أطلق مدرب الملاكمة كريستيان غوريش حملة تهدف لادماج اللاجئين المغاربيين، الذين رفضت طلبات لجوئهم وأغلقت أبواب العمل والدراسة أمامهم، مما يسهل إمكانية وقوعهم في براثن الجريمة والتطرف. فما هي تفاصيل هذه الحملة الرياضية؟ يلاقي العديد من اللاجئين الوافدين من بلدان مغاربية (المغرب، الجزائر، تونس)الذين صدرت بحقهم أحكام ترحيل، مشاكل مجتمعية تحد من إمكانية اندماجهم في المجتمع الألماني، وذلك في ظل انعدام فرص العمل والدراسة أمامهم، وتزايد مخاطر وقوعهم في براثن الجريمة والتطرف، خلال فترة إقامتهم بألمانيا ريثما تصدر إجراءات نهائية بالترحيل، وهي فترة تأخذ أحيانا سنوات. وفي محاولة منه لمساعدة هذه الفئة، أطلق مدرب الملاكمة الألماني كريستيان غوريش حملة لإدماج اللاجئين المغاربيين بالمجتمع الألماني وإتاحة فرص بديلة أمامهم تمكنهم من إثبات الذات عن طريق الرياضة. وتبدأ قصة عبد الحق، الذي أتم ال18عاماً والذي أطلق عليه أصدقاؤه الألمان اسم "أبي" عندما هرب بعمر13 ربيعاً من حياة الشارع بالمغرب، ليواجه المصير ذاته بألمانيا، بعد أن فشل في الالتزام بقوانين مخيم اللاجئين، الذي كان يسكن به، ما دفعه إلى الهرب.يقول عبد الحق في حوارمع DWعربية "عشت حياة الفقر بالمغرب، وعندما كنت أرى والدتي بحاجة للمال من أجل توفير لقمة العيش لنا، كنت أتوجه بدون تفكير للشارع والسرقة". وبعد انتهاء التدريب مباشرة تعود كل من عبد الحق والمدرب الألماني كريستيان غوريش على الجلوس على أرضية حلبة الملاكمة، لتعلم اللغة الألمانية والحديث عن المشاكل التي تواجه اللاجئ من أصل مغربي. هذا الجو، الذي يحرص غوريش على توفيره للاجئين المغاربيين بنادي "بوكس آوت" للملاكمة (وتعني باللغة الإنجليزية تفريغ شحنة العنف عبر ممارسة الملاكمة) بمدينة هامبورغ. لقاء غير حياته في خريف 2014 وصل عبد الحق اسبانيا عبر قوارب الهجرة غير الشرعية التي يُطلق عليها "قوارب الموت"، فوجد الشارع والسرقة بانتظاره مجدداً، بداية في اسبانيا وبعد ذلك في ألمانيا بمدينة هامبورغ. كان عبد الحق يقضي معظم وقته بالشارع ويقول:"كنت أنام بشوارع هامبورغ وكنا أنا وأصدقائي نقطع الطريق على الناس، لسرقة هواتفهم الخاصة، وعشت مجدداً حياة الشارع بألمانيا". بعمر 16 ربيعاً وُضع عبد الحق تحت الوصاية القانونية ونُقل للعيش بمركز لإيواء اللاجئين القاصرين بمدينة هامبورغ، لكنه فضَل حياة الشارع على العيش بالمركز، وعن سبب ذلك يقول:"مركز الإيواء كان بمثابة سجن لنا، فالأخصائيون الاجتماعيون هناك لم تكن معاملتهم لنا جيدة، ولم يهتموا أبداً بمشاكلنا". ويضيف:"كنت أتسلل ليلاً من نافذة غرفتي، لأتوجه للسرقة مع أصدقائي في شوارع هامبورغ". وبعد أن سُلطت الأضواء على جرائم منسوبة إلى لاجئين مغاربيين عام 2014 في مدينة هامبورغ، أطلق نادي"بوكس آوت" للملاكمة حملة لادماجهم عن طريق رياضة الملاكمة وهكذا التقى عبد الحق بالمدرب الألماني كريستيان غوريش، الذي غير حياته، كما يقول. "الترحيل يعني العودة لحياة الشارع" أراد المدرب الألماني كريستيان غوريش، 47 عاماً أن يمنح فرصة لهؤلاء اللاجئين الشباب عن طريق التدريب، تعلم اللغة الألمانية وكذلك الإصغاء لهم وبهذه الطريقة تمكن من كسب ثقتهم، وخاصة عبد الحق، الذي رأى فيه الأب، الذي حرم منه. ويقول المدرب في حواره ل DW عربية:"أحاول الإهتمام بكل شيء يسهل حياتهم بألمانيا، كتعلم اللغة وتوفير السكن الملائم والإصغاء لمشاكلهم، لأنهم لم يحصلوا أبداً على فرصة حقيقية بألمانيا". ويضيف غوريش أنه يستخدم الملاكمة كمفتاح لتلقين القيم وتعليم اللاجئين المغاربيين وأنه متقين من إمكانية تغيير مصيرهم إلى الأفضل، ولكن إن توفرت جهود كبيرة وميزانية وأظهر عبد الحق مواهبه في الملاكمة من خلال كسب مباريات عديدة أقيمت في مدينة هامبورغ وحصل على لقب وصيف بطل مدينة هامبورغ. وللمرة الأولى يجد الشاب المغربي هدفاً في حياته، ويبتعد كليا ًعن الجريمة. عبد الحق أصبح فخوراً بنفسه وكذلك مدربه:" "أبي" عبد الحق ممتاز ولديه موهبة ومستقبل واعد في رياضة الملاكمة". لكن رغم كل هذه المحاولات، أصبح عبد الحق مهدداً بالترحيل، بعد بلوغه ال18 عاماً وعند سؤاله عن ما الذي سيفعله في حالة عودته للمغرب قال:"إذا عدت للمغرب، فسأعود مجدداً لحياة الشارع التي هربت منها". قرار الترحيل يزيد الطين بلة في نفس الفترة التي تعرف فيها غوريش على عبد الحق، التقى أيضا بشاب يدعى ي.ح. رافقه غوريش بخطوات ثابتة نحو طريق الاندماج، لكن جهوده معه باءت بالفشل. فالشاب تحول من ملاكم واعد ومسلم معتدل إلى إسلامي متشدد. ويقول المدرب:"كنت أشاهده برفقة متشددين، كما أصبح لديه أفكار متطرفة، فحاولت مناقشة الموضوع معه ورافقته للمسجد، لكن التأثير الخارجي عليه كان أكبر". وكان الشاب ي.ح.، يطمح إلى أن يصبح اسماً في عالم الملاكمة، إلا أن قرار الترحيل، حطم كل آماله وأحلامه ويخشى المدرب الألماني أن يقع تحت سطوة الإسلاميين المتشددين أو عصابات الجريمة، ويصف ما يعيشه اللاجئون المغاربيون المهددون بالترحيل اليوم بألمانيا ب "الحلقة المفرغة" ويقول غوريش:"عندما تغلق جميع الأبواب أمام شباب مثل هؤلاء، فإنك تضعهم بنفسك في طريق الجريمة والتطرف، فمن صدر بحقهم قرار ترحيل، يعيشون داخل حلقة مفرغة، فلا يسمح لهم بالعمل ولا يحصلون على السكن فكيف يتسنى لهم العيش بطريقة قانونية؟". "الملاكمة لا تصارع الجريمة والتطرف" ولكشف أسباب الميول الإجرامية والتطرف الديني بين بعض اللاجئين المغاربيين، وفئات أخرى من اللاجئين من مناطق أخرى من العالم، تحدث دانيال كوهلر، مدير المعهد الألماني لدراسات التطرف واجتثاث التطرف ل DW عربية عن وجود عوامل فردية، لا يمكن تعميمها على الجميع:"هناك عوامل بحسب كل فرد، منها التعرض للعنصرية والعنف، محاولة تحقيق العدالة والبحث عن معنى للحياة، بالإضافة إلى الوعود المغرية". ويضيف كوهلرأن للاجئين وضع خاص، بسبب الضغوطات النفسية التي تعرضوا لها خلال رحلة اللجوء والمعاناة من أجل البقاء في ألمانيا، كما يحاول المتشددون زرع فكرة لدى هؤلاء اللاجئين وهي أنهم مسلمون، و"المسلم الحقيقي مستهدف دائما" و"مضطهد من غيرالمؤمنين" والمقصود هنا الألمان، وواجب هذا المسلم، كما يزعم المتشددون، هو "رد الاعتبار لدينه" وهذه الفكرة تغذي بشكل خطيرالجريمة والتطرف في أوساط اللاجئين، يستنتج الخبيرالألماني. وبعكس المدرب الألماني غوريش، يرى كوهلر أن الملاكمة ليست الرياضة المناسبة للتصدي للجريمة والتطرف بين اللاجئين، فهي تعد شكلا من أشكال الاندماج الاجتماعي وتساعد على التواصل مع الآخرين وتلقي الدعم النفسي والاجتماعي والتخلص من التراكمات النفسية ، لكن هناك أنواع أخرى من فنون الدفاع عن النفس والتي ترتكزعلى تعلم مجموعة من القيم وقواعد الانضباط والاحترام قبل خوض المواجهة مع الخصم، بعكس الملاكمة ذات الطابع العنيف "فاللاجئ الذي يعاني مسبقاً من مشاكل نفسية، ويُهزم أمام خصمه، بالأخص إن كان هذا الخصم ألماني، ستسوء حالته أكثر ويشعر بالمهانة والرغبة في الانتقام" يلاحظ الخبير كوهلر.