تسليم إسبانيا أوسمة من مستوى عالٍ بل أرفع وسام شرفي للدولة الإسبانية، لمسؤولين أمنيين مغاربة، يشكل ضربة قاضية لتفاهات فرنسا، التي ظهرت كطفل يلعب بالأمن والسياسة والاستقرار، الذين لا يمكن تركهم للعبث، وإلا تحولت النار لتحرق المنطقة وليس الدول المعنية فقط. بهذا التوشيح تكون إسبانيا قد نسخت أخطاء فرنسا الديبلوماسية، والتي تورطت في الانحطاط الأخلاقي في التعامل مع الدول ذات السيادة، لكن يبدو أن فرنسا الاشتراكيين، التي تعاني من كاريزما رئيس الدولة، تحن إلى الحقبة الاستعمارية، ناسية أنها كانت أقصر فترة احتلال هي التي عاشها المغرب، الذي تصدى على مدى قرون للغزو العثماني. فرنسا غير مصدقة ووضعت يدها على خدها. من هي الشخصية التي تم توشيحها؟ إنه عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني، الذي يواجه شكاية كيدية بفرنسا. الفرق بين البلدين اليوم حول تقييم الأداء الأمني المغربي. ففرنسا ترى في المسؤول الأول عن الديستي مجرد شخص متهم بتعذيب مواطنين يحملون الجنسية الفرنسية، حتى لو كان من بينهم البوكسور الذي ابتز الدولة بأكملها، وكان من بينهم النصاب المحتال، والإرهابي القاتل بمخيم كديم إزيك. لكن إسبانيا ترى في الجهاز الأمني المذكور برمته عاملا مهما في الاستقرار في العالم، وخصوصا في ضفتي المتوسط، وهذا ما قاله وزير الأمن الإسباني "أمن إسبانيا، وأمن حدودنا، ومكافحة شبكات الاتجار في البشر، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات يعتمد بشكل كبير على التعاون المهم مع المغرب". هذه العبارات هي التي ينبغي أن تنصت إليها فرنسا، التي تعاني اليوم من ضعف مستويات التقييم، والتي ترى تحت أنفها، ولا تعير الأبعاد الاستراتيجية أي اعتبار. ففرنسا كانت هي الأولى التي يجب أن تنتبه إلى ضرورة توجيه التقدير والاحترام للأجهزة الأمنية المغربية، التي ساهمت في كثير من الأحيان في تجنيبها أفعالا إرهابية. فرنسا التي أصبحت اليوم فضاء مفتوحا يرتع فيه الإرهابيون نظرا لثغراته الأمنية الكبيرة، بل إن فرنسا تحولت إلى ممر أوروبي للمجموعات التكفيرية، نظرا لضعف أجهزتها الأمنية، ونظرا للتعامل غير اللبق مع أجهزة الدول الأخرى، حتى تحولت المخابرات الفرنسية اليوم إلى أضعف جهاز من حيث توفره على المعلومات. فإسبانيا لم تمنح هذا الوسام مجانا أو مجاملة، فوسام "الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني بتميز أحمر"، لا يمنح إلا وفق معايير دقيقة لأنه أرفع وسام شرفي في إسبانيا، وبالتالي فإن منحه نادر الوقوع ولهذا فإن اختيار إسبانيا للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، هو امتنان إسباني بأن المغرب ساهم بشكل فعال في تجنيب إسبانيا ويلات أمنية كثيرة. فلولا الفعالية الأمنية المغربية لعبر حراكو جنوب الصحراء إلى شبه الجزيرة الإيبرية، ووصل الجهاديون الذين تدربوا في الجزائر إلى المدن الجنوبية الإسبانية، ولأصبحت إسبانيا مفتوحة أمنيا ومخترقة بشكل كبير. لكن فرنسا لها وجهة نظر أخرى لأنها أصبحت خارج السياق الاستراتيجي.