تعتبر الدروس الحسنية، التي أسسها المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني، سنة انفردت بها المملكة المغربية في شهر رمضان، على باقي دول العالم العربي والإسلامي، بحيث أصبح القصر الملكي بالرباط جامعة رمضانية، يتم دعوة الفقهاء والباحثين لإلقاء دروسهم من خلالها حول قضايا وهموم الأمة الإسلامية ومشاكلها، وفق منهجية علمية مع الحكمة والوسطية في الطرح والمعالجة، ورغم محاولات المنافسة على هذا الموضوع ففشلت في ذلك، مثل من يؤسس مسجدا ضرارا. وتميزت هذه الدروس بالتنوع والتعدد، وأكدت أن المغرب المالكي، بنا مدرسة في التدين وفي فهم الدين منفتحة على كافة المدارس والمذاهب، ومنذ خمسين سنة وقبل الحديث عن التجديد الديني عملت هذه الدروس على أن تكون جامعة وشاملة، وحضرها مفكرون وعلماء من مختلف أصقاع العالم، ولم تستثن طائفة ولا مذهبا، حيث حضرها علماء مالكية وشوافع وأحناف وحنابلة وصوفية وإسماعيلية وشيعة إثنى عشرية مثل الإمام موسى الصدر، الذي ما زال مجهول المصير منذ استدعاه القذافي واختفى. وشكلت الدروس الحسنية ملتقى للإبداع الإسلامي ومحاولات التجديد الديني، واستقبلت شخصيات مختلفة لكنها أصبحت عنوانا وعربونا على السير السليم في طريق التجديد، حيث أصبح هناك علماء مخلصون لهذه الدروس، بينما لفظت آخرين تبين أنهم لا يصلحون لها وأن أفقهم ضيق، حيث لا يمكن ان تقبل هاته الدروس فقهاء يدعون للفتنة ويحرضون على الطائفية وعلى القتل، مثل يوسف القرضاوي، الذي حضر سنة 1985 هذه الدروس، ومثل أحمد الريسوني، الذي ألقى درسا بحضرة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، لكن ظهر مع الوقت أنه يبايع القرضاوي إماما للعصر وفقيها للأمة بلا منازع مع انخراطه في دعوات التكفير والقتل. فالدروس الحسنية مصفاة لدعاة التجديد الديني، حيث إن هذا المر أصبح بدعة تتبعها بعض الدول التي تصرف الملايير على التجديد الديني، لكنها لم تصل إلى نتائج مثل التي وصلت إليها الدروس الحسنية، فرغم الأموال الطائلة التي تم صرفها على مؤسسات معينة لم تأت بنتيجة لأن الغرض منها سياسي وليس ديني، في حين التزمت الدروس الحسنية مبدأ التجديد الديني كمنهج لها، ولم تنخرط في التقاطبات السياسية الدولية والإقليمية مما أكسبها رونقا خاصا وصبغة مختلفة عن غيرها. وفي عهد جلالة الملك محمد السادس اتخذت طابعا جديدا وانفتاحا غير مسبوق، حيث لأول مرة ألقت سيدة درسا حسنيا ويتعلق الأمر برجاء مكاوي، مما يدل على أن فهم الدين غير مقتصر على جنس دون آخر، ولكنه مفتوح لكل من اكتسب الأدوات والعدة والعتاد. ومن خلال ما راكمته الدروس الحسنية على امتداد نصف قرن أصبح الأمر يتطلب تكوين مؤسسة خاصة بالدروس الحسنية، لتمتيعها بالصفة المعنوية، حيث تتحول إلى أكاديمية للدراسات والأبحاث المتعلقة بالتجديد الديني والإنتاج المعرفي المتعلق بالدين وأصوله بعيدا عن التطرف والغلو.