رغم اتفاقية حقوق الطفل والقوانين الوطنية التي تحرم عمل الأطفال؛ لا يزال في عالمنا 144 مليون طفل تحت سن ال 15 عاما يجدون أنفسهم مجبرين على العمل لتأمين وجودهم ووجود أسرهم. يدورون في حلقة شيطانية من الفقر والاستغلال. تعمل عائشة، التي يبلغ عمرها ستة أعوام، في سوق الأسماك في مدينة غاو في مالي. أمَّا سانتياغو، صاحب العشرة أعوام، فيشارك في حصاد الفلفل في حقل أسرته في الإكوادور. بينما يبلغ عمر شندار 13 عاما. وقد هرب مع أهله من الحرب في سوريا، ويعمل الآن من الصباح حتى المساء في أحد المطاعم في أربيل بكردستان العراق. هذه مصائر لأطفال من أماكن مختلفة من أنحاء العالم، قامت بتوثيقها من خلال الصور منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسف". ومثل هذه المصائر منتشرة بشكل كبير؛ رغم الاتفاقيات الدولية لحقوق الأطفال، واتفاقيات مظمة العمل الدولية. لكن اليونيسف سجلت انخفاض عدد العمال من الأطفال في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، من 246 إلى 168 مليون طفل، تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وسبعة عشر عاما. "إنهم يواجهون الخيار بين الجوع أو محاولة كسب أموال"، تقول إيريس شتولتس من الفرع الألماني لمنظمة "أرض الإنسانية" (Terre des Hommes) لإغاثة الأطفال، وتضيف: "إن النجاح في القضاء على عمل الأطفال على الصعيد العالمي لن يكون ممكنا، طالما بقيت ظاهرة الفقر الشديد قائمة." وتقوم منظمة "أرض الإنسانية" بدعم مشاريع عمل الأطفال في 33 دولة في العالم. حظر عمل الأطفال لا يكفي ورغم أن إيريس شتولتس ترفض بكل حزم عمل الأطفال الاستغلالي، الذي تجرمه الاتفاقية 182 لمنظمة العمل الدولية ، إلا أنها مقتنعة بأنه لا يمكن القضاء على كافة أشكال عمل الأطفال بدون أخذ ظروف الأطفال كافة بعين الاعتبار، وتقول: "الأمر يتعلق بنوع عمل الأطفال ووقت عملهم وظروف ذلك العمل"، مشيرة إلى تايلاند، حيث يشارك أطفال كثيرون في إنتاج الجمبري والسلطعون للسوق العالمية، وتتابع: "إذا تم حظر ذلك ببساطة، فإن الشركات الكبيرة التي تتميز بظروف عمل مقبولة إلى حد ما، ستتنازل عن تشغيل أطفال". ونتيجة ذلك كما تقول إيريس شتولتس: "سيجد الأطفال أنفسهم مجبرين في هذه الحالة على العمل في شركات فرعية، حيث سيعملون مقابل أجرة أقل وتحت ظروف عمل أخطر وأكثر صعوبة". واقع مرير وقاس وتنظر منظمة اليونيسف إلى مشكلة عمل الأطفال بنفس النظرة أيضا. فرغم أن جميع دول العالم تقريبا تعهدت بالقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال حتى عام 2016، إلا أنه ليس من المحتمل تحقيق هذا الهدف، كما تقول نينيا شاربونو من الفرع الألماني لمنظمة اليونيسف، فالطريق لا يزال طويلا كي نصل إلى عالم لن يجد أي طفل فيه نفسه مجبرا على العمل لتأمين وجوده أو وجود أسرته. وتقول نينيا شاربونو: "يجب علينا أولا أن نعترف بأن عمل الأطفال واقع"، وتضيف المتحدثة باسم اليونيسف في ألمانيا أن "ما يثلج الصدر هو أن قائمة الأممالمتحدةالجديدة لأهداف التنمية المستدامة تشمل أيضا القضاء على عمل الأطفال". ومن المقرر أن توافق الجمعية العامة للمنظمة العالمية على مسودة هذه القائمة الجديدة في سبتمبر القادم. وتنص المسودة على القضاء على جميع أشكال عمل الأطفال حتى عام 2025، ولا يتم تحقيق ذلك عن طريق حظر عمل الأطفال فقط، وإنما عن طريق دعم الأسر الفقيرة وحمايتها اجتماعيا، أي أنه من المقرر مكافحة أسباب عمل الأطفال. وتقول إيريس شتولتس من منظمة أرض الإنسانية: "من المهم أن تكون هناك للكبار أجور تمكنهم من تأمين وجود جميع أفراد أسرهم. وما دام هناك كبار في الهند مثلا لا يحصلون إلا على ثلاثة يورو يوميا، فسيكون هناك أطفال يجدون أنفسهم مجبرين على العمل مبكرا لمساعدة أسرهم". ومن خلال عمل الأطفال تنشأ دائرة شيطانية من الفقر والاستغلال تُبقي الجيل القادم أيضا أسيرا للفقر المدقع.