في كل مرة كانت تقع أزمة كروية في المغرب، كان إسم الزاكي يتردد في المدرجات، وفي المقاهي وفي الشارع، وحتى داخل الحافلات، كانت الجدات بدورهن يدلين بدلوهن في الموضوع ويدعون بالنجاح للزاكي، وكان هناك شبه إجماع على أن بادو الزاكي هو رجل المرحلة بامتياز. بعد كل انتكاسة كان التاريخ يعود إلى الوراء وبالضبط إلى سنة 2004 حين وصل المغرب إلى نهاية كأس إفريقيا للأمم وخسرها أمام تونس البلد المضيف، وكان القياس دائما حاضرا، والأكيد أن تلك النتيجة هي ما منح الزاكي هذه الشعبية الذي لم تتأثر رغم مرور كل هذه السنوات. ومع رحيل البلجيكي إيريك غيريتس الذي تحول بعد الهزيمة أمام الموزمبيق إلى العدو رقم واحد للجمهور المغربي تجدد النقاش، وطفا مرة أخرى إسم الزاكي إلى الوجود، كمرشح فوق العادة لتدريب الأسود، مع أن الرجل وللتذكير لم يحقق خلال ثماني سنوات أي شيء، وكل الفرق التي دربها في المغرب أقالته أو استقال منها، وظل يعيش على الذكرى. لسنا هنا بصدد محاكمة الزاكي، الذي يبقى مع ذلك رمزا كرويا مغربيا خاصة كحارس مرمى، أعاد إلى الأذهان فترات السبعينيات والثمانينيات، ولكننا اليوم بصدد نقاش حقيقي، يتعلق بمستقبل الكرة المغربية. الحقيقة التي يجب الاعتراف بها اليوم، هي أننا لا نملك فريقا وطنيا بالمواصفات المتعارف عليها، نحن نملك مجموعة من اللاعبين، بعضهم انتهى عمرهم الافتراضي في الملاعب منذ زمن، وبعضهم يتألق حسب الظروف، وكل المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الفريق الوطني بدأ بهنري ميشال ومرورا بالزاكي وفاخر وحتى غيريتس كانوا يطبقون نفس الخطة، إذ تتم المناداة على اللاعبين أسبوعا قبل أي مباراة، ويخضعون لمعسكر إعدادي، ثم يلعبون المباراة، ويغادرون مباشرة، طبعا بعض الذين يملكون مشاريع استثمارية في المغرب يتخلفون ليوم أو نصف يوم للإطمئنان على أموالهم، وبعدها يغادرون سالمين غانمين، وفي عز الانتكاسة وفي غمرة غليان الشارع المغربي، كان بعض هؤلاء "النجوم" الذين توفر لهم الجامعة حراسة أمنية لصيقة يتنقلون في المواقع السياحية للترويح عن النفس، وتغيير الجو، قبل العودة إلى أنديتهم، هذا حال فريقنا الوطني الذي أصبح إسمه مرادفا للهزيمة. هل نحتاج اليوم إلى الزاكي، وهل النقاش اليوم هو من سيدرب الفريق الوطني، طبعا النقاش يجب أن يكون أعمق من ذلك بكثير، فالنقاش الحقيقي الذي يجب أن تتم بلورته في إطار مقترحات عملية، هو هل لدينا حقا فريق وطني بالمواصفات المتعارف عليها، وهل المغرب في متم سنة 2012، يملك حقا مقومات الكرة الحديثة، هل نملك آليات تأهيل وتكوين اللاعبين الذين بإمكانهم تعزيز الترسانة البشرية للفريق الوطني. الذين ينادون اليوم باسم الزاكي، يجب عليهم أن يعلموا أن مشكل الكرة المغربية ليس في السائق الذي سيقود الحافلة، وهذا أمر يعرفه الجميع وسبق أن تطرق إليه المدرب السابق للفريق الوطني امحمد فاخر، المشكل اليوم هو في الحافلة نفسها وفي الركاب الذين تقلهم، هل لدينا فريق وطني طبعا لا، اليوم نحن في حاجة إلى بناء الكرة المغربية وفق أسس علمية، أن يأتي الزاكي أو فرانسوا أو غيره، ليس هو الحل، لأننا نحتاج إلى أن نعرف إمكانياتنا، ونقف عند قدراتنا الحقيقية، نحتاج اليوم إلى أن نبني جدارا آمنا، لا يهم إن توقفنا عن المشاركة في المباريات الدولية أربع سنوات أو خمس، ولكن حين نعود إلى الواجهة الدولية يجب أن نكون أقوياء بما يكفي لنعيد لهذه الكرة وهجها، والمدرب الذي يجب أن نتعاقد معه هو ذلك المدرب الذي يملك مشروعا كرويا طويل المدى، مدرب قادر على تكوين فريق حقيقي، يعتمد قاعدة صلبة، وليس مدربا يجمع كتلة بشرية من اللاعبين لإجراء مباراة دولية. إن الدول الكبيرة في كرة القدم انطلقت من الصفر، وبدأت صغيرة، وكبرت مع الوقت قبل أن تحول إلى قوة كروية، فإسبانيا التي فازت بكأس العالم وكأس أوروبا في مناسبتين متتاليتين، بنت مشروعا كرويا، حقيقيا، حيث اهتمت بالقاعدة، واعتمدت على إمكانياتها الذاتية، لتصير اليوم ماكينة لا تصدأ، وهو الاتجاه الذي يجب أن نسير عليه. الذين يدافعون اليوم عن الزاكي يجب أن يدافعوا أولا عن مشروع كروي حقيقي، تشارك فيه جميع الكفاءات الوطنية، وأن يضعوا العاطفة جانبا، ويحولوا كل اهتمامهم نحو إقامة بنية كروية حقيقية، فلا يهم الوقت الذي سنحتاجه لإنجاح المشروع ولكن المهم بالنسبة إلينا أن نصل في نهاية المطاف إلى إعادة الحياة في جسد مشلول بلا فعالية حقيقية، جسد مليء بالأعطاب. هذا هو بداية الإصلاح، الذي يجب أن يكون شاملا وذو أبعاد وطنية.