بالإصرار على ترشيح عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية الجزائرية تكون الجزائر قد دخلت مفارقة تاريخية محفوفة بالمخاطر، باعتبار أن الزمن هو زمن الإصلاحات الكبرى كما حدث في كل البلدان، كما أن بلدان الجوار الجزائري عرفت تحولات عميقة كل بطريقته، في حين ما زال الشباب الجزائري، ينتظر حصته من التغيير حتى يتمكن من مراقبة ثرواته وخيراته، ومكمن المفارقة أن زمن التطلعات للتغيير هو نفسه زمن ترشح بوتفليقة للرئاسيات رغم حالته الصحية المتدهورة ورغم أنه لا يحكم أصلا. فالشباب الجزائري له تطلعات مختلفة عن تطلعات القيادات التاريخية وعن توجهات العسكر، حيث يعيش الشباب لنفسه ولا يرى في النزاعات التي تقودها الجزائر مع جيرانها ذات جدوى، بل يرى نفسه غير معني بها أصلا. فسؤال الشباب الجزائري: هو ما الفائدة من دعم البوليساريو ومعاداة المغرب في الوقت الذي لا يجد فيه المواطن الجزائري ما يقتات به؟ وفي هذا السياق كتبت إيزابيل ويرينفيلز، مديرة قسم الشرق الأوسط وإفريقيا بالمعهد الألماني لشؤون الأمن الدولي، أن إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (77 سنة) عن ترشحه لولاية رئاسية رابعة على التوالي، في ظل تفاقم الانقسامات وتصاعد التوترات بين المؤيدين والمعارضين لهذا الترشيح داخل الطبقة السياسية والجيش والإدارة والنخبة الاقتصادية، يدخل النظام الجزائري في "مفارقة تاريخية محفوفة بالمخاطر". وأكدت ويرينفيلز، في مقال تحليلي نشرته مجموعة التفكير الأمريكية، كارنيغي إندومنت فور بيس، أن "أي احتمال للإصلاح يظل مستبعدا" في ظل الانقسامات العميقة داخل الطبقة السياسية ومراكز السلطة بالجزائر. وأوضحت أن هذه الانقسامات تخترق حزب جبهة التحرير الوطني، وفروعه، ومجموع الأسرة الثورية، وكذا اللوبي الاقتصادي الذي يشكله منتدى رؤساء المقاولات"، مضيفة، في هذا الصدد، أن "الإساءات اللفظية" تكاثرت في الصحافة المكتوبة والإلكترونية. وتوقعت إيزابيل ويرينفيلز أنه "كيفما كان الطرف الذي سيخرج فائزا من الاقتراع الرئاسي، فإنه سيكون مدعوا إلى مواجهة مقاومة شرسة من باقي مراكز السلطة"، مؤكدة أن هذه الوضعية تمهد الطريق "إلى الجمود السياسي عوض الإصلاحات". ولاحظت أن الناخبين بالجزائر "منشغلون بالاستقرار، ومتخوفون من عودة عنف سنوات التسعينيات"، مضيفة أن التحديات التي يتعين على الجزائر مواجهتها تتمثل في "النزاعات الإثنية وعدم الاستقرار الاجتماعي، مرورا بالتهديدات الأمنية (...) وتقلبات أسواق النفط العالمية، وهي عوامل تهدد أكثر فأكثر سياسة الحكومة القائمة على شراء الولاءات من أجل إسكات الاحتجاجات الاجتماعية". إذن فتحديات الجزائر اليوم ليست هي التي تعبر عنها القيادة الحالية المتشبثة بالسلطة إلى آخر نفس. فالرؤية اليوم تتجه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقدم العلمي والتقني وليس المؤامرات السياسية ضد الجيران.