قال عبد القادر عمارة الوزير الملتحي "على الدولة أن تشجع الاستثمار". كلمة حق أريد بها باطل. فهذه العبارة لا تختلف عن سابقاتها التي قالها بنكيران "الربيع العربي ما زال كيتسارى وتقدر ترشق ليه ويرجع"، أو ما قاله عبد الله بوانو "إن هناك جهات تسعى إلى إسقاط الحكومة الحالية، بعد أن تعرضت إلى كل أنواع العصيان والتشويش على عملها، ليصل الأمر بهؤلاء إلى مرحلة الاستهداف المباشر لكننا لهم بالمرصاد، وإذا كانوا لا يفهمون إلا لغة الشارع فنحن مستعدون للنزول إليه في أي لحظة". فما الذي يجمع بين هذه العبارات؟ إذا ما عرضنا هذه العبارات على رجل لا يعرف المغرب هل سيقول إنها صادرة عن حزب يقود الحكومة وعن قادته؟ أم سيقول إنها صادرة عن معارضة لا تفهم معنى الدولة؟ إن ما قاله عمارة ينبئ عن شيء دفين طالما حذرنا منه مرارا وتكرارا، إن القوم يستدرجون البلد للفتنة والفوضى وخلق النموذج المصري وشقيقه التونسي حتى يتسنى لهم التغطية على فشلهم في تدبير الشأن العام. ما المقصود هنا بالدولة؟ أليست الحكومة جزءا من الدولة وواحدة من مؤسساتها الكثيرة؟ المقصود بالدولة لدى أولاد العدالة والتنمية هي الجهات الغريبة التي يسميها بنكيران بالعفاريت والتماسيح، وليست مجموع المؤسسات التي يتظافر جهدها وشغلها في خدمة الأمن والاستقرار، وخدمة المواطن وضمان السير العادي لشؤونه. لكن العدالة والتنمية ينظر إلى الدولة نظرة ريبة، لأنه مهما حاول أن يظهر بمظهر المؤمن بالدولة الديمقراطية، حتى لا نقول المدنية التي لا يرى فيها الحزب سوى الشذوذ وعري النساء، فإن المنتسبين إليه وخصوصا من قدماء الجماعة الإسلامية يعشش في عقلهم ووجدانهم مفهوم آخر للدولة مستوحى من الأحكام السلطانية، وبالتالي فإن غموض مفهوم الدولة لدى هؤلاء هو من يجعل تعاطيهم معها مختلفا عن باقي مكونات المشهد السياسي. فالمسؤول عن تشجيع الاستثمار طبعا هو الدولة باعتبارها مؤسسات، أي وجود الأمن والاستقرار يشجع الاستثمار، ووجود قضاء مستقل يشجع الاستثمار، ووجود مناخ عام هادئ يساعد على الاستثمار. لكن المسؤولية الكبرى تتحملها الحكومة ووزارة عمارة أساسا. مسؤولية تهييء البنيات الأساسية للاستثمار ووضع الأسس المريحة للاستثمار وكف بنكيران عن تهديد رجال الأعمال والمال والكف عن الإجراءات الضريبية المضطربة التي تعتبر أكبر مهدد للاستثمار. ففي المغرب هناك مساران للعمل، فهناك مؤسسات أعطت مؤشرات مهمة للاستثمار، وهي مؤسسات دستورية غير مرتبطة بالحكومة، لكن ما زالت الحكومة زائغة عن سكة العمل الحقيقي. من جملة ما قلنا نستنتج أن وزراء العدالة والتنمية يسعون إلى خلط الأوراق وخلط المفاهيم، حتى تصبح الحكومة في جزيرة معزولة عن مؤسسات الدولة، أي أن الحكومة في جانب وفي الجانب الآخر الدولة، وأن الحكومة تريد تنفيذ برنامج "مطروز" غير أن الدولة تعرقل ذلك. وفهم كهذا للدولة نتيجته الفوضى لا قدر الله.