حملت الرسالة - الورقة التي كتبتها الكاتبة الروائية الجزائرية المتميزة أحلام مستغانمي، الكثير من الأسئلة عن الأوضاع بالبلدان العربية. التي زرع فيها الحكام الديكتاتوريين "أذنابهم" بعد رحيلهم بحيث لاتزال تلعب دورها في قطف ورود "القرنفل والياسمين" في الساحات التي عرفت فيها بعض هذه البلدان، ثورات سميت ب"الربيع العربي". تحكي رسالة صاحبة "فوضى الحواس" و"أكاذيب سمكة" كيف كان الجزائري في الخمسينيات يُنسب إلى بلاد الأمير عبد القادر، ثم بعدها أصبح في الستينيات يُنسب إلى بلد أحمد بن بلّة وجميلة بو حيرد، وفي السبعينات إلى بلد الهواري بومدين والمليون شهيد... إلى أن أصبح في هذا الزمن الرديء يُنسب الجزائري إلى بلد مغني "دي دي واه" إذ أصبحت "مستغانمي" تخجل من كشف هويتها، حين يصفها أحد ما، بأنها من بلاد "الشاب خالد". وعن هذا الموقف تقول "كنت قادمة لتوي من باريس، وفي حوزتي مخطوط "الجسد"، أربعمائة صفحة قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا. لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً : "آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد !"، وأجد في هذا الرجل الذي يضع قرطاً في أذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، ولا جواب له عن أي سؤال سوى الضحك الغبيّ، قرابة بمواجعي. وفوراً يصبح السؤال، ما معنى عِبَارة "دي دي واه"؟ وعندما أعترف بعدم فهمي أنا أيضاً معناها، يتحسَّر سائلي على قَدَر الجزائر، التي بسبب الاستعمار لا تفهم اللغة العربية !". لكن مواجع وآلام أحلام "مستغانمي" الممزوجة بسخرية لاذعة، لم تتوقف عند هذا الحد، وهي تقول لنفسها، لو عاودت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان أو غزو مصر، لَمَا وجدنا أمامنا من سبيل لتعبئة الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية، سوى بث نداءات ورسائل على الفضائيات الغنائية، أن دافعوا عن وطن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم ومروى وروبي وأخواتهن... وترسم "أحلام" بقلمها لوحة النقيض الفظيع الذي باتت تعيش عليه الشعوب العربية، وتضرب لذلك مثالا بالأسير المصري الذي قضى في المعتقلات الإسرائيلية، اثنتين وعشرين سنة، حتى استحق لقب أقدم أسير مصري، ولحظة الإفراج عنه لم يجد الرجل، أحداً في انتظاره من "الجماهير" التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسؤولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب نجم "ستار أكاديمي" محمد عطيّة بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات الشبّان والشابّات، الذين ظلُّوا يترددون على المطار مع كل موعد لوصول طائرة من بيروت. "أوطان كانت تُنسب إلى الأبطال، وغَدَت تُنسب إلى الصبيان، (حتى) قرأنا أنّ محمد خلاوي، الطالب السابق في "ستار أكاديمي"، ظلَّ لأسابيع لا يمشي إلاّ محاطاً بخمسة حراس لا يفارقونه أبداً... ربما أخذ الولد مأخذ الجد لقب "الزعيم" الذي أطلقه زملاؤه عليه".