تُعبر زيارة سعيد جليلي، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، لدمشق، يوم الثلاثاء الماضي، عن ازدياد مشاركة إيران المباشرة في مصير سوريا، ويشهد ظهوره المعلن في التلفاز الرسمي السوري وإعلانه أن إيران لن تُمكّن من سقوط نظام بشار الأسد بأن إيران استقر رأيها على تحمل المسؤولية عما يجري في سوريا وباستعداد الأسد -مع أسفه- لقبول رعاية طهران. وبين جليلي أن موقف إيران يعتمد على استراتيجيتها الإقليمية، وعلى محور المقاومة الذي بنته طوال السنين في القوس الشمالية المحيطة بإسرائيل، بل أعلنت إيران على رؤوس الأشهاد أنها ستفعل كل شيء -أجل كل شيء- كي يستمر المحور في القوة لا في البقاء فقط. إن المعركة التي تُصرفها إيران في العقود الأخيرة تنشب في جبهات كثيرة متنوعة، فهناك حملة إرهاب في أنحاء العالم، بعضها سري وبعضها معلن، على أهداف يهودية وإسرائيلية وغيرها؛ وتسليح وتدريب لاعبات ليست دولا في المنطقة كحزب الله في الشمال والجهاد الإسلامي في قطاع غزة وحماس حتى المدة الأخيرة، زيادة على حرب استخبارية قوية قاسية أكثرها خفي في أماكن مختلفة عجيبة. وهذه بالطبع قائمة مختصرة فقط لأفعال جهات القوة في إيران. كانت للفعل الإيراني في دمشق الأسبوع الماضي عناوين كثيرة، فقد كان قبل كل شيء تحديا من المملكة الشيعية الكبرى في العالم اليوم للعربية السعودية وقطر ومصر، وهي ثلاث دول عربية سنية، وكانت مع ذلك أيضا خطوة معادية تهديدية لتركيا السنية والعلمانية التي لها مصالح مباشرة ومتنوعة في سوريا الجارة: حدود مشتركة وتأثير سوري كردي في المشكلة الكردية الداخلية في تركيا وغير ذلك. وأتم وزير الخارجية الإيراني زيارة لأنقرة في نفس اليوم الذي كان فيه جليلي في دمشق، لكن يُشك في أن تهدئ تفسيراته جأش رئيس الوزراء أردوغان؛ والفعل الإيراني أيضا تهديد جلي للولايات المتحدة التي تعمل على سقوط النظام السوري القاتل، بل أعلن جليلي على رؤوس الأشهاد أن إيران ترى أن واشنطن مسؤولة عن سلامة ناس وحدة الحرس الثوري الإيراني الذين أسرتهم المعارضة السورية. لا يجسد هذا الإجراء فقط وقاحة إيران المتزايدة بل أهمية المعركة على مستقبل سوريا أيضا لمكانة إيران في المنطقة أو ربما لمجرد بقاء النظام، فهي عقب أخيل بالنسبة إليه. قبل أكثر من عشرين سنة، اضطر صدام حسين آية الله الخميني، حاكم إيران، إلى الموافقة على هدنة وإنهاء حرب دامت ثماني سنين بين إيران والعراق. وأعلن في ربيع 1990، منتشيا بقوة نصره، أنه قادر على إحراق نصف دولة إسرائيل. وعلمنا آنذاك بأنه يحاول الانتقام لتدمير المفاعل الذري في بغداد على هيئة ثلاث خطط مستقلة متوازية للحصول على سلاح ذري. وفي غشت 1990 أخطأ خطأ حياته فغزا الكويت واستولى على آبار النفط فيها، وكان ذلك عملا مفاجئا وأنشأت الولاياتالمتحدةحلفا دوليا خرج لحرب تحرير الكويت ونجحت في الفرصة نفسها في القضاء على كل الخطط الذرية للعراق، وكانت هذه الزيادة أهم من الرصيد نفسه. تجاوزنا من بين كل جوانب التحدي الإيراني واحدا وهو إسرائيل. قال جليلي لنا نحن هنا على حدودكم الشمالية لا بتوسط مستخدم (حزب الله) ولا بتوسط لاعبة ليست دولة (غزة)، بل باسمنا مع وحداتنا وسياستنا. نحن هنا علنا في وضح النهار ونحن ننوي الاستمرار في أن نكون هنا وليكن ما كان. إن تهديد إيران المباشر لإسرائيل مرة أخرى لا يلبس صورة قدرة ذرية في المستقبل القريب فقط، بل هو تهديد هنا والآن. لكن هذه أيضا فرصة نادرة يمكن أن يفضي استغلالها الذكي والأصيل إلى ألا يكون إجراء جليلي في دمشق مشابها لغزو العراق للكويت فقط، بل يكون أيضا خطأ استراتيجيا توقع نتائجه بطهران هزيمة لا يوجد أكبر منها. عن «يديعوت»