفال، فتيان، شبان، نساء ثم كهول...كانت هذه هي الأطياف العمرية التي رسمت معالم فسيفساء بشري تراوح بين فئة ترفع عقيرتها مرددة شعارات التنديد والاستنكار ثم فئة أخرى تحمل لافتات متفاوتة المضامين والصياغة اللغوية، نسوق منها: "المحاسبة والإقالة"، "من وراء حكيم دومو ؟؟"، "القنيطرة تطالب بإقالة المكتب المسير للنادي القنيطري". «le foot n'est pas une marchandise » « Kénitra arnaque club »، إلى غير ذلك من الشعارات التي تمكنا بالكاد من التقاطها والتي كان يتوسطها نعش ملفوف في قماش أخضر مكتوب عليه: "الكاك تحتضر"..كان هذا إذن غيض من فيض الرموز و"الميساجات" التي تؤسس لخطاب احتجاجي ما فتئ يكتسح هذا الموسم مساحات مهمة من التداول الجماهيري لاسيما مع توالي النتائج السلبية التي حكمت على فرسان سبو بالانزواء في قعر الترتيب للدوري المغربي الممتاز. أما في ما يتعلق بالمقاربة الأمنية التي أفردتها دوائر الشرطة بالمدينة للحيلولة دون حدوث أحداث عنف وشغب، فإن العديد من الوحدات الأمنية جرى استنفارها حتى تبقى الأوضاع تحت السيطرة، حيث ظلت ملكاتنا الإعلامية تتلمس معالم خارطة الإنتشار الأمني على مدار الفضاء المخصص للوقفة إلى حين اقتناص مجموعة من المؤشرات الدالة على تعاطي رصين ومحكم لمختلف أطياف الأمن السري والعلني التي ظلت مرابطة بمحيط ساحة النافورة إلى أن انفضت الحشود بدون أدنى احتقان أو تشنج أمني وتنظيمي، الأمر الذي اعتبره المراقبون رسالة بليغة إلى مختلف الدوائر المتدرجة عبر مسلسل صناعة القرار المحلي خصوصا وأن أدبيات هذه الوقفة الإحتجاجية قد تمخضت في الختام لتأتي تداعياتها على شكل قرائن لقياس منسوب النضج على مستوى ثقافة الإحتجاج الرياضي. هذا وإذا كنا حريصين طيلة هذه المحطة على اقتناص كل صغيرة وكبيرة فإن معطيات عديدة ظلت منفلتة وعصية عن التقصي الصحفي على مدى العمر الإفتراضي للوقفة، وهو ما جعلنا نعرج على استخلاص تصريحات على هامش الحدث لقياس نبضات مسؤولين إعلاميين، وكذا بعض مكونات الشارع القنيطري. نبض الشارع القنيطري - عزوز بلبشير (إطار متقاعد) لاشك بأن هذه الوقفة الإحتجاجية قد كانت ناجحة بكل المقاييس. فكل الشرائح العمرية كانت ممثلة وذلك إيذانا بإصرار ساكنة القنيطرة على ركوب قطار التنمية..ولعل ما تمكنت من استخلاصه انطلاقا من اللافتات والشعارات التي تخللت الوقفة هو اقتناع الكل بأنه لا مكان لمفسدي الحياة الرياضية في العهد الجديد. - هشام مداحي (رئيس جمعية دار الكرم) كل المؤشرات أظهرت مدى قوة المجتمع المدني بمدينة القنيطرة، حيث قمنا طيلة الحيز الزمني لهذه الوقفة الإحتجاجية بالتقاط العديد من الرسائل التي أرادت الجماهير تمريرها إلى الدوائر المسؤولة من ضمنها إيقاف نزيف التسيير الإنفرادي للرئيس حكيم دومو..فكل الشعارات والرسائل التي حملتها اللافتات تلتف حول مطلب واحد مؤداه إقالة الرئيس ومكتبه ثم محاسبة العابثين بمالية الفريق. - محمد أمين البداوي (تاجر) لقد أعجبت بالوقفة من حيث التنظيم والشعارات المنددة بسوء التسيير داخل الكاك، فكل ما نريده هو مشاهدة فريق قوي ومتراص، كما أعتقد جازما بأن الانتدابات التي يقوم بها المسؤولون لا تقدم أية قيمة مضافة للفريق..ففي الوقت الذي نترقب فيه استقطاب لاعبين يجمعون بين الجاهزية التقنية والطراوة البدنية لمؤازرة الفريق نفاجأ بإقحام لاعبين أقل مستوى من المحليين..لذا نأمل أن تكون هذه الوقفة بمثابة رسالة إلى من يهمهم الأمر. - عبد السلام شرامخة (عامل) شيء مؤثر أن تقام وقفة احتجاجية بهذا الحجم وهذا التنظيم المحكم..لقد تفاعلت بشكل كبير مع الشعارات التي رددتها الجماهير القنيطرة بصدد سوء التسيير الذي أوصل الكاك إلى أرذل المراتب..وأتمنى ألا تكون هذه المحطة هي الأخيرة بل يجب مواصلة المشوار حتى يخرج فريقنا من مستنقع الأزمات لأن التراكم هو الذي يصنع الطفرة والتغيير. - بلا مصطفى (فاعل جمعوي) أعتقد بأن هذه الوقفة قد جاءت محكومة بغيرة الجمهور القنيطري على فريق المدينة الذي يقوده رئيس راكم العديد من التعسفات، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على الفساد الذي يجثم على الشأن الكروي القنيطري. وعليه فلابد من المحاسبة على سنوات التسيير العشوائي والصفقات المشبوهة التي سجلت أثناء ولاية الرئيس حكيم دومو. - مهدي الخمري (موظف) وقفة كانت ناجحة بكل المقاييس، لكن ما أود الإشارة إليه هو أنه لم يسبق لنا أن سمعنا على هذا التنظيم الحقوقي المنظم للوقفة وهو يقود معارك التنديد بالانفلاتات الحقوقية وكذلك نهب الأموال العمومية المسجلة في مجالات وقطاعات أخرى يعرفها الجميع. وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كانت هذه المبادرة مجرد مزايدة أو رغبة في تأكيد الذات لاسيما في ظل تقاعس هذه الجمعية عن الالتفاف حول العديد من معضلات الفساد المالي والحقوقي. على العموم تبقى هذه المبادرة معبرة عن تطلعات الجمهور القنيطري المتعطش لرؤية فريقه قادرا على مجاراة الكبار. - المهدي همين (طالب) نريد أن تسفر هذه الإحتجاجات عن حلول تساعد النادي القنيطري على استرجاع أنفاسه قبل فوات الأوان لاسيما وأنه يتواجد الآن في مركز يجعله مهددا بالتهاوي إلى القسم الثاني، لقد أصبحنا نتطلع لرؤية وجوه جديدة كفيلة بإضافة جرعات من الأمل داخل الفريق. كواليس الوقفة - حضر منظمو الوقفة في حدود الساعة الخامسة مساء إلى ساحة النافورة قصد وضع آخر الترتيبات التنظيمية واللوجيستيكية لإنجاح الوقفة. - شهدت الوقفة حضور مسؤولين نافذين بالعديد من التنظيمات السياسية، الحقوقية، الجمعوية ثم النقابية، وهو ما يوحي بتجاوب هؤلاء الفاعلين مع مطالب الجمهور الرياضي القنيطري. - قام رجال الأمن بتشكيل حواجز بشرية بمحاذاة الرصيف تحسبا لأي تدفق جماهيري اتجاه شارع محمد الخامس الذي يعتبر الشريان الأساسي للمدينة. - لم تسجل أية أحداث شغب أو تعنيف أمني في أعقاب الوقفة، حيث تفرقت الجموع في شكل حضاري ومسؤول. - تناوب على الميكروفون أطر حقوقية فضلا عن عناصر منتسبة لفصيل حلالة بويز لترديد شعارات وأناشيد تعبر عن الأجندة المطلبية لهذه الشريحة من الجمهور القنيطري. - خلافا لما يحدث أحيانا في الملاعب الرياضية من استفزاز أمني غير مبرر، تعامل رجال الأمن بمرونة كبيرة في مخاطبة الجماهير وتفريقها..كما ظلت مختلف الوحدات الأمنية المرابطة بساحة النافورة إلى أن انفضت التجمعات المتناثرة عبر محيط النافورة. - تخلفت القنوات التلفزيونية التابعة للقطب العمومي عن تغطية وقائع هذه الوقفة بالرغم من إشعارها عبر مراسلات وجهت إلى كل من القناة الأولى - القناة الثانية - قناة الرياضية وقناة ميدي 1 TV. - ظلت جسور التنسيق ممتدة بين اللجنة المنظمة وعناصر منتمية لفصيل حلالة بويز بخلفية تأطير الحشود الجماهيرية وتوجيهها تحسبا لأي انفلات تنظيمي مفترض. إعلاميون ومسؤولون على خط التقييم والإستشراف اعتبرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان عبر بلاغ لها بأن اتخاذ مبادرة الاحتجاج يوم الثلاثاء المنصرم على سوء التدبير المالي داخل فريق النادي القنيطري قد جاء بخلفية اقتناعها بمبدأ صيانة الحقوق الاقتصادية وسيادة القانون وهو ما يؤطر حسب نفس البلاغ مطالبتها بإقالة المكتب المسير وتسريع مساطر المساءلة القضائية بصدد الكشوفات المالية للفريق، وهو طبعا السياق الذي جاء فيه تصريح السيد إدريس السدراوي رئيس الرابطة الذي أقر بأن هذه المحطة الإحتجاجية لم تأت بسبب النتائج السلبية التي حصل عليها الفريق بقدر ما جاءت محكومة بخلفية الكشف عن ملفات الفساد المالي على حد تعبيره والمتمثلة في العديد من الصفقات المشبوهة حسب ذات التصريح. كما استفاض السيد هشام عبيل المستشار الجماعي وعضو الحركة التصحيحية في تفكيك أبعاد الدينامية الاحتجاجية والمطلبية التي أطلقتها "الحركة التصحيحية" منذ مستهل الموسم الجاري معتبرا هذه الوقفة الاحتجاجية لا تخرج عن الأجندة المطلبية لتيار المعارضة الذي حددها نفس المتحدث في الإقالة والمحاسبة وذلك من منطلق المناهضة المبدئية لفلسفة اللاعقاب حسب تعبيره مضيفا إلى أن الوقفة قد جاءت في سياق نضالي مؤسس على خيارات التنديد بما اعتبره التسيير الفردي والتدبير المشبوه لصفقات اللاعبين وهو طبعا التوجه الذي زكاه كل من سعيد الخيال ومولاي إدريس بنساسي باعتبارهما عضوان نافذان ب "الحركة التصحيحية" حيث أردفا في الإقرار بأن تنحية السيد حكيم دومو عن كرسي الرئاسة وبالتالي مساءلته أضحى يشكل خيارا استراتيجيا لطابور المعارضة. أما السيد محمد الفيلالي مؤسس "الحركة التصحيحية" فقد اختار أن تكون مقاربته لما بعد الوقفة على شاكلة استشراف الأفق المستقبلي للحركة المطلبية التي يقودها رفقة زملائه حيث شدد بالإضافة إلى الإقالة والمساءلة على أن هواجس التيار المعارض تتجاوز الاستيلاء على مقاليد التسيير وبالتالي إعادة إنتاج إستراتيجية الإستفراد بالقرارات بقدر ما تبقى محكومة ببدائل عقلانية تهتدي بأسس ومعايير التدبير الجماعي المنتج. كما تجدر الإشارة إلى أن المقاربة الإعلامية لم تكن غائبة عن هذا الزخم الاحتجاجي العارم، حيث أبى كل من الزميل بلعيد كروم عن جريدة المساء ثم الزميل علال مليوة عن جريدة العلم إلا أن يعبرا عن افتتانهما بالصقل التنظيمي المحكم لوقفة الثلاثاء وكذا بالتفاعل الحضاري للجماهير الحاشدة التي تقاطرت فرادى وجماعات على مكان الوقفة للتغيير عن مواقفها الرافضة لأنماط التسيير السائد في النادي كما أشاد الزميلان برقي الثقافة الاحتجاجية لدى الجمهور القنيطري الذي حضر إلى مكان الوقفة منددا ليغادرها مسالما على حد تعبيرهما.