شهد المغرب في الأيام القليلة الماضية نشاطا سياسيا وديبلوماسيا لافتا ذا نكهة أسيوية جسدته على الخصوص الزيارتان الهامتان لكل من رئيس الديبلوماسية الهندية، سلمان خورشيد، ووزير الإدارة العمومية والشؤون الداخلية المبعوث الخاص لرئيس سريلانكا، والثانثريج دون جون سينفراثن، مما يدل على الحضور المغربي المتميز والوازن على الساحة الدولية عموما، وعلى الاحترام والتقدير اللذين تحظى بهما المملكة في علاقاتها الثنائية التي تربطها بعدد من الدول في القارة الأسيوية. بين المغرب والهند علاقات ممتدة في الزمن بحيث ظلت الهند، على الدوام، حاضرة في أذهان المغاربة، وظل التواصل قائما بالرغم من بعد المسافة، وبالرغم من بعض لحظات الفتور العابر في العلاقات بين الرباط ونيودلهي حيث تمكن البلدان من تجاوزه بسرعة بفضل نهج العاصمتين للسياسة الواقعية في علاقاتهما، مما سمح بحصول تطور نوعي وتقارب متزايد في هذه العلاقات كما عبر عنه المسؤول الهندي، على الأخص منذ الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى الهند قبل عامين. لسنا في حاجة إلى القول إن المغرب في حاجة إلى الهند، والهند في حاجة إلى المغرب. ذلك أن ما يهم في العلاقات بين الدول هو قدرتهما على استكشاف آفاق المستقبل. وهو بالضبط ما تم خلال زيارة وزير الخارجية الهندي للمملكة حيث حظي باستقبال ملكي. وقد توجت هذه الزيارة بالتوقيع على اتفاقيتي تعاون في مجال الصيد والبيئة وصفتا باتفاقيتي تعاون استراتيجي في انتظار تفعيل ما تم التباحث حوله في المستقبل المنظور خاصة ما يتعلق ب"اتفاقيات الجيل الجديد"، علما أن الهند تبقى أول مستثمر أسيوي وثاني شريك تجاري للمغرب. ومن دون شك، فإن رغبة نيودلهي في اهتمامها بالثروة السمكية المغربية سيفتح المجال لتعاون كبير واستثمارات مادام أن المغرب يطل على بحرين وتمتد شواطئه على آلاف الكيلومترات. وإذا أضفنا إلى هذا الاهتمام الهندي بالفوسفاط المغربي ومشتقاته، نعرف مدى حاجة بلاد غاندي إلى هذه المادة الحيوية لقطاعها الفلاحي بغية توفير الغذاء لمليار هندي، حيث أن الفوسفاط يمثل أكثر من 40% في حجم التبادل التجاري بين البلدين. إن الإقبال الهندي لم يأت من فراغ بل على أسس ومعطيات واقعية أعطتها صورة واضحة عن التطور الإيجابي للعلاقات بين الرباط ونيودلهي على الأخص في مجال الاقتصاد والاستثمارات، وهو التطور الذي لم يكن ممكنا إلا بفضل الإصلاحات الحيوية والناجحة للمملكة على أكثر من صعيد كما جاء على لسان رئيس الديبلوماسية الهندي، خورشيد. أما على الصعيد السياسي، فإن الحرارة التي عادت بقوة، في السنوات الأخيرة، إلى علاقات البلدين خاصة بعد التفاهم الحاصل حول العديد من القضايا الثنائية والجهوية والدولية، تؤهل البلدين للقيام بأدوار طليعية على المستوى العالمي. أما بالنسبة لسريلانكا، فإن إيفادها لمبعوث خاص محمل برسالة خاصة من طرف رئيس البلاد، ماهيندا راجاباكسي، حول تطور الوضع الداخلي لبلاده، يدل على المكانة التي أصبح المغرب يحتلها في المنطقة الأسيوية، خاصة بفضل تجربته السياسية والحقوقية التي أصبحت مثار اهتمام متزايد في الخارج، وتحديدا في مجال المصالحة الوطنية والحفاظ على الوحدة الترابية. ومعلوم أن سريلانكا تعاني منذ مدة من مشاكل تهدد وحدتها وتماسكها الوطني. وهي المناسبة التي لم يتأخر المغرب في التعبير خلالها لسريلانكا بدعم وحدتها الترابية والحفاظ على استقرارها، إلى جانب العمل على تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك. هذان الزيارتان اللافتتان تدلان بوضوح على السمعة الطيبة التي يحظى بها المغرب لدى مختلف الدول، وعلى الحضور المغربي في صلب العلاقات الدولية من خلال الأدوار التي يقوم بها من أجل تعزيز صلات التعاون والتقارب القائم على أسس الحوار والتفاهم وتبادل المصالح بما يخدم العلاقات الثنائية. إن التجاوب الأسيوي مع المغرب وإقباله الكثيف على السوق المغربية هو إقبال على سياسة ملك متنور ومنفتح وإقبال على ما حققه هدا البلد العربي الإفريقي المسلم المتفتح من تحولات عميقة ديمقراطيا ومن إرساء قوي لقيم الديمقراطية وفق مقاربة مغربية .