انتفض آلاف المحتجين في شوارع العاصمة البوركينية، واغادوغو، واقتحموا مقري البرلمان والتلفزيون الرسمي، ما بدا وكأن رياح الربيع العربي، تهب على البلد الإفريقي الذي لم يعرف في تاريخه انتقالا سلسا للسلطة، واعتاد الانقلابات العسكرية. وتشهد واغادوغو موجة واسعة من الاحتجاجات، تتلخص جملة مطالبها في اخلاء قصر "كوسيام" (القصر الرئاسي)، ودحض محاولة الرئيس بليز كمباوري، الممسك بزمام الحكم منذ 27 عاما، تمرير تعديل دستوري يمكنه من الترشح لولاية ثالثة. وأضرم المتظاهرون الغاضبون النار في منزل الأمين العام لحزب "المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم" الحاكم، آسيمي كواندا، ورئيسة غرفة التجارة فيبوركينا فاسو، أليزاتا غاندو، بواغادوغو، بحسب شهود عيان. وبالتزامن مع ذلك، قام محتجّون آخرون بإضرام النار في منزل وزير الاتصالات الحالي في بوركينا فاسو، آلان إدوارد تراوري، والذي يعتبره بعض البوركينيين "صوت الدكتاتورية"، وذلك في مدينة "بانفورا" جنوب شرقي البلاد. ويرى مراقبون أن انفجار الوضع في بوركينا فاسو على هذه الشاكلة، وانضمام أكثر من 100 عسكري بقيادة وزير الدفاع السابق، الجنرال كوامي لوغي، إلى المحتجين المحاصرين للقصر الرئاسي، قلص من خيارات الرئيس كمباوري، في بلد لم يشهد على مدى نصف قرن من تاريخه المعاصر تحولا ديمقراطيا. ولا تبدو الخطوة التي اتخذها كمباوري إلى الخلف، بإعلان حكومته سحب مشروع قانون لتعديل المادة 37 المتعلقة بالمدد الرئاسية، كافية في سياق ناري كالذي تعيشه بوركينا فاسو منذ فترة، وربما يجد الرجل نفسه في مواجهة الكلمة الشهيرة التي اقترنت بثورات الربيع العربي عام 2011، "أرحل". وباتخاذه خطوة إلى الوراء أمام الغضب الشعبي، يستعيد الرئيس البوركيني، ما حدث، العام 2000، حين اضطر كمباوري، تحت ضغط شعبي أعقب مقتل صحفي بوركيني بارز يدعى نوربرت زونغو، ورواج شكوك قوية حول تورطه في الحادث، إلى تعديل المادة 37 من الدستور، للحدّ من الولايات الرئاسية إلى اثنتين. هذا التعديل الدستوري كان بمثابة طوق نجاة بالنسبة ل "كمباوري"، من الاحتجاجات الكبيرة في الشوارع، غير أنّ الأخير عرف فيما بعد كيف يستثمر الأثر غير الرجعي للقانون الجديد، ويترشّح، بموجب ذلك، للانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2005، وفي 2010. وكان الدستور الصادر في 2 يونيو/ حزيران 1991، بعد نحو 4 سنوات من وصول كمباوري للسلطة عبر انقلاب، يتضمّن، في مادته ال 37، تحديدا للفترة الرئاسية بولاية مدّتها سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ويرى مطّلعون على الشأن البوركيني في أعمال الشغب التي تجري حاليا في بوركينا فاسو، امتدادا لنظيرتها التي اندلعت احتجاجا على مقتل الصحفي، وكأن كل ما حصل، هو أنّه تمّ تعليقها لمدّة 15 عاما، عبر هذا "الاحتيال الدستوري"، على حدّ تعبير قوى المعارضة، في وصف ما حصل عام 2000. وقال دبلوماسي أوروبي بواغادوغو، فضّل عدم الكشف عن هويته إنّ "وجود وزير الدفاع البوركيني السابق في صفوف المتظاهرين، بميدان الأمة بواغادوغو، رفقة العديد من العسكريين، يشي بوجود نوايا للاستيلاء على السلطة، من أجل تمرير المشعل لتشكيلة منتخبة بشكل ديمقراطي". يذكر أن بوركينا فاسو شهدت منذ استقلالها عام 1960، 5 انقلابات عسكرية.