ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    محام صنصال: الجزائر تنتهك الحريات    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا        جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفية الجهادية والدم المغدور

التقى مصطفى الرميد الذي كان قبل تسلمه حقيبة وزارة العدل والحريات محاميا لكثير من معتقلي السلفية الجهادية، ورئيسا لمنتدى الكرامة والحريات، عددا من أعضاء السلفية الجهادية وعائلات المعتقلين الإسلاميين وممثلي مجموعة من الجمعيات المدافعة عنهم، وذلك في إطار مساع لإغلاق الملف، وإن كان الرميد نفسه أكد في تصريح صحافي عقب أول مجلس حكومي الخميس الماضي، أنه سيتبع مسطرة العفو في القضايا المحكومة، ويعتقد كثيرون أن ملف السلفية الجهادية هو أحد الملفات الساخنة على طاولة الرميد وذلك لكثير من الاعتبارات، أولها، أنه كان محاميا في كثير من ملفات الإرهاب، وثانيا، لأنه كان يرأس منتدى الكرامة والحريات، وثالثا، لأن هذا الملف يشكل خطا أحمر، خصوصا أن التفجيرات الإرهابية التي عرفها المغرب منذ سنة 2003 وحتى 2011، خلفت كثيرا من الضحايا والأيتام، وأفقدت أسرا مغربية معيلها الوحيد للتحول إلى ما يشبه التشرد. وإذا كان البعض يسعى إلى التأثير على القضاء من خلال ادعاء أن الملف عرف كثيرا من التجاوزات، وتم الزج بضحايا وراء السجون، فإن ذلك لا يجب أن ينسينا تركة الإرهاب على الأمن العام، وما خلفه من مآسي لازال المغرب يدفع فاتورته حتى الآن.
من الوهابية إلى السلفية : طريق الموت
بدأت معالم تشكل السلفية الجهادية التي أثمرت سنة 2003 قنابل موقوتة خلفت أكثر من أربعين ضحية في تفجيرات الدار البيضاء، في سنوات السبعينات، من خلال حضور السلفية الوهابية، بواسطة تقي الدين الهلالي الذي تمكن من تكوين مدرسة "وهابية بألوان مغربية"، قبل أن تنتقل هذه المدرسة إلى محمد المغراوي المشبع بالفكر الوهابي السعودي، لكن الأخير في تجميع شتات الوهابيين المغاربة، لينشق عنه كثير من أتباعه، الذين شكل بعضهم نواة السلفية الجهادية المغربية، وعلى رأسهم محمد الفيزازي الذي يعتبر شيخ السلفية الجهادية. ويمكن تقسيم السلفية الجهادية المغربية بحسب المهتمين إلى جيلين : الأول، يرتبط بتداعيات حرب الخليج الثانية وما ترتب عنها من إعلان مواقف معادية للغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أولى، ومعادية للسلطة الحاكمة في الرياض من جهة ثانية، وقد جسد هذا الجيل شيوخا من أمثال محمد الفيزازي وعبد الكريم الشاذلي وعمر حدوشي. أما الجيل الثاني، فقد أعلن عن نفسه في أعقاب أحداث 11 شتنبر 2001 وما تمخض عنها من تعاطف مع العمل الجهادي، خصوصا بعد الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان التي كانت آنذاك تحت سلطة الملا عمر، وقد تمثل هذا الجيل في بعض الدعاة من أمثال أبي حفص وحسن الكتاني. وبحسب عدد من المهتمين بالحركات الإسلامية، فإن مجموعة من الدعاة، الذين شكلوا النواة الأولى للسلفية الجهادية بالمغرب، كانوا يعبرون عن مواقفهم داخل المساجد ومن خلال مجموعة من المطبوعات، كما أن هؤلاء كانوا يعملون تحت أعين السلطة التي كانت إلى حدود سنة 2001 تأمن هؤلاء، بل إنها كانت تفتح المساجد أمامهم للدعوة، دون تقدير الخطورة التي بات يشكلها هؤلاء، خاصة بعد تحولهم من الاتجاه السلفي التقليدي القائم أساسا على الدعوة، والاتجاه السلفي الجهادي الذي سيخرج منه كثير من الانتحاريين. في هذه المرحلة نشأ جيل من السلفيين الجهاديين الحركيين الذين تشبعوا بأفكار شيوخ السلفية الجهادية المغربية من أمثال الفيزازي والكتاني وأبي حفص، لتبادر مجموعة من الشباب الخارجين من أحزمة الفقر والبؤس إلى تأسيس خلايا سلفية جهادية، حاولوا من خلالها تنزيل ما تشبعوا به من أفكار على أرض الواقع، مع التذكير بأن مؤسسي الخلايا الحركية لم تكن تربطهم بالشيوخ الدعاة أية رابطة تنظيمية، اللهم رابطة الفكر الجهادي التي كان هؤلاء يشحنون تلامذتهم بها في المساجد التي كانوا يؤمون إليها، وفي هذه المرحلة، تشكلت مجموعة من الخلايا.
جماعة الصراط المستقيم : الموت القادم من الفقر
أعلن عن تأسيس جماعة الصراط المستقيم، في فبراير 2002 عقب مقتل أحد الشباب من قبل بعض عناصرها في أحد الأحياء الهامشية بمدينة الدار البيضاء وذلك يوم عيد الأضحى، وقد اتهم أميرها، وهو زكريا الميلودي، بإصدار فتوى تجيز قتل ذلك الشاب المعروف بانحرافه، ورغم أن القضاء، في حكمه المتعلق بهذه القضية، قد نفى وجود جماعة تحمل هذا الاسم وبرأ زكرياء الميلودي من تهمة إصدار فتوى القتل، وحوكم الأخير بتهم أخرى حددت عقوبتها في سنة حبسا نافذا أكملها في أبريل 2003، فإن السلطات كان لها رأي آخر، حيث أصرت على وجود جماعة باسم « الصراط المستقيم » وأعيدت محاكمة زكريا الميلودي بتهمة المشاركة في الإعداد لاعتداءات 16 ماي 2003 التي استهدفت مدينة الدار البيضاء وقضي في حقه بالمؤبد. المؤكد وفق التحقيقات الأمنية، أن زكرياء الميلودي كان له مجموعة من الأتباع وكان يعبر عن أحد جوانب السلفية الجهادية الحركية في المغرب، فهو كان يعتبر أن اللجوء إلى العنف ضد المرتدين واجب شرعي، كما كان يدرج الأحزاب والحكومة والديمقراطية ضمن الكفريات. وكان زكرياء الميلودي الذي توفي يوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2006بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة. حيث كان يقضي عقوبة السجن المؤبد يعتبر أحد شيوخ السلفية الجهادية.
يوسف فكري زعيم لون الدم
في صيف 2002 كشفت السلطات الأمنية عن وجود مجموعة إرهابية عرفت باسم زعيمها يوسف فكري، الذي كان يلقب ب« أمير الدم »، حيث نفذ مجموعة من الأفعال الإجرامية منذ 1998 ضد بعض أقربائه وآخرين بتهمة الردة والكفر، وظل فكري طيلة أطوار محاكمته، يدافع عن قناعاته الفكرية، ويدافع عن الخط السلفي الجهادي، وأسند لجوء جماعته إلى العنف على مبررات شرعية. التحق فكري عام 1994 بجماعة الدعوة والتبليغ في مسقط رأسه بمدينة اليوسفية، قبل أن يؤسس مجموعة التكفير والهجرة، ويغير مظهره على الطريقة الأفغانية، بعد إطلاق لحيته، بدأ فكري مسيرته الدموية في أكتوبر 1998 باغتيال عمه عبد العزيز فكري في مدينة اليوسفية بتهمة معاشرة البغايا، وبعد الاعتداء على شخص ثان في نفس المدينة، انتقل عام 1999 إلى جبل تيرقاع في ضواحي مدينة الناظور حيث قام، حسب اعترافاته، بذبح أحد المرشحين للهجرة السرية بدعوى أنه شيوعي، ثم عاد إلى الدار البيضاء حيث تحالف مع صديقه محمد دمير، وكانت أول عملية مشتركة بينهما هي الاعتداء على شرطي بفأس حادة. وفي صيف 1999 بدأت هذه المجموعة في تنفيذ فتاويها بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية بحد السيف حسب فهمها، ووجدت هذه المجموعة مناصرين لها في الأحياء الفقيرة في ضواحي بعض المدن المغربية، مثل حي بني مكادة في طنجة وحي وادي الذهب في سلا وحي سيدي مومن بالدار البيضاء، وفي عام 1999 أفتى فكري بثلاث عمليات إجرامية في حي سيدي مومن بالدار البيضاء، تمثلت في تصفية أحد أفراد عائلته إضافة إلى شرطي وموثق رميت جثته في بئر مهجورة.
دمير الوجه الآخر لفكري
محمد دمير، من الأفغان المغاربة، تم اعتقاله بعد مداهمة دموية في حي سيدي مومن بالدار البيضاء أسفرت عن إصابة شرطي واثنين من أفراد المجموعة، مات أحدهما في المستشفى. أما يوسف فكري فقد اعتقل بمدينة طنجة، في يوليو 2002، بعد بلاغ تقدم به سائق طاكسي تعرض للاعتداء من زبونين، وكان ذلك البلاغ سببا في اعتقال زعيم هذه الجماعة. واستقطبت هذه الجماعة مجموعة من الشباب لا يتوفرون على أي تكوين تعليمي، وأغلبهم من الباعة المتجولين أو حرفيين صغار أو عاطلين عن العمل، كما أنها كانت تحمل مفهوما خاصا لما ينبغي أن تكون عليه الحياة في المجتمع الإسلامي، منها الزواج دون عقد نكاح مسجل لدى السلطات المدنية، وتروج لمقولة أن المجتمع كافر وتدعو لمحاربة رموزه بالجهاد.
الفيزازي ورفيقي والكتاني : سلفيون في جبة الأفغان
تفيد المعلومات الأمنية أن الجماعة التي تزعمها محمد عبد الوهاب رفيقي المدعو أبو حفص، والبالغ من العمر 28 سنة، وهو ابن أحمد رفيقي المدعو أبو حديفة، أحد الأفغان المغاربة كان مؤسسها هو الفيزازي في سنة 1993، رفيقي كان قد أعلن تأييده المطلق لتفجيرات 11 شتنبر 2001 وسبقت إدانته بستة أشهر سجنا بدعوى التحريض على العنف، واستفاد من العفو بعد قضاء نصف المدة، قبل يتم إلقاء القبض عليه من جديد لمحاكمته في قضايا أخرى، ويرفض أصحاب هذه الجماعة تسمية السلفية الجهادية التي يعرفون بها، مدعين أنهم يتبعون مبادئ السنة والجماعة، ويرجع تأسيس هذه الجماعة في الأصل إلى مطلع التسعينيات على يد محمد الفزازي الملقب بأبي مريم (54 عاما) الحاصل على شهادة الدكتوراه في شعبة الفلسفة، والذي سبق له أن كان خطيبا في مساجد فاس وطنجة وبرز وقتذاك كقائد للسلفية في المغرب ومنظر للسلفية الجهادية، التي تنتسب إليها المجموعة المتورطة في تفجيرات 16 ماي، وحتى وهو ينفي انتماءه إلى "السلفية الجهادية" فقد كانت كل خطاباته تنادي بالعنف، وظل الفزازي يرفض تسمية السلفية الجهادية، ويؤكد أن جماعته أهل سنة وجماعة، تعود أصول الجماعة إلى عام 1993 حين أصدر الفزازي كتابه "رسالة الإسلام إلى مرشد جماعة العدل والإحسان"، ينصح فيه بالدليل الشرعي ويبين فيه بعض الشطحات المتعددة في أفكار مرشد الجماعة عبد السلام ياسين في التصور والتصرف على السواء، مع انتقاده الصريح إلى نهج الجماعة في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و الانتماء الصوفي ومهادنة السلطان... وأكد الفزازي حينئذ أنه يدين الاعتداءات التي حصلت بالدار البيضاء لكنه أكد رفضه "التفسيرات الرسمية" لدوافع المهاجمين، معتبرا أنهم "استهدفوا مصالح إسرائيلية وغربية"، موضحا، أن عملهم يندرج في إطار الحرب المفتوحة بين المجموعات المقاتلة وأمريكا وحلفائها وخاصة إسرائيل ..
الإسلاميون يعملون في العلن
في سنوات التسعينات فتحت السلطات المجال للإسلاميين للعمل في العلن، آنذاك تمكن حزب العدالة والتنمية من الظهور وشارك في انتخابات 1997 ولو بشكل رمزي، كان الهدف هو استعادة قلوب وعقول أولئك الذين أغواهم المتطرفون، وطيلة المدة الفاصلة بين 1997 و2003 كانت المهادنة شعار التعامل مع العدالة والتنمية، قبل أن تتغير الأمور، خصوصا أن بعض القياديين كانت لهم مواقف متذبذبة ولم يحسموا مواقفهم بشأن التفجيرات التي وقعت في الدارالبيضاء. صحيح أنه كانت هناك تجاوزات على مستوى المحاكمات التي تلت التفجيرات، كما كانت هناك تجاوزات بشأن الاعتقالات، لكن الواضح أن التفجيرات جاءت بوقع الصدمة، خصوصا أن المغرب ظل وحتى سنة 2003 بمنأى عن أي عمل إرهابي أو تخريبي. صحيح كذلك، أن المغرب عرف أول حادث إرهابي سنة 1994 عندما هاجم مجموعة من الشباب الفرنسيين من أصل مغاربي فندق أطلس أسني بمراكش وقتلوا عددا من السياح، لكن تلك الأعمال كانت تقليدية وتمت بواسطة مسدسات واتهمت المخابرات الجزائرية بتدبير تلك الأحداث، أما في سنة 2003، فالتخطيط والتدبير كان مغربيا، والمنفذون تشبعوا بأفكار جهادية متطرفة، هي نفسها التي ستنتج مزيدا من القنابل الموقوتة سنة 2007 حين اهتز حي الفرح بمدينة الدار البيضاء. كان عبد الفتاح الرايدي، قد فجر نفسه بمقهى الإنترنيت بسيدي مومن في مارس 2007، ثم تلتها ثلاث عمليات انتحارية جاءت مباشرة بعد ذلك، كانت بحي الفرح، الذي استيقظ على رصاص الأمن وقت تعقبه للإرهابيين، الذين فجروا أنفسهم استسلاما للأمر الواقع، كما شهدت المدينة ذاتها وفي السنة ذاتها، تفجيرين، كانا هذه المرة بالقرب من السفارة الأمريكية نفذهما الشقيقان عمر ومحمد مها بشارع بن يوسف، وبعيدا عن الدارالبيضاء ذاقت مدينة مكناس طعم الإرهاب بعد أن حاول مهندس دولة، تفجير نفسه مستعينا بقنينة غاز بساحة الهديم، في محاولة منه لقتل أجانب كانوا في زيارة سياحية للساحة.
خلية أمغالا فصل آخر من الإرهاب
إعلان المغرب عن تفكيك خلية امغالا بالصحراء في يناير من سنة 2011، يكون التهديد الإرهابي اتجاه المغرب قد انتقل إلى مرحلة متقدمة منذ تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، فخلال السنوات الثمانية تمكنت المصالح الأمنية من تفكيك واعتقال العديد من الشبكات المتطرفة التي كانت تسعى إلى التخطيط لهجمات داخل التراب المغربي، وكانت بصمات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واضحة في هندسة بعض هذه الشبكات، مثل خلية تطوان التي تم اعتقالها قبل ثلاث سنوات، إلا أن الخلية الجديدة تتميز باثنتين من الخصائص عن الخلايا النائمة التي أسقطت في السنوات الثماني الماضية. أول، هذه الخصائص هي اختيار الموقع الذي تم فيه العثور على الأسلحة قرب الجدار الأمني المقام في الصحراء، فاختيار هذا الموقع يعني أن أفراد الخلية كانوا يريدون فتح جبهة جديدة انطلاقا من هناك لتحقيق هدفين : أولا أن يكونوا قريبين من المغرب ومن النقاط التي تم اختيارها لتنفيذ هجوماتهم، وثانيا، أن يبقوا قريبين من معسكرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحسب بلاغ وزارة الداخلية المغربية التي أعلنت عن تفكيك الخلية، فإن الأفراد السبعة والعشرين كان من بينهم عضو في التنظيم المذكور، تم إيفاده من قبل هذا التنظيم بغية إنشاء قاعدة خلفية داخل المملكة وإعداد مخطط للقيام بعمليات إرهابية. ويطرح اختيار موقع أمغالا أسئلة أخرى حول رهانات تنظيم القاعدة من وراء ذلك، والمؤكد أن التقارير الدولية والإقليمية والمحلية التي سبق أن رسمت سيناريوهات للتقارب الأمني بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبين جبهة البوليساريو من شأنها أن تلقي بعض الضوء على هذا الاختيار، إذ لا دخان بدون نار، والسؤال هو : هل كانت الخلية، المحسوبة على القاعدة، تحمل أجندة خاصة بالبوليساريو، من حيث فتح جبهة عسكرية ضد التراب المغربي من ذلك الموقع بهدف خلط الأوراق؟ أم أنها كانت تخطط لعملياتها بحيث تتخذ من تنظيم البوليساريو قاعدة خلفية لتوفير الغطاء الأمني لها ؟ ثم كيف تمكنت الخلية من التسلل إلى ذلك الموقع، وهل لعب مقاتلو جبهة البوليساريو دورا في توجيهها إلى تلك المنطقة؟. أما ثاني هذه الخصائص، بالنسبة لهذه الخلية، فهو ينطلق من أن نوعية الأسلحة الروسية التي تم العثور عليها في المخابئ الثلاثة من المحتمل أن يكون مصدرها جبهة البوليساريو، وفي إطار الصفقات السرية بين الجبهة والتنظيم، وهذا بناء على تقارير عدة ذهبت إلى أن البوليساريو تعيد تحويل بعض الأسلحة التي تتلقاها من الجيش الجزائري في إطار الدعم العسكري إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ضمن صفقة تستفيد فيها الجبهة من جزء من التعويضات المالية (ما تسميه القاعدة فدية بالمصطلح الشرعي خطأ) التي تحصل عليها القاعدة.
أركانة : آخر فصول الدم
ما يشترك فيه المتهمون الثلاثة في تفجير مقهى أركانة في أبريل الماضي أنهم ينحدرون جميعهم من مدينة آسفي، كما أنهم جميعهم في الثلاثينيات، الزعيم المفترض عادل العثماني الذي حكم عليه بالإعدام، والذي أعد التفجيرات ونفذها، لم ينف المخطط بل أداه بشكل محكم خلال إعادة تمثيل جريمته، عادل العثماني، كان معروفا عند "الديستي" و"لادجيد" لأنه رغب أكثر من مرة في الانضمام إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كما حاول دخول العراق في محاولتين فاشلتين، الأولى عبر العاصمة الموريتانية نواكشوط بعد أن غادر المغرب، والثانية، وصل إلى سوريا لكن الأمن في هذا البلد ألقى عليه القبض وأعاده إلى المغرب. حاول السفر إلى أوربا، ولم تعرف وجهته ولا الهدف من هذه الرحلة، ودخل التراب الأوربي وقطع إسبانيا ليصل إلى البرتغال، وتعتقد المصالح الأمنية أنه كان يرغب في تنفيذ عمليات إرهابية داخل القارة العجوز. بعد كل المحاولات الفاشلة، سيركز عادل على المغرب، ليبدأ في التفكير في تنفيذ عملية تضرب الغرب والمغرب في الوقت نفسه، ففكر في استهداف مكان سياحي. الأخبار التي تتوفر عليها الأجهزة الأمنية تتحدث عن محاولات كثيرة قام بها، ربما كانت لتجريب مخططه الإرهابي.
تفجير أركانة كيف استعد له؟
هيأ العثماني، رفقة حكيم الداح وعبد الصمد بطار لتفجير مقهى أركانة، بعد تدريبات كثيرة على صنع المتفجرات والقنابل، جرب بعضها في ضيعة تملكها عائلته، اقتنى ما يقارب 15 كيلو غراما من المسامير من آسفي ثم هيأ ما يعادل 5 كيلوغرامات من التفجيرات، ووضعها في كوكوت، كانت هذه هي القنبلة الأولى، فيما وضع ضعفها في كوكوت أكبر حجما، وأضاف إلى القنبلتين الحديد. بعد أن أعد القنبلة، ذهب إلى متجر يبيع الشعر المستعار بآسفي، كان يعرف أن نجاح العملية يمر بشكل أساسي عبر التنكر في شكل سائح، وحتى تكتمل صورة السائح البوهيمي، اقتنى غيتارا، حمله على كتفه وحمل معه المتفجرات التي وضعها في حقائب. أوهم الجميع أنه سائح وصل لتوه إلى مراكش، وقصد ساحة جامع الفنا، ودخل مقهى أركانة وطلب كأس عصير، شربه وترك داخل المقهى ما يزيد عن 30 كيلوغراما من المتفجرات، كان قد تدرب بشكل كبير على التفجير عن بعد ليفجر القنبلة بواسطة هاتف محمول. الحادث الإرهابي الأعنف من نوعه منذ 2003 خلف 17 قتيلا وعشرات الجرحى، وانتهى بالحكم على منفذه بالإعدام أما الباقي فتراوجت بين السجن المؤبد في حق حكيم الداح وبأربع سنوات سجنا نافذا في حق كل من عبد الصمد بطار وعز الدين لشداري وإبراهيم الشركاوي ووديع اسقيريبة، فيما قضت بسنتين حبسا نافذا في حق محمد رضا ومحمد النجيمي وعبد الفتاح الدهاج بعد مؤاخذتهم بما نسب إليهم. كما قضت المحكمة في حق كل من عادل العثماني وحكيم الداح بأداء كل واحد منهما تعويضا مدنيا لفائدة الضحايا المغاربة يتراوح بين 30 و5 آلاف درهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.