هذه توقعات وضعتها في الشهور الثلاثة الأخيرة لعدد من دول الشرق الأوسط وهي توقعات تنبني على طريقة دلفي المعروفة في حقل الدراسات المستقبلية واستشراف المستقبل. وخلاصة هذه الطريقة أنه يُطلب من خبير بموضوع ما، أو مهتم به، أن يصوغ توقّعا بدون دراسة، أي بدون أن يقدم أدلة تفصيلية ومؤشرات وأرقاما.. فهو "حدس" معرفي بالدرجة الأولى. وقد تركتُ هذه التوقعات كما كتبتها ولم أغيّر منها شيئا مع الزمن. لذلك وضعت أمام كل توقع التاريخ الذي كتبته فيها، وهي كلها في هذه السنة 2015. والله سبحانه أعلم. التوقع الأول: مستقبل سوريا. ( 22 يناير). للأسف لا أظن أن الأزمة السورية ستنتهي هذه السنة 2015، بل ستستمرّ لأن جميع العوامل الداخلية والخارجية التي سبّبت إطالتها لا تزال وستبقى قائمة في المستقبل القريب جدا. لكن على الأرض سيتراجع النظام السوري أكثر لصالح المعارضة التي سيكون وضعها أفضل. وظننا بالله اللطيف الحليم أن تخفّ المعاناة الإنسانية للشعب السوري المظلوم من أقربائه قبل خصومه.. إن شاء الله سيتخفف البلاء عن السوريين. التوقع الثاني: المفاوضات الغربية-الإيرانية ( 23 فبراير). ظني والله أعلم أن المفاوضات بين الغرب وإيران ستنجح. كل طرف يحتاج إلى الآخر، سيعقد الأمريكيون صفقة شاملة مع الإيرانيين.. بمقتضاها تتنازل إيران عن مشروعها النووي أو عن بعض أجزائه، وبالمقابل ترفع العقوبات عن إيران وتفك عزلتها الدولية. وعلى دول المنطقة أن تعمل حسابها على هذا الأساس. هذا هو ما سيحدث ولا تستمعوا للكلام الإيديولوجي والإعلامي.. فهو للاستهلاك وللتغطية. التوقع الثالث: طبيعة الاتفاق النووي القادم ( 26 مارس). في الأسابيع الأخيرة تسببت إيران من حيث لم تقصد في إضعاف موقفها التفاوضي مع الغرب حول الموضوع النووي وغيره: 1- دخولها إلى العراق انتهى بفشل نسبي، لم تستطع هي وأنصارها دخول تكريت مدة أسابيع. واضطرت، عن طريق العراق، إلى استجداء الدعم الأمريكي الجوي. 2- دخولها منذ شهر إلى سوريا وخوضها معركة إخضاع درعا.. هذا أيضا فشل. فالثوار السوريون يتقدمون، بل البارحة استعادوا بصرى الشام. 3- دعمها اللامحدود للحوثيين ومحاولتها إيجاد موطئ قدم باليمن.. هذا الآن أصبح في مهب الريح. هكذا انتهت العبقرية الإيرانية بإضعاف البلد وانكشافه في فترة مفاوضات حساسة ومصيرية مع الغرب. سيستغل الأمريكيون والأوربيون هذه الأمور جيدا في المفاوضات.. وأخيرا ستضطر إيران إلى القبول بصفقة بائسة وأقل ممّا كانت تتوقع منذ شهرين فقط. التوقع الرابع: على هامش تقدم ثوار سوريا ( 28 مارس). هذه الأسابيع نجح الشعب السوري في معارك كثيرة: أفشل هجوم قاسم سليماني على درعا. بل تقدم واستعاد المدينة الاستراتيجية بصرى الشام. واليوم تحررت مدينة إدلب. أشعر كأن الله سبحانه أذن برفع البلاء عن هذا الشعب الشهيد، وأنه سبحانه أذن بهزيمة بشار ونهايته.. هل يحدث هذا في هذه السنة 2015؟ في استشرافي السابق: توقعت تقدم الثوار، لكن توقعت أيضا عدم سقوط النظام. إن شاء الله يخيب الجزء الثاني من توقعي هذا. التوقع الخامس: مستقبل لبنان ( 3 ماي). بات، بحول الله، سقوط بشار الأسد سقوطا مؤكدا. ومع الأسف أن حزب الله يتورط أكثر في سوريا، بل يستعد لمعركة كبرى بالقلمون.. ولو كان الحزب ذكيا لفاوض الآن على مرحلة ما بعد الأسد. لكن يبدو أن لله سبحانه قدرا مقدورا آتيا في الطريق. السؤال الكبير: هل ستنتقل الفوضى إلى لبنان؟ الذي أتوقعه أن تنفجر الأوضاع في لبنان. فمجتمع أهل السنة هناك يغلي، ولن يستطيع حزب المستقبل ولا غيره ضبطه، بل يحتمل أن يظهر نموذج لبناني لتنظيم الدولة الإسلامية.. وقريبا ستصبح الساحتان السورية واللبنانية ساحة حرب واحدة ومتداخلة.. هكذا ستنجح إيران في إشعال المنطقة كلها من حدودها بالعراق إلى لبنان.. مرورا بسوريا.. وليس مستبعدا أن يعمد خصوم إيران إلى رد فعل بإشعال الحريق داخلها أيضا، كما تؤشر لذلك اضطرابات مناطق الأحواز وبلوشستان.. ومع رب اليمن القائمة.. تكون المنطقة كلها على كف عفريت، كما يقال.. هذه الحرائق ضخمة، والجميع سيخسر فيها.. لكنها ستنتهي أخيرا بانتصار ما لجمهور الأمة.. بل ستكون هذه الحرائق بداية نهاية الإسلام السياسي الشيعي، أو لنقل انحساره.. ولّى الزمان الذهبي لصعود التشيع السياسي.. وانتهت تلك الأيام.. وعلى الجميع مراجعة أوراقه. والله سبحانه أحكم وأعلم. التوقع السادس: مستقبل تركيا ( 5 مايو). تركيا بلد في حالة صعود مستمرة، لن يعود إلى الوراء ولن يضعف.. بل قوة البلد ستزداد، خاصة مع اقتراب حلّ مشكلة الأكراد، والسقوط القريب للأسد بسوريا.. وهي خامس عشر أقوى اقتصاد في العالم، بثامن أقوى جيش في العالم، واقتصادها يفوق قليلا أضخم اقتصادين عربيين مجتمعين (الإمارات والسعودية).. ورغم أن بعض دول أوربا والجوار لا تحب الصعود التركي إلا أنها لن تستطيع منعه. ولا علاقة للأمر بحزب أردوغان.. حتى لو سقط أو اعتزل وجاءت المعارضة، سيستمر البلد في الصعود واكتساب أصدقاء جدد وتطوير إمكانات جديدة.. لذلك الأحسن التعامل مع تركيا سياسيا لا مواجهتها.. إذ لن تأت المواجهة بأي ثمرة. ستبقى تركيا مهتمة بالمشرق ولن تتركه ولو كانت الحكومة علمانية.. فمهما كانت علمانيتها ستكون جد معتدلة، ولن تفرّط أي حكومة قادمة فيما حققه البلد إلى الآن. ربما السيناريو الوحيد لتقلّص قوة تركيا هو حرب مع إيران، أو صراع معها طويل الأجل.. وهذا احتمال جد ضعيف، خاصة الحرب، لأن إيران رغم طموحاتها وتوسعها تعرف متى تتراجع، ولأن تركيا أقوى منها وأيضا أكثر حرصا على عدم السقوط في أي فخّ طائفي. الخلاصة أن تركيا في طريقها لتصبح إحدى القوى الكبرى في العالم (المصطلح في علم العلاقات الدولية بالضبط هو: قوة متوسطة. أي ستعادل إلى حد كبير بريطانيا وفرنسا -معادلة كلّية وعامة وليس في جميع التفاصيل- وربما ستتفوق على إيطاليا في مستقبل قريب). التوقع السابع: مستقبل مصر (6 مايو). الأوضاع القائمة الآن بمصر لن تستمر.. ستتغيّر، الله أعلم متى، لكن في مستقبل قريب لا بعيد.. سيحدث نوع من التصالح أو التفاهم بين المؤسسة العسكرية العامة من جهة والشارع أو المعارضة العامة من جهة ثانية.. بموجبه تتنازل الأولى للثانية عن بعض الأمور، فينصلح الحال ويهدأ. أما الوضع كما هو حاليا فلا مستقبل ولا أفق له.. سيتغير، والله تعالى أعلم. التوقع الثامن: مستقبل اليمن (7 مايو). سبق أن كتبت التوقع الأول في أكتوبر 2014، ونشرته هنا بهسبريس، بتاريخ 14 يناير 2015. الحوثيون وأتباع صالح يمارسون لعبة خطرة، هي استنزاف السعودية ومحاولة جرّها لتدخل أكبر، كالتدخل البري. لذا قصفوا نجران.. كما أنهم يستهدفون المدنيين وقتلوا أكثر من 50 من عامة الشعب كانوا هاربين بالقوراب طلبا للجوء.. أول نتيجة لهذا هي أن يقف معظم الشعب اليمني ضد الحوثي وصالح.. لن يقبلوا أن تتسلط عليهم أقلية تدمرهم تدميرا كما حدث بسوريا.. فالدرس السوري بليغ جدا وحيّ حاضر أمام أعين الجميع.. لذا ستتوسع رقعة المقاومة سريعا، وستتنظّم وتقوى. أبدا لن تستقر الأرض تحت أقدام الحوثي وصالح. أما جرّ السعودية ومحاولة توريطها أكثر فلعبة غبية من صالح والحوثي ومن إيران التي تدعمهم.. لأن السعودية متى شعرت بالخطر الشديد على أمنها الداخلي فإن أول شيء ستعمله هو دعم الثوار السوريين بكل شيء.. والجميع يعرف أن بضع مئات من الصواريخ المضادة للطائرات والدروع كافية لهزيمة بشار الأسد في شهر أو شهرين.. لذلك فالحوثيون في ورطة قد لا يشعرون بها.. وكذلك الإيرانيون.. لأن أي نجاح للحوثيين في اليمن و"انتصار" (بين قوسين) على السعودية.. معناه أن الحرب ستكون مفتوحة.. وقد لا يفكر الخليجيون وحلفاؤهم في الردّ في سوريا فقط، بل قد يفكرون في العراق بتسليح ودعم العشائر السنية مثلا، بل قد يردّون أيضا في إيران نفسها بإثارة أقلياتها المستعدة أصلا للإثارة.. نحن ربما نشهد الآن فصلا يكون فيه الذكي جدا -بسبب فرط ذكائه وثقته في نفسه- يعمل على تدمير نفسه من حيث لا يشعر.. كأنه مكر إلهي خفي وعظيم.. لذلك كتبت مرة قبل البداية المفاجئة لعاصفة الحزم بساعات، أن ما يحدث في اليمن قد يفيد السوريين.. وبعض القراء تعجب من ذلك وردّه. لكن كأن المنطقة، والعياذ بالله، مقبلة على حروب، وليس حربا واحدة.. حروب مفتوحة.. نسأل الله سبحانه أن يحقن دماء المسلمين، وأن يصلح بينهم.. وكم أتمنى من أعماق قلبي أن يتغلب صوت العقل.. ومن أخطأ فليتراجع ولا عيب في ذلك، بل هو قمة العظمة البشرية.. لكن في الحقيقة من دراستي لتاريخ المنطقة، خاصة للخلاف السني-الشيعي، أنا متشائم، رغم أن جوهر المشكلة خلاف سياسي بين دول المنطقة للسيطرة والتمدد، والمذهب فيه أداة للاستغلال، خاصة من طرف إيران.. وأنا متشائم ليس لأن إيران ستغلب خصومها وتقهرهم، لن يحدث هذا، بل ربما العكس هو الذي سيحدث. إنما لأن الجميع سيخسر.. كلنا سنخسر كثيرا.. كثيرا.. هذه فتنة عظيمة.. من النوع التي وصفها نبينا عليه السلام بقوله: فتن كقطع الليل المظلم تدع الحليم حيرانا. الخلاصة لا تحشروا السعودية وحلفاءها في الزاوية.. وأفضل شيء الآن للحوثيين وللجميع هو القبول الصادق بالتفاوض. والعلم لله وحده، إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين.