ناقشت الجلسة الشهرية التي عقدها مجلس النواب لمساءلة رئيس الحكومة المعيشة والقدرة الشرائية للمواطنين. ولن تفيد أسئلة النواب التي تعتبر فقط فرصة لبنكيران "للتبوريدة" وسك مصطلحات جديدة في القاموس السياسي المغربي. أسئلة النواب أصبحت غير ذات جدوى لأن زعيم الإسلامي، المزهو ب"النصر الإلهي والتمكين الرباني"، ركب رأسه ويريد ضرب قلعة حماية القوت اليومي للمواطنين. القلعة الشامخة التي اعتبرها الملك الراحل الحسن الثاني خطا أحمر أثناء مفاوضات المغرب مع صندوق الدولي حول برنامج التقويم الهيكلي. هذه القلعة هي صندوق المقاصة. هذا الصندوق أصبح اليوم كصندوق العفاريت أو صندوق الأفاعي، كل يوم يخرج منه بنكيران ما يخيف به المواطن. بنكيران وحكومته عازمون على إصلاح صندوق المقاصة. وهو إصلاح برسم الإفساد. تشترك لغة بنكيران وصناديقه في كونهما مصنوعين من الخشب. والصناديق في فهم بنكيران يشبه بعضها بعضا "لقد تشابهت الصناديق علينا". فكيف ينظر بنكيران إلى الصناديق، من صندوق المقاصة إلى صندوق الضمان الاجتماعي إلى صندوق التقاعد إلى صناديق الاستثمار؟ إن نظرة بنكيران للصناديق هي نفسها نظرته للميزانية. فالصناديق عند بنكيران شبيهة بالإطار الخشبي المربع أو المستطيل المخصص للخزن، ويحمل مفتاحه بنكيران أو وزيره في المالية، وهي مثل الصناديق المعروفة قديما عند الجدات حيث تجد فيها مكنوزات الزمن، ومنها أيضا صناديق الخشب المخصصة لنقل الخضر والفواكه وكافة البضائع. غير أن الصناديق المعروفة في الدولة هي مجرد استعارة، لأنها تلتقي في التوفير والتحمل. وحبذا لو تم تغيير هذه الأسماء حتى يفهمها بنكيران. لأن الصناديق الخاصة بالضمان الاجتماعي والصحي والتقاعد والتوفير والموازنة أو المقاصة وغيرها هي مجرد أسماء لأشياء غير محددة في إطار خشبي. هي معادلات تتعلق بالإحصاء والتحصيل والاستثمار والإنفاق. وإذا عجزت أي حكومة عن فك ألغاز هذه المعادلات فإن أي إصلاح سيبقى مجرد ادعاءات فارغة. فلم يجد بنكيران من صيغة لإصلاح صندوق المقاصة سوى أن يكسره فوق رؤوسنا جميعا. فالصندوق بحاجة إلى الإصلاح وهذه حقيقة لم تكن في حاجة لبنكيران، وكل الحكومات كانت تطرح هذا الموضوع لكن صعوبة إصلاحه كانت تجعلها تتراجع، غير أن بنكيران، المتميز بقراراته الجريئة أخذ العزم على تكسيره. فلا نعتقد أن حكومة لها تفكير سليم تقدم في المراحل الحرجة مثل التي يعيشها العالم على المساس بصندوق المقاصة ملاذ الفقراء. لكن حكومة بنكيران قادرة على ذلك. وقد اكتسبت هذه الجرأة من كون أصحابها لا يؤمنون بالدولة ولا يعرفون معنى وكل ما يهمهم هو خدمة الحزب الإسلامي والحركة الإسلامية من خلال الدولة ومؤسساتها. فتكسير صندوق المقاصة سيتيح للحكومة الملتحية فرصة لرشوة الناخبين. المعيشة في كف عفريت ولن تنفعها الجلسات الشهرية في شيء.