استمعت لألبوم معاذ بلغوات "الحاقد" من البدء حتى المتم. استمعت لكل التيترات، لكل المورصوات، وكلفت نفسي بمهمة فوق المستطاع: أن أنهي الألبوم من بدئه حتى الختام. استمعت لكثير الشتائم في الألبوم. سباب من الألف إلى الياء. عبارات موغلة في الدفع نحو الاشمئزاز، والاقتناع بأن الشاب الذي قدموه لنا في لحظة من اللحظات بأنه ضمير الشعب وصوت ثورته المقبلة هو مجرد "شمكار" يسب الناس، ومعذرة على الكلمة لكنها ليست سبا، وإنما هي وصف لما قاله بلغوات في الألبوم منذ أغنية "نص إيطرو" إلى "تحربيشة". لسوء حظي أو لحسنه - لا أدري - كنت قد انتهيت للتو من مشاهدة جوائز الموسيقى الفرنسية على "فرانس 2′′. كان الظاهرة ستروماي قد قدم بعضا مما لديه من قدرة على الإدهاش بعد أن فاز بكل الجوائز المهمة، وكان قد سجل في حوار صحافي بعد الفوز جملته الموغلة في التواضع "لا أقدم الراب أو الأرأن بي أو السول أو البوب، أقدم موسيقاي وأحرص أن تكون خليطا من كل هذا وأتمنى أن أواصل على نفس المنوال". هذه الفقرات من مقال الزميل المختار لغزيوي، مسؤول القسم الفني بيومية الأحداث المغربية، واختار له من العناوين أجودها "عكاشة فاميلي"، فمراد بلغوات المعروف بالحاقد، استمرأ الوجود في السجن بعد سنة قضاها هناك، وذلك لأسباب يعرفها هو لوحده ويعرفها بعض خلانه من "المحابسية"، وبالتالي اختار أسلوب "الشماكرية" المليء بالسب والشتم عل وعسى أن يجد من يجود عليه بسنة أخرى من السجن ليقضي أغراضه هناك. وجاءت مقالة لغزيوي بما عهدناه فيه من مهارة في النقد الفني والانحياز للفن بكل معاييره بعيدا عن السياسوية والإيديولوجية. وكان محقا في شبه بكائية على زمن كانت لنا فيه أغنية كنا قادرين على أن نرفع بها رؤوسنا في العالم وكنا نقدم للشرق نماذج فنية كبيرة. لكن اليوم الفن أصبح مثل الدار الخالية التي يدخلها الشمكارة وعديمو الضمير وعديمو الموهبة، فيكفي أن تصنع كمنجة من صفيحة حديدية حتى تصبح فنانا، وما دام التسجيل لم يعد معجزة أو أسطورة كما كان في السابق فيمكن أن تنسخ بضع نسخ وتسميها ألبوما يتضمن بضع أغانٍ لا تخرج عن السب والشتم. كيف تحول بلغوات إلى فنان؟ في الزمن اليساري ظهر فنانون كثيرون لكن ارتبطوا بالحركة وبالجامعة كانوا يرددون بضع أغانٍ لمارسيل خليفة والشيخ إمام أو أغاني من إبداعهم لكنهم أنهوا مشوارهم مع انتهاء تلك الحقبة ولم يصنع منهم أحد فنانين. لقد انقلبت المعايير واختلت الموازين بشكل كبير. فلو وضعنا الآن الحاقد أمام فنان أو فنانة رائعة ضابطة للمدرسة الموسيقية ومتألقة تغني الأغاني الرومانسية، فسيفوز الحاقد الذي لا يعرف غير السب والشتيمة. يعني هذا هو النموذج الذي يريدونه لنا. هو أن يتحول الفن إلى حركة للسب والشتم.