مع ازدياد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في المغرب، يحث اليوم عدد من المنظمات غير الحكومية السلطات على تعزيز مكافحة هذه الآفة، من الناحية القانونية وعبر مضاعفة جهود التوعية ايضا. وقد تنامى الوعي عند الرأي العام المغربي حول خطر الاعتداءات الجنسية على الأطفال اعتبارا من ماي 2013، عندما خرج الآلاف في الدارالبيضاء رافعين شعار "لا، لا، لا للاغتصاب!"، و"كلنا وئام" تضامنا مع فتاة تدعى وئام تبلغ العاشرة اعتدى عليها مغتصبها بآلة حادة في محاولة لتشويه وجهها الذي احتاج الى 50 غرزة. وكانت آخر قضية اعتداء على الأطفال، قبل بضعة أسابيع في مدينة مراكش (جنوب)، وتتعلق بمواطن فرنسي يدعى "جان لوك.ج" (60 سنة)، والذي كان موضوع شكاوى من قبل تسعة أطفال على الأقل. وقد حكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة "اغتصاب قاصرين بدون عنف". واعتبرت منظمات غير حكومية نصبت نفسها طرفا مدنيا في القضية، الحكم متساهلا للغاية، فقامت باستئنافه وعبرت عن أسفها لإقامة المحاكمة أمام الغرفة الإصلاحية للمحكمة بدل الغرفة الجنائية. واعتبر مصطفى الراشيدي، محامي ومستشار جمعية "ما تقيسش ولدي" (لا تلمس ابني) ان "النصوص القانونية ليست متشددة كفاية" في موضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال. في المقابل ارتفع عدد من الاصوات لمطالبة الحكومة ب"قانون خاص بالاعتداءات الجنسية ضد الأطفال"، ومن بين هذه الأصوات خالد الشرقاوي السموني رئيس الائتلاف ضد الاعتداءات الجنسية. وتضمنت تعديلات في القانون الجنائي المغربي في العام 2013 عقوبات شديدة بالسجن تراوح بين 10 و20 و30 سنة وغرامة قدرها 50 مليون سنتيم (45 ألف يورو)، في حق كل من يعتدي جنسيا أو يحاول الاعتداء على قاصر يقل عمره عن 18 سنة أو على عاجز أو معاق أو على شخص معروف بضعف قواه العقلية، سواء كان ذكرا أو أنثى. وأقرت هذه التعديلات الجديدة للفصل 475 من القانون الجنائي المغربي الذي سمح للمغتصب على مدى سنين طويلة بالتملص من الملاحقة القضائية عبر اللجوء الى الزواج بضحيته، بعد انتحار أمينة الفيلالي في 10 مارس 2012 بعد فترة من تزويجها بالشاب الذي اغتصبها، ما خلف صدمة كبيرة في المغرب تردد صداها في العالم. وجاء في تقرير حقوقي صدر في المغرب، ان الاعتداءات الجنسية على الأطفال تشكل 80 % من مجموع حالات الاعتداء الجنسي في المغرب، كما تمس في الغالب أطفالا تراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة. و75 % من المعتدين هم من أقارب الأطفال. وأثارت تصريحات أدلى بها الوزير الفرنسي السابق لوك فيري في 2011، ضجة كبيرة في المغرب وفرنسا، حيث أكد فيري أن "وزيرا سابقا" لبلاده "تم القبض عليه (من طرف السلطات المغربية) في مدينة مراكش وسط حفل جنسي مع صبية صغار". واغلق التحقيق في هذا الملف من دون محاكمة هذا الوزير أو سجنه، ولكن في العام التالي حكم على سائقين اثنين كانا يعملان لدى فرنسي يدير فندقا في مدينة مراكش، بالسجن ثمانية أشهر مع النفاذ بتهمة "المشاركة في استغلال الأطفال"، فيما كان مشغلهما السابق قد غادر المغرب من دون محاكمته. ومراكش، باعتبارها أول وجهة سياحية في المملكة، ليست المدينة الوحيدة التي تتصدر عناوين الاعتداءات الجنسية على الأطفال، فقد عرفت مدينة تطوان شمال المغرب في 2014 قضيتين كبيرتين تمت خلالهما محاكمة سائحين أجنبيين بتهم الاعتداء الجنسي على الأطفال. وتفاوتت الأحكام في القضيتين، حيث حكم القضاء المغربي على متهم بريطاني بالسجن عشرين عاما مع النفاذ فيما نال مواطن ألماني حكم بالسجن ستة أشهر فقط. هذا التفاوت الكبير في إصدار العقوبات يرجع إلى "مشكلة التفسير القانوني"، على ما تقول النائبة ووزيرة الأسرة السابقة نزهة الصقلي التي تدعو خصوصا الى الغاء كلمة "بدون عنف" من النص القانون المغربي. وسبق للمجموعة البرلمانية التي تنتمي اليها الصقلي أن تقدمت قبل عامين تقريبا بمشروع قانون لتشديد العقوبات ضد من يمارس العنف على المرأة وفيه جزء كبير يخص القاصرين. لكن المشروع يعرف بعض التعثر وما زال قيد الدراسة في اطار لجنة يرئسها عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة وصادق المغرب على البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية الطفل، والذي يمكن الأطفال من تقديم بلاغات وشكاوى عند حدوث انتهاكات لحقوقهم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل أمام الهيئات الدولية، اضافة الى البروتوكولين الاختياريين المتعلقين ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية وباشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة. ورغم اشادة تقرير لمنظمة الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) في أبريل 2014 حول وضعية الأطفال عبر العالم، بالتقدم الكبير الذي حققه المغرب في معدل الأطفال المسجلين في المدارس (94 %) وتعميم تلقيحهم (100 %) وتراجع وفياتهم من 187 الى 21 حالة لكل 100 ألف ولادة خلال 2012، الا أن نسبة تشغيلهم بلغت 8 %، فيما تزويج القاصرات بلغ 16 %، وهما العاملان الأساسيان للاعتداء على الأطفال. وبحسب التقرير تم تسجيل 11599 حالة اعتداء جنسي بين عامي 2007 و2012، كما عرف عدد الشكاوى ارتفاعا مهما، ما يدل حسب بياتريس بورون رئيسة منظمة "أمان" غير الحكومية التي طورت ورشات تعليمية للأطفال، الى انه "صار من السهل اليوم إثارة هذه المسألة مع المؤسسات والأسر". وتبقى ظاهرة أخرى مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر من أهم عوامل "تشجيع الاستغلال الجنسي"، بحسب السموني الذي يدعو الى سرعة اعتماد القوانين. وقالت الصقلي إن مكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال هو "مشكلة وقاية وحماية وملاحقة قضائية"، لكنها تعتبر اللجوء الى القضاء في حد ذاته "فشلا" للسياسات الأخرى.