إنتهى أول أمس الثلاثاء مسلسل المدرب البلجيكي إيريك غيريتس الذي تم تقديمه رسميا لوسائل الإعلام باعتباره مدرب المنتخب الوطني المغربي للأربع سنوات المقبلة، وهذه أول مرة يتم التعاقد فيها مع مدرب لمدة طويلة، كما أنها المرة الأولى التي تعلن الجامعة أنها قدمت لمدرب المنتخب الوطني كامل الصلاحيات فيما يخص الجانب الفني ربما لأنها تريد إعفاء نفسها من تبعات أي خيبات أمل، وبطبيعة الحال ظلت اللغة السائدة، حتى قبل مجيء غيريتس هي أن المغرب تعاقد مع مدرب كبير يمكن أن يخرج كرة القدم المغربية من حالة السكتة. فبعد كل إخفاق كانت كل السياط تتجه إلى ظهر المدربين، وحتى الزاكي الذي أهل المغرب إلى لعب نهاية كأس إفريقيا للأمم تم التربص به عند أول منعطف، ليتم طرده من المنتخب الوطني من دون حتى أن تكلف الجامعة السابقة نفسها عناء إخباره، ففي مثل هذه الحالات تتكلف وسائل الإعلام بالمهمة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل غيريتس هو الذي سيخرج الكرة المغربية من النفق كما أكد ذلك مرارا وتكرار وزير الشباب والرياضة منصف بلخياط الذي لم يتوانى في كل مناسبة سانحة من تمجيد غيريتس واعتباره الحل الأمثل للخروج من أزمة النتائج التي طالت، وهل مشكلة هذه الكرة هي في سوء النتائج فقط، أم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. لقد فشل المسؤولون خلال السنوات الأخيرة في إعادة التوهج للكرة المغربية التي أخفقت ثلاث مرات متوالية في التأهل إلى كأس العالم، وكانت نتائجها القارية سلبية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وفي كل مرة كان يتم التعاقد فيها مع مدرب جديد كان الخطاب نفسه يعاد تداوله، وكل مدرب يحط الرحال يؤكد أنه جاء لإنقاذ الكرة المغربية، لكن سرعان ما تتبخر الأحلام وتتحول إلى كوابيس، وفي حالة البلجيكي غيريتس فالأمر أخطر، فالرجل لديه كامل الصلاحيات، وعقده سيمتد لأربع سنوات، وسيكون عليه تأهيل المغرب ليس إلى كأس إفريقيا فحسب ولكن إلى كأس العالم، والأكيد أن عقده يتضمن مجموعة من البنود التي ستعفيه من أية مسؤولية، وكل ما سيحصل أنه سيغادر منصبه بالدموع كما فعل مع الهلال السعودي بعدما حصل على كامل مستحقاته المالية. لن نتحدث هنا عن حجم الأموال التي سيحصل عليها غيريتس خلال فترة تدريبه للمنتخب المغربي، ولن نضيع الوقت في عمليات الضرب لنعرف كم هو المبلغ الإجمالي الذي سيحصل عليه خلال أربع سنوات، هذا إذا استمر فعلا مدربا كل هذه المدة، لكن ما يهمنا من أمر غيريتس هو من سيتحمل تبعات الإخفاق والفشل في حال لم تتحق الأهداف التي روج لها بلخياط والفاسي الفهري، من سنحاسب في حال لم يتأهل المغرب إلى كأس العالم 2014، كيف سيسترد الشعب كل الأموال التي ستذهب إلى بنوك بلجيكا وفرنسا وهولندا وغيرها من دول أوروبا، خصوصا أن الأمر هنا لا يتعلق فقط بغيريتس، ولكن هناك ترسانة من المدربين الأجانب اشترط العمل معهم قبل توقيع عقده مع المغرب. في الدول الديمقراطية هناك دائما محاسبة للمسؤولين عن المال العام، والمغرب يجب أن ينخرط في هذا المسلسل الديمقراطي، من خلال الوقوف على أوجه صرف هذا المال، ومع أننا نحلم كما هو كل الشعب المغربي برؤية الفريق الوطني في أبهى صوره، إلا أن ذلك يجب أن يكون مبنيا على أصول معقولة، ومضبوطة. خلال إحدى اللقاءات الصحافية، سئل امحمد فاخر عن سبب إعفاءه من تدريب الفريق الوطني، وقال إن الجامعة تعودت كلما كانت هناك أزمة على تغيير سائق الحافلة، مع أن الخلل يكون دائما في الحافلة نفسها، لذلك فما أن تتحرك حتى تصيبها الأعطاب، ونحن نؤكد أن مشكل كرة القدم الوطنية لا يمكن حصره في مدرب أو إدارة تقنية، بل إن الأمر يتعلق بمنظومة كروية، تحتاج إلى إعادة تغيير جذري، كما أن مدربا مهما بلغ مستواه ومها كان كبيرا، لا يمكن أن يصنع فريقا كبيرا، لأن كل المكونات يجب أن تكون سليمة قبل إقلاع الحافلة، هذا إذا كنا فعلا نراهن على إقلاع كروي يعيدنا إلى واجهة الكرة الإفريقية التي تجاوزتنا بسنوات.