حرك إعلان حزب جبهة التحرير الجزائرية عزمها ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة الساحة السياسية في هذا البلد، وبدأ جدل سيتسمر طويلاً بالتوازي مع اصطفاف القوى السياسية في ثلاثة تيارات، بين من يؤيد ومن يرفض ومن ينتظر إنجلاء هذا الجدل على أحد أمرين، إما الترشح أو عدمه. الرئيس بوتفليقة، (76 عاماً) والرئيس الشرفي لجبهة التحرير الذي يعاني من أزمة صحية إثر جلطة دماغية أصابته في إبريل/نيسان الماضي، لم يعلن رسمياً خوض الانتخابات المقررة في إبريل/نيسان المقبل، ولا يُعتقد أنه سيعلن موقفه قبل إقرار تعديل على الدستور، تقول الدوائر القائمة عليه، إنه سيحمل “مفاجآت” تعزز مساعي إرساء نظام مدني يبتعد تدريجياً عن تدخلات الأجهزة العسكرية والمخابرات في إدراة شؤون السلطة. الأنظار في الجزائر منشدة إلى معرفة أسرار التعديل الدستوري أكثر من إعلان بوتفليقة الترشح لولاية جديدة أو انسحابه، فالتعديل يمكن أن يقود إلى تغيير في هيكلة الحكم ويعكس تطلعات واسعة لتطوير آليات صناعة القرار، وفي ضوء ذلك يمكن أن تتنزل قضية ترشح بوتفليقة، لأنها بشروط اللحظة الراهنة، هي أقرب إلى المناورة منها إلى القرار النهائي. ومن يقود المناورة هو حزب جبهة التحرير لأمر يتعلق بصراعات داخل هذا الحزب الكبير أو لتوجيه رسالة إلى المعارضة التي يحلم كثير من قادتها بخوض انتخابات شفافة تغير المشهد السياسي وتأتي بقيادات جديدة للبلاد بعد أن تعافت تدريجياً من داء الإرهاب، رغم المخاطر الكبيرة التي تتهددها من حدودها الجنوبية والشرقية. من حق المعارضة الجزائرية أن تحلم بواقع جديد وهذا حقها، ولكن بالمقابل فإن جبهة التحرير لها الموارد والقدرة والحضور الشعبي لفرض مرشحها وفوزه بأريحية في الانتخابات، وما يؤكد هذه الحقيقة أن هناك أحزاباً أخرى مثل “تجمع أمل الجزائر” وشخصيات وطنية فاعلة تساند بوتفليقة للترشح، أما أهم عوامل المساندة فتظل المؤسسة العسكرية المعروفة بأنها صانعة الحكام في الجزائر . ويضاف إلى ذلك قوى سياسية أخرى تساند سياسة بوتفليقة، ولكنها لا تدعم مضيه إلى ولاية رابعة بعد أن أمضى 15 عاماً في السلطة، وحجة هؤلاء أنه استطاع في ولاياته الثلاث أن يقود سياسة أخرجت الجزائر من مستنقع الدم والإرهاب مع انتعاش نسبي للاقتصاد وتسديد لجميع الديون، ويخشون من ضياع هذه المكاسب أو تراجعها نظراً لاعتلال صحته وللخشية من تعاظم التهديدات الكامنة خلف الحدود وبالأخص في ليبيا الجارة التي تعاني من فوضى متعاظمة. الجزائر تقف على مفترق طرق أغلب اتجاهاته تؤدي إلى الاستقرار، ولكن هذا لا يعني أن اللحظة ليست حرجة، وأن تجاوزها يتطلب دعماً إضافياً للمكاسب المنجزة للتمكن من مواجهة المتطلبات المستقبلية، فمثلما هناك إنجازات تحققت، هناك انتقادات ومؤاخذات كثيرة على السنوات الماضية من حكم بوتفليقة، وبالإمكان أن تكون الانتخابات الرئاسية المفترضة الربيع المقبل أن تصنع عهداً جديداً بقطع النظر إن بوتفليقة على رأسه أو على هامشه.