لا شك أن ما أقدم عليه الحرس الحدودي للجزائر في حق المواطن المغربي، السيد الصالحي رزق الله، يعتبر مخالفة واضحة لأحكام و مقتضيات الصكوك الدولية التي أقرتها الأممالمتحدة بشأن استخدام القوة و استعمال الأسلحة النارية من طرف الجهاز الأمني و العسكري الساهر على حماية أمن الأفراد وأمن الدولة. و علاوة على مخالفته للقانون الدولي فإن هذا الفعل غير المسؤول يتنافى تماما مع قواعد و أعراف حسن الجوار التي من المفروض أن تقوم دوما و أبدا بين هذين البلدين اللذين يجمعهما فضاء جغرافي واحد و تاريخ مشترك طويل فضلا عن روابط إنسانية عريقة. في هذا الإطار، تؤكد مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (أي السلطات الأمنية و العسكرية) التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979 في مادتها الثالثة على أنه لا يجوز لهؤلاء الموظفين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى و في الحدود اللازمة لأداء واجبهم فقط، و لا ينبغي استخدام الأسلحة النارية إلا في حالات قليلة حددها و حصرها القانون بصرامة متناهية. كما تنص المادة الخامسة من نفس المدونة على أنه لا يجوز للسلطات العسكرية التذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية أو حالات الطوارئ العامة لتبرير الانحراف عن هذه القواعد القانونية الدولية . و في نفس السياق، ينص المبدأ الرابع من ''المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة و الأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين'' التي اعتمدتها الأممالمتحدة سنة 1990، على أنه يتعين على هؤلاء أن يستخدموا، إلى أبعد حد ممكن، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء الى استخدام القوة و الأسلحة النارية. و ليس لهم استعمال هذه الأخيرة إلا عندما تكون الوسائل الأخرى غير فعالة أو عندما يتوقع أن لا تحقق النتيجة المطلوبة. و انطلاقا من هذه المقتضيات القانونية الواضحة، نستتنج أنه يتوجب على السلطات العسكرية، في الحالات التي لا مناص فيها من الاستخدام المشروع للقوة و الأسلحة النارية، مراعاة مجموعة من المعايير في تنفيذها للقوانين؛ أولها معيار التناسبية، أي، التصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الفعل الإجرامي و هذا ما يقتضي ضبط النفس في استخدام القوة بهدف تقليل الضرر و الإصابة، و ثانيها معيار الضرورة، أي، أن استعمال القوة المادية يأتي فقط كتدبير استثنائي و إجراء لا يتم اللجوء عنده إلا في الحالات القصوى، كما سبق القول أعلاه، بل، إن اللجوء إلى الأسلحة النارية لا يجوز إلا في حالات خاصة جدا؛ كضرورة الدفاع عن النفس أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة. وبالإضافة إلى مبدأي التناسب و الضرورة، فإن الاستعمال التعسفي للقوة و السلاح الناري يبقى مقيد أيضا بلزوم الإبلاغ عن ما قامت به السلطات العسكرية الى الحكومات المحلية، و ذلك من خلال تقرير مفصل يبين الأحداث و الظروف التي تم فيها استعمال القوة المادية. و يأتي هذا الإجراء من أجل إحاطة السلطات الإدارية و القضائية بالمعلومات الكافية و اللازمة عن الحدث حتى يتأتى لها مساءلة أفراد الأجهزة الأمنية و العسكرية المكلفة بتنفيذ القوانين في حالة ما إذا ثبت استعمالها غير المشروع للسلاح الناري... إذن، بناءا على هذه المواد ( 4-5-6-7- 8 و 9) الواردة في ''المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة و الأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين'' التي اعتمدتها الأممالمتحدة في شتنبر 1990، و المادتين ( 3 و 5) من ''مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين'' التي اعتمدت و نشرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 دجنبر سنة 1979، وغيرها من الصكوك الدولية و الأممية التي تحد و تقيد لجوء السلطات الأمنية والعسكرية إلى القوة المادية و الأسلحة النارية و تحظر استعمالها التعسفي و غير المسؤول؛ و استحضارا لما جاء في ''الإعلان بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة'' الذي اعتمد و نشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نونبر 1985، وغيره من الآليات القضائية و الجنائية الوطنية و الدولية بهذا الصدد؛ من ضمانات لضحايا خروقات و انتهاكات حقوق الإنسان الناتجة عن الاستخدام غير المشروع للسلطة العسكرية، و ما يستتبعه ذلك من تحديد المسؤوليات؛ و حيث أن عناصر من الجيش الجزائري قد أطلقت النار على مغاربة مدنيين مع إصابة أحدهم بجروح بليغة يوم 17 أكتوبر 2014 ، و أن هذا الفعل الإجرامي الشنيع صدر دون أن يقوم هناك أدنى مسوغ أو استثناء ما من الإستثناءات القليلة التي تجيزها التشريعات الدولية بصدد استعمال الأسلحة النارية؛ و حيث أن الحق في الحياة و السلامة الجسدية يعتبر من الحقوق الأساسية التي تكفلها و تحميها جميع المواثيق الكونية و الوطنية لحقوق الإنسان، بما فيها التشريع الجنائي الجزائري نفسه الذي يحرص على تأمين هذا الحق ضد أي هجوم أو إعتداء من خلال تنصيصه على عقوبات جزائية على كل من يقوم به؛ و تأسيسا على كل هذه الاعتبارات، فإن ما أقدم عليه الجيش الجزائري يبقى فعلا إجراميا محظورا يستوجب محاسبة جنائية نظرا لعدم مشروعيته القانونية، بل و مخالفته للأدبيات الأخلاقية الدنيا التي من المفروض أن يتحلى بها الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين كما سطرتها الصكوك و الإعلانات الدولية. و بعيدا عن السياق الإقليمي العام المعقد الذي يأتي فيه هذا التصرف و غيره من تصرفات الجزائر المتهورة التي ما انفكت تعرفها الحدود البرية المغلقة أصلا، و بعيدا عن الخلفيات السياسية و النفسية التي تحرك مثل هذه السلوكات الطائشة و غير المسؤولة بتاتا، فإنه يتوجب على الجزائر، مهما تكن تبريراتها، أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة إزاء هذا الحادث الحدودي المفجع، و لا يسعها بالتالي إلا أن تقدم اعتذارا رسميا للمغرب و المغاربة كافة، خاصة و أن الحدث وقع داخل التراب الوطني المغربي..