كشفت تقارير حقوقية عن الدور الذي لعبته دائرة الاستعلام والأمن الجزائرية في وقف مد الربيع العربي. وقالت المصادر ذاتها إن الدائرة، نجحت إلى أقصى حد في الحيلولة دون تحول الاحتجاجات إلى ثورة، قبل أن تضيف أن التغييرات الإقليمية قد تشجع ناشطي المجتمع المدني على تجديد المطالبة بتعزيز الحريات، رغم أن الحكومة، تستخدم في ردها عليهم، أقسى أشكال القمع. وسلطت التقارير نفسها الضوء على أحداث مارس، حين اعتدت القوى الأمنية على العديد من أعضاء "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، بينهم كمال الدين فخار، أحد كبار الأعضاء في المكتب الوطني للرابطة، على إثر تنظيمهم اعتصاما سلميا في مدينة غرداية شمال وسط البلاد، حيث تم توقِيف ناشطي الرابطة المشاركين في الاعتصام، وعددهم نحو عشرين، ووضِع العديد منهم في السجن – بعضهم وضِعوا في السجن الانفرادي. وكان أعضاء الرابطة نفذوا الاعتصام احتجاجا على المبلغ الكبير من المال الذي أنفقه النظام على مهرجان السجاد التقليدي في غرداية، حيث طالب المواطنون بإنفاق هذا المال على تشييد البنى التحتية في الجزائر ومكافحة البطالة المرتفعة. وأوضحت التقارير ذاتها تعرض الناشطين إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، حتى أن بعضهم نفذوا إضرابا عن الطعام احتجاجا على المعاملة السيئة. وقد أُطلِق سراحهم، مؤقتا، في الثاني من أبريل الجاري. وأضافت التقارير ذاتها أنه في 25 مارس، قبل يوم من اعتقال أعضاء الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، منعت الشرطة 96 ناشطا في المجتمع المدني من السفر إلى تونس للمشاركة في "المنتدى الاجتماعي العالمي"، الذي يجمع نحو 50 ألف مشارك سنويا لمناقشة حقوق الإنسان والمسؤولية الاجتماعية، واحتجِز الناشطون طيلة خمس ساعات في الحافلتين اللتين كانت تقلهما، على مقربة من الحدود التونسية في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة تبسة قبل منعهم من دخول تونس، ولم يحصلوا على أي تبرير رسمي لقرار المنع، فقد اكتفى رجال الأمن بالإشارة إلى أنهم "ينفذون التعليمات"، قبل أن تؤكد التقارير أن ما يحدث في الجزائر يؤشر على ارتفاع مستوى القمع الذي يمارسه النظام، في استعراض واضح لجهوده الهادفة إلى فرض الاستقرار في وجه التحديات الداخلية والإقليمية المتصاعدة. واعتمد النظام، حسب التقارير ذاتها، على استراتيجية مدروسة تهدف إلى فرض الاستقرار السياسي، ولاسيما من خلال لجوء الحكومة الجزائرية بوتيرة متزايدة إلى دائرة الاستعلام والأمن، وكذلك عبر إدخال تغييرات في الوجوه والقوى السياسية، في ما اصطلح عدد كبير من الجزائريين على تسميته "شد وجه النظام". فعلى سبيل المثال، في يناير 2013، أحبِطَت طموحات أحمد أويحيى من "التجمع الوطني الديمقراطي" وعبد العزيز بلخادم "جبهة التحرير الوطني" – اللذين لطالما اعتبِرا المرشحَين الأوفر حظا للانتخابات الرئاسية في العام 2014، على الرغم من أن شعبيتهما منخفضة جدا، حيث استقال الأول من رئاسة التجمع الوطني الديمقراطي، وأقيل الثاني من منصب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، حيث اعتبرت التقارير ذاتها أن هذه التغييرات مجرد تغييرات سياسية شكلية، فرضت من الأعلى من أجل استرضاء الشعب الذي يزداد تململا. وقالت إن من مازالوا يصرون على معارضة النظام – سواء في الشارع أو من خلال الإنترنت – يسهل رصدهم من قبل دائرة الاستعلام والأمن التي تشتهر بأنها من أكثر أجهزة المخابرات فعالية وقسوة في العالم. لكن الأكثر لفتا للأنظار هو الزيادة الأخيرة في نطاق القمع الذي يمارسه النظام ومدى حدته، والتي استقطبت الانتباه من جديد إلى الأجهزة الأمنية، فمنذ الحرب الأهلية، ترك ضباط دائرة الاستعلام والأمن بصمتهم على النظام السياسي الجزائري، واليوم (أكثر من أي وقت مضى) يبدو أنهم يعتبرون أن دورهم يقتضي منهم أن يكونوا حراس الاستقرار والأمن في البلاد.