تشتعل وبالتدريج جبهة المواجهة الدبلوماسية بين المغرب وخصومه في ملف الصحراء، مع اقتراب الموعد السنوي لاجتماع مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار جديد حول النزاع، فبعد الاختراقات الدبلوماسية القارية والدولية التي حققها المغرب، ووجود جبهة البوليساريو في مواجهة مباشرة مع الأممالمتحدة بشأن أزمة الكركرات؛ كشفت الجبهة الانفصالية بوضوح استراتيجيتها المتمثلة في الذهاب بالأزمة التي سبّبها دخول مقاتليها إلى المنطقة العازلة قرب المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا، المعروف بالكركرات، إلى غاية الاجتماع السنوي لمجلس الأمن الدولي، بهدف انتزاع مكاسب جديدة في مقابل تنفيذها قرار الأمين العام الأممي بالانسحاب من الكركرات. ذكر الخبير المتخصص في ملف الصحراء، عبدالمجيد بلغزال في تصريح له، إن قرار الانسحاب المغربي الأحادي الجانب من الكركرات هو"رسالة كبيرة ومكسب هام، لكن دون إسناد لاحق يصبح لا فائدة له. فعندما لم تستجب البوليساريو كان يجب أن يتحرك المغرب وأصدقاؤه ويجمع مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار داعم". وأوضح بلغزال أن كلا من البوليساريو والمبعوث الأممي كريستوفر روس ماضيان في اتجاه إدراج أزمة الكركرات في التقرير السنوي الذي سيعرض في أبريل المقبل أمام مجلس الأمن الدولي، "وهذا هو الخطأ الذي حذّرت منه من البداية. كان يجب استصدار قرار قبل حلول موعد لأبريل السنوي. لاشك أن روس ساهم في جر الموضوع ليدمج في التقرير السنوي، لكن ومنذ جاءت البوليساريو إلى الكويرة كان يجب على المغرب أن يتحرك، ويدفع مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار". وفي ما يتعلق بالأهداف التي تسعى البوليساريو إلى تحقيقها من وراء جرّ أزمة الكركرات لتصل إلى موعد أبريل السنوي، قال بلغزال إن "رهانهم الأول هو ممارسة الابتزاز، وفتح ملفات شاملة مثل مراجعة الاتفاق العسكري رقم 1 وصلاحيات المينورسو، وهي المعارك التي كان قد فتحها بان كي مون، خاصة أن غوتريس بات متهما بكونه غير محايد ويتعرض لضغوط كبيرة." عقدت قيادة الجبهة اجتماعا لها يوم الأحد، برئاسة إبراهيم غالي العائد من حملة دبلوماسية معادية للمغرب في ردهات مقر الأممالمتحدة بنيويورك، وأصدرت بلاغا لها تعلن فيه أن غالي أبلغ المسؤولين الأمميين بتصوّره الخاص للخروج "من الانسداد الحالي والتقدم باتجاه الحل، وهو تصور مبني على معالجة شاملة أساسها الأداء الكامل والصارم لمهمة المينورسو الأصلية الموقع عليها بين الأممالمتحدة وطرفي النزاع في 1991". إن تصوّر تجسّده الجبهة في إحياء فكرة استفتاء تقرير المصير في الصحراء، وتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. في الوقت الذي تدّعي فيه الجبهة حصول لقاء بين غالي ورئيس مجلس الأمن الدولي، سفير بريطانيا لدى الأممالمتحدة ماتيو ريكروفت؛ جلها معطيات تؤكد أن اللقاء لم يحصل، حيث اكتفى زعيم الجبهة الانفصالية بلقاء موظفين أمميين. إن التجاوب السريع الذي وقع بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، البرتغالي أنطونيو غوتريس، والمتجسد في الاتصال الهاتفي الذي جمع بين الملك محمد السادس والأمين العام الأممي الشهر الماضي، ومسارعة المملكة إلى الاستجابة لنداء غوتريس للانسحاب من الكركرات. ثم ما أعقب ذلك من أنباء مؤكدة حول استقالة المبعوث الشخصي الأممي إلى الصحراء، الأمريكي كريستوفر روس، ودخول غوتريس في مشاورات لتعيين خليفة له، بالإضافة إلى الاختراقات المغربية الكبيرة في الساحة الإفريقية؛ كلّها معطيات دفعت البوليساريو ومعها الدبلوماسية الجزائرية، إلى إطلاق حملة هجومية شاملة في جميع الاتجاهات. وقد عمل وفد رسمي عن الجبهة في نهاية الأسبوع الماضي إلى الانتقال للعاصمة الروسية موسكو، واستقبل في البرلمان الروسي في زيارة شبه روتينية عشية كل اجتماع سنوي لمجلس الأمن الدولي، وتحريك لما تبقى من مؤسسات الاتحاد الإفريقي في يد الدبلوماسية الجزائرية، إلى جانب اللوبي المساند للبوليساريو في أوروبا، كلها أوراق حرّكها خصوم المملكة بشكل شبه متزامن.