الجزائر ومنظار الجنرال لدى النظام الجزائري عقدة تجاه المغرب، دولة وشعبا، وهي عقدة لها أبعاد تاريخية رغم أن السياسة ليست فيها عداوات دائمة ولا صداقات دائمة وإنما تنبني على مصالح الدول والشعوب. فما السر في هذه العداوة؟ للجواب عن هذا السؤال لابد من فهم طبيعة النظام الجزائري. فرغم وجود أحزاب وانتخابات ورئاسة جمهورية إلا أن طبيعة هذا النظام يمكن اختزالها في الموقف التالي : نظام عسكري ذو واجهة مدنية. فمشكل النظام الجزائري أنه نظام عسكري يوظف المدنيين كواجهة للدعاية وللتواصل مع الشعب ومع العالم الذي أصبح يرفض الأنظمة العسكرية. والعسكري في الأنظمة الشمولية والديكتاتورية يكون تكوينه عسكريا وحربيا ولا علاقة له بالسياسة. فالعسكر يفكر في المعركة والسلاح بينما السياسي يفكر في لعب الأوراق من أجل مصلحة بلده، وهنا مكمن الفرق، فالعسكري يعرف الانتصار والهزيمة فقط بينما السياسي يعرف التقدم هنا والتأخر هناك. النظام الجزائري يفكر دائما بعقلية العسكري الذي لا يرى في الآخر إلا عدوا. وهذا هو العنوان الكبير الذي يحكمه ويتحكم فيه وعلى ضوئه يتسابق لشراء السلاح وافتعال الأزمة لزعزعة استقرار من يفترضهم أعداء ويعمل على تصدير أزمته الداخلية لينعم بلده بالاستقرار. ولا يتوانى العسكري المحارب في استعمال الإشاعة غير مفرق بين السياسة والحرب التي تستعمل فيها "الحرب النفسية" والتي تعتبر الجزء الأكبر من المعركة. فالنظام العسكري الجزائري يعتبر المغرب العربي منطقة حرب دائمة وأن المغرب هو عدو دائم، وهذا تفكير لا يوجد لدى السياسي. وفهم طبيعة تعامل النظام الجزائري مع المغرب ينطلق من فهم طريقة تفاعل الجنرال مع أرض المعركة ومع ضباطه وجنوده. فهو يعيش في مركز العمليات بين خدامه ويتوفر على وسائل التكييف ووسائل الأكل، أما باقي الجنود فهم يأخذون الأوامر لمواجهة العدو. ومن هذه الرؤية وهذا المنظار يعيش العسكر الجزائري حالة الطوارئ مفترضا أن المعركة مستمرة مع العدو الذي ليس سوى المغرب. فهذا هو الوهم الذي يروج له الجيش الجزائري أو قادته حتى يستمر في السيطرة على الحكم والسيطرة على الثروة النفطية، مفترضا أن المغرب يمكن أن يعرف حالة عدم استقرار وستؤثر في المنطقة وبالتالي هو يزعم أنه يهيئ الأجواء لمثل هكذا حالة. فجنرالات الجزائر الذين شاخوا اليوم مازالت لديهم عقدة حرب الرمال التي دارت بين المغرب والجزائر سنة 1963، والتي انهزم فيها الجيش الجزائري وكادت تكون معركة كبرى لولا حكمة وتبصر الملك الراحل الحسن الثاني الذي أمر الجنود المغاربة بالعودة، لأنه كان يعتبر العملية ردا على قتل جنود مغاربة بجوج بغال. فالمغرب احتضن نضالات الشعب الجزائري التي كانت تمثلها آنذاك جبهة التحرير الوطني، والتي ماتت اليوم وأصبحت جثة محنطة سطا عليها العسكر ليحكم من خلالها الجزائر. فالعسكري غير مقبول في الحكم ولهذا يبحث عن مدني يختبئ وراءه ومن خلاله يدير شؤون الدولة. وعندما لم يجد العسكر الجزائري مدنيا ليمسحوا فيه طغيانهم استوردوا محمد بوضياف الذي تم اغتياله واستوردوا بوتفليقة الذي كان بالخارج ليبحثوا اليوم تنصيبه رئيسا لولاية رابعة. هذا هو العسكري الجزائري الذي يرى السياسة بمنظار الحرب ولا يرى الأمور المتعلقة بالجيوبوليتيك.