في كل محاولات بنكيران للفرار من المسؤولية يستدعي المؤسسة الملكية. وعندما اشتد الصراع بينه وبين حليفه شباط، الذي يهدد بإسقاط الحكومة، قال بنكيران أمام مستشاري الحزب الجماعيين "إلى قال لي الملك نمشي نمشي، فأنا مع الملك في الحكومة وخارجها". لم نصدق بداية أن يصدر ذلك عن رئيس الحكومة حتى استمعنا إليه ثانية مسجلا. هو كلام بنكيران وليس كلام شخص آخر. فهل يعقل أن يصدر عن رئيس الحكومة مثل هذا الكلام وهو يعرف أن الدستور حدد اختصاصات الملك كما حدد اختصاصات رئيس الحكومة؟ لقد بحثنا "بالفتيلة والقنديل" عن أي بند يتيح للملك أن يقول لبنكيران "سير بحالك" فلم نجده. ولكن الدستور تحدث عن اختصاصات. فالفصل 42 ينص على أن "الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. ويمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور". وفي الفصل 47 "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة". ويعطي الفصل 51 للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير، طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98. أما الفصل 59 فيقول "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات، التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية. تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها". هي فصول واضحة لأن الدولة ليست لعبا ولهوا ولكنها جد وحفاظ على أمن البلد وسيادته واستقراره، وبالتالي لا يمكن التلاعب بها. فبنكيران لديه مشاكل في التحالف الحكومي فعليه أن يحلها في التحالف الحكومي ويصغي إلى مطالب شركائه لا اللعب على كل الحبال. فالملك ليس طرفا في التجاذبات التي تقع وسط الأغلبية الحكومية، لكن يحتفظ بحق التحكيم ضمانا لسير المؤسسات باعتباره ضامنا لها. فالذي سيقول لبنكيران "سير بحالك" هو صناديق الاقتراع أولا ثم في وسط الطريق هو شركاؤه في الأغلبية، فليس لأحد سلطان على حزب الاستقلال كي يقرر ما يقرره. فمن حق شباط أن يعترض على طريقة تسيير الحكومة وعلى مشاركة حزبه فيها وعلى إدارة التحالف الحكومي التي تتميز بالبؤس الشديد. إن المغرب خطا خطوات كبيرة في بناء الدولة الديمقراطية وما يقوله بنكيران هو محاولة فاشلة للإيحاء بأن المغرب مازال يعيش عصر السلطنة، وأول من كانت له رغبة في التحديث والتطور وتوزيع دقيق للصلاحيات هو المؤسسة الملكية فلا داعي لتوزيع الكلام الذي لا يراد منه سوى خلط الأوراق. فإذا كان رئيس الحكومة بالدستور جاهلا أو للدستور متجاهلا فانتظر قيام ساعة الحكومة.