وحده القدر من أنقذ زينب الغزوي، الصحفية المغربية العاملة في جريدة "شارلي إيبدو"، من موت محقق، ذات صباح من يوم الأربعاء 07 يناير 2015، حين تعرض مقر جريدة "شارلي إيبدو" بالعاصمة الفرنسية باريس لهجوم إرهابي غاشم، خلف مقتل 12 شخصا، بينهم مدير الجريدة إضافة إلى سبعة صحفيين ينتمون إلى هيئة تحريرها. فأثناء العملية الإرهابية التي لازال يلف ثناياها الكثير من الغموض، خصوصا مع مقتل كل المشتبه بهم، وانتحار ضابط الشرطة "هيرلك فريدو" الذي كان موكلا بالتحقيق في قضية الهجوم على جريدة "شارلي إيبدو"، كانت زينب الغزوي تتواجد بالدارالبيضاء، ولولا ذلك لكانت إلى جانب زملائها في هيئة التحرير، أثناء اجتماعهم الأسبوعي، وهو ما كان سيعني موتها مثل كل الآخرين برصاص الغدر والجبن والهمجية. وإذا كانت زينب الغزوي قد نجت جسديا من موت محقق، فإنها وبدون شك لم تنجو من الآثار النفسية السيئة التي ستكون قد خلفتها في أعماقها، تلك الجريمة الإرهابية المروعة، خصوصا حين تتذكر زملاءها وأصدقاءها ممن قضوا نحبهم في الحادث، وهي التي عبرت عن ذلك كتابة، بجملة تختصر كل شيء، قالت فيها: "إنه ألم لا يطاق أن تفقد أناسا إلى الأبد دون أن تتمكن من رؤيتهم مرة أخرى". وهي بهذا المعنى ضحية لجريمة "شارلي إيبدو" حتى وإن كانت قد نجت منها. لكن ما تعرضت له زينب الغزوي، رفقة زوجها جواد بنعيسي، من تهديدات صريحة بالقتل، عبر مكالمة هاتفية تلقاها الزوج يوم السبت 17 يناير 2015، على الساعة العاشرة و45 دقيقة مساء، تجعل من زينب الغزوي ضحية للإرهاب مرة ثانية، وكأن خفافيش الظلام استكثروا على الله، إرادته في إطالة عمرها، وأرادوا منازعته في مشيئته وهو الذي يحيي من يشاء ويميت من يشاء، لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه. وحسنا فعلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حين أخذت التهديدات على محمل الجد، وفتحت تحقيقا في موضوع هذا التهديد الجبان الذي تعرضت له زينب الغزوي رفقة زوجها، تحت إشراف الوكيل العام للملك باستئنافية الدارالبيضاء، والوكيل العام للملك المكلف بقضايا الإرهاب بالرباط، بعد أن وضع زوج زينب الغزوي، مباشرة بعد تلقيه للتهديدات، شكاية لدى المصالح الأمنية في كوميسارية بوركون بالدارالبيضاء، حتى يعلم كل من سولت له نفسه سوءا، أن أرواح الناس ليست مجالا للعبث، وأن العدالة لا بد أن تجد طريقها للقصاص من كل من اختار طريق الإرهاب وبث روح الخوف والهلع في نفوس الآمنين. إنني أختلف مع زينب الغزوي في آرائها وأفكارها، وأختلف معها في دفاعها عن الخط التحريري لجريدة "شارلي إيبدو"، ذلك الخط الذي يجعل من الأديان والأنبياء عموما، ومن الإسلام ونبيه محمد (ص) خصوصا، موضوعا للسخرية والاستهزاء التي تصل في كثير من الأحيان لحد الإهانة، وهو ما يستفز مشاعر الكثير من الناس الذين لا يقبلون المس بمقدساتهم، ويساهم في نشر مناخ قاتم من الكراهية واللاتسامح عبر العالم، ويجعل الجماعات المتطرفة لا تجد صعوبة في استقطاب الحمقى ممن يستبد بهم الغضب، لدرجة ينسون معها قوله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين". لكن اختلافي مع زينب لا يتعدى حدود الحوار والنقاش، في إطار احترامي التام لحريتها في الرأي والتعبير، وحقها المقدس في الحياة. وحده الضعيف من يلجأ إلى القتل، للتخلص من معارضيه، أما القوي بفكره والمطمئن لسلامة عقيدته وصلابتها، فهو يجعل من مخالفيه مصدر غنى لوجوده، لوعيه التام أن روعة الحياة ودهشتها لا تكتمل إلا بوجود الآخر المختلف لونا وشكلا ولغة ودينا وتاريخا وحضارة، وأن وجود الآخر المختلف في حد ذاته عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله لقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير". وإنني لا أستطيع أن أفهم كيف لمن يدعي دفاعه عن الإسلام، أن يتجاهل حكمة الله في خلقه للناس مختلفين، وهو الذي كان في إمكانه لو أراد أن يجعل الناس أمة واحدة لا خلاف أو اختلاف بين عناصرها؟؟؟ فحرية العقيدة موجودة في الإسلام بدليل قوله تعالى: "لا إكراه في الدين". والحق في التعدد والاختلاف موجود في الإسلام بدليل قوله تعالى: " ولو شاء ربك لجعل الناس أُمة واحدة ولا يزالون مختلفين". وحرية الرأي والتعبير موجودة في الإسلام بدليل قوله تعالى: " وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون. الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون". من حق زينب الغزوي أن تعمل أينما شاءت، وأن تدافع عن أفكارها ومعتقداتها كيفما شاءت، طالما أن سلاحها هو قلمها وكلمتها، وليس من حق أي كان أن يعتدي عليها لا قولا ولا فعلا. اتركوا زينب تعيش بسلام، ولا تنغصوا عليها حياتها بالتهديد والوعيد، وجادلوها بالتي هي أحسن إن كنتم صادقين في دعواكم، أما ماعدا ذلك فهو إرهاب أسود، وحده القانون كفيل بالتصدي له بكل عدالة وحزم ومسؤولية.