بمجرد ما علمت صحيفة "الشروق" الجزائرية، المعروفة بارتباطاتها مع أجهزة المخابرات، بموضوع الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى ندوة السفراء بالرباط، حتى بدأت تتخبط من المس بسبب ما أصابها من حالة صرع غريبة جعلتها تهذي في كلامها غير المسؤول وغير الموزون. فتحت عنوان مثير "ملك المغرب يجيش سفراءه ضد الجزائر، شرعت الصحيفة المذكورة في حملة حقيقية لتجييش الرأي العام الجزائري بدعوى أن الملك يشن "حربا غير معلنة" ضد الجزائر بهدف تأليب العواصم الدولية ضد الجزائر. وذهبت الصحيفة إلى التدخل فيما لا يعنيها حين قالت أن الملك تحدث مع سفرائه بينما الحقيقة أنه وجه رسالة إلى ندوة السفراء بالرباط، وليس إلى العواصم الدولية. وفي كذبة مكشوفة، قالت إن المغرب يصنف الجزائر ضمن قائمة خصوم الوحدة الترابية، في حين أن الحكام الجزائريين هم الذين صنفوا أنفسهم، منذ أخذهم "حق حضانة ورعاية البوليساريو" من ليبيا القذافي، خصوما للوحدة الترابية للمغرب؛ وأكدت ذلك بالدعم المادي والمعنوي والديبلوماسي، بل العسكري، اللامشروط واللامحدود للانفصاليين. وهو الدعم الذي لم تحظ به أي منظمة أو حركة تحرير من الجزائر، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا يعرفه الجميع، وليس وهما. بل إن الدعم الذي يخصصه حكام الجزائر للانفصال يفوق الدعم الذي من المفروض أن يتم توجيهه إلى الشعب الجزائري نفسه عوض أن يظل يعيش الفاقة والحكرة والتهميش. "الشروق" نفسها تعترف في موضوعها حين تقول "إن الجزائر ما هي سوى داعم لحق الشعب الصحراوي في تقريره مصيره". من أوصاها بذلك؟ وبأي صفة؟ والعجيب أن "الشروق" تقول هذا وهي تجهل إن حكام الجزائر أنفسهم أعلنوا، على رؤوس الأشهاد، أن الجزائر مستعدة لتقديم كل الدعم للمغرب لاسترجاع صحرائه، ليتحول دعمها إلى وضع نفسها متزعمة خصوم الوحدة الترابية للمغرب. نتحدى الحكام بالجزائر أن يتخلوا ساعة واحدة عن دعمهم لصنيعتهم "البوليساريو"؛ ونتحداهم أن يفتحوا منافذ مخيمات و"غيتوهات" لحمادة بتيندوف، ويتركوا لهم حرية التوجه إلى الجهة التي يريدون. هذا هو الاستفتاء الحقيقي؛ وهذا هو تقرير المصير المعقول. وما دمنا بصدد الحديث عن تقرير المصير، لماذا لا تخضع السلطات الجزائرية وتستجيب للمطالب الملحة والاحتجاجات الحاشدة لأبناء القبائل والطوارق الذين يطالبون فقط بالحكم الذاتي، وليس بتقرير المصير؟ يتأكد أن صحيفة "الشروق" ومن والاها، تجهل التحول الذي يعرفه المغرب، كما تجهل كل شيء عن الدستور الجديد للمملكة الذي يجعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، ومنحها صلاحيات دستورية مهمة، ومنها الاجتماع الذي عقده وزير الشؤون الخارجية والتعاون مع سفراء المملكة في مختلف بلدان العالم. وهو تقليد يسير فيه المغرب على غرار الدول الديمقراطية، وليس كالبلدان التي تحكمها أنظمة تيوقراطية وتوتاليتارية مازالت تعيش على إيقاع أزمنة بالية لم يعد لها رنين ولا صدى. على من تكذب "الشروق" وهي تنقل خطاب المؤسسة العسكرية الحاكمة في الجزائر، حين تعتبر ما يقوم به المغرب "تحولا جديدا في حربه المفضوحة وغير المبررة ضد الجزائر". المغرب لا يخوض أي حرب لا مع الجزائر ولا مع غيرها، ولا يسعى إلى ذلك؛ والمغرب ليس هو الذي يصر على إغلاق الحدود على أساس أن ذلك سيؤدي إلى خنق المغرب، من دون أن تشعر أنها (الجزائر) تخنق نفسها بنفسها؛ وليس هو الذي جمد، بل قتل الاتحاد المغاربي؛ وليس هو الذي يضع كل العراقيل في وجه تنمية المنطقة؛ وليس هو الذي يشن حربا متعددة الأشكال والصيغ وفي مختلف المحافل والمؤتمرات ضد جاره الشقيق المغرب. لكنه المغرب الذي يحمي وحدته الترابية من عبث العابثين ويصون سيادته الوطنية على سائر أقاليمه، متسلحا فقط بإرادته وعزيمته ومختلف مكونات وفعاليات ومنظمات البلاد، وبمشروعية قضيته التي يذوذ عنها إجماع وطني.