يلعب مغاربة الخارج دورا مهما على مستوى تنشيط المجال الاقتصادي بالمغرب بفضل تحويلات الأموال من كل بقاع العالم, حيث يعد المهاجرون المصدر الرئيسي لدخول العملة الصعبة للمغرب و من تم دفع عجلة التنمية, وسجلت تحويلات مغاربة الخارج نموا متواصلا لم يقل عن 7 في المائة سنويا، منذ سنة 1999 وتشكل البلدان الأوروبية، التي يقطنها أكثر من 80 في المائة من مغاربة العالم، المصدر الرئيسي لهذه التحويلات. و من جهة أخرى, يساهم مغاربة العالم كذلك و بشكل فعال في تماسك النسيج الاجتماعي للعديد من الأسر المغربية عبر هذه التحويلات, هذا بالإضافة إلى خلق مشاريع استثمارية لتنشيط الاقتصاد المحلي و خلق مناصب الشغل, و رغم ظروف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها العديد من البلدان الأوربية و التي أثرت بشكل سلبي على حياة المهاجرين و خاصة في إسبانيا و إيطاليا و اللتان تضمان جالية مغربية هي الأكبر من خارج الاتحاد الأوربي, إلا أن مساهمة مغاربة الخارج في الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني مازالت مستمرة, في دلالة واضحة على عمق الروابط التي تجمع المهاجرين ببلدهم الأصل. كما أن جمعيات المغاربة بالخارج تساهم بصورة إيجابية في أوراش ومشاريع التنمية المحلية والجهوية بالمغرب. القرار الصدمة و في مقابل هذا الدور الهام الذي تلعبه الجالية المغربية على مستويات عدة, منها الاقتصادية, الاجتماعية و الثقافية, تعيش الجالية على وقع قرارات حكومية لا تتماشى مع ما يطمح إليه مغاربة الخارج من إجراءات لتخفيف عبأ الأزمة الاقتصادية عنهم, و كان آخر هذه القرارات بلاغ صادر عن المديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة أعلنت فيه عن اتخاذ قرار جديد يهم دخول صنف معين من السيارات المحملة بالسلع والمقتنيات إلى الأراضي المغربية و منعها من اجتياز حدود المملكة، بحيث أنها لن تحصل على التصاريح ter 16 d , bis 16 d, و ذلك تطبيقا لمقتضيات قانون المالية للسنة الحالية ويأتي هذا القرار بناء على التعديلات التي أدخلها قانون المالية للسنة الجارية على بعض مقتضيات مدونة الجمارك، خاصة الفصلين 145 و146, القرار الذي دخل حيز التنفيذ يوم فاتح ماي المنصرم يقضي بإلغاء استفادة البضائع ذات الطابع التجاري التي يدخلها المغاربة المقيمون بالخارج والسياح من نظام القبول المؤقت، علما أن في إطار هذا النظام يسمح بإدخال بضائع إلى المغرب مع إعفاء من الواجبات الجمركية، لكن شرط أن يعاد إخراجها أو تصدير البضاعة التي أنتجت بواسطة المواد التي استفادت من القبول المؤقت. وأشار بلاغ لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة إلى أن السيارات التي تحمل بضائع ذات طابع تجاري لن تستفيد بعد الآن من نظام القبول المؤقت، المخصص للسياح الذين يأتون لقضاء بعض الوقت بالمغرب. وأكد البلاغ أنه ابتداء من فاتح ماي الجاري، تاريخ تفعيل القرار، يتعين على السيارات والبضائع التي تحملها أن تخضع للإجراءات التنظيمية والمساطر القضائية المعمول بها في ما يتعلق بعمليات الاستيراد التجاري. وأفاد البلاغ أنه يتعين على الأشخاص الذي يرغبون في مزاولة هذه المهن التوفر على سجل تجاري، وأن يتقدموا إلى مصالح إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بتصريح المفصل حول البضائع التي يحملونها إلى المغرب، إضافة إلى الإدلاء بفواتير السلع المحملة، واتباع بعض المساطر بالنسبة إلى البضائع التي تخضع لمراقبة المعايير أو مختلف عمليات المراقبة الأخرى، الخاصة بسلع بعينها، وبسط البضائع المحملة من أجل تسهيل عملية المراقبة, وبالمقابل تستمر وسائل النقل ذات الاستعمال الخاص وكذا قطع غيارها وتوابعها العادية، المستوردة من طرف الأشخاص المقيمين اعتياديا بالخارج لأجل استعمالهم الشخصي الصرف، في الاستفادة من نظام القبول المؤقت خلال فترة وجود مالكيها بالمغرب وذلك لمدة أقصاها، في السنة المدنية، ستة أشهر بالنسبة للسيارات السياحية وثلاثة أشهر بالنسبة للسيارات النفعية الخفيفة. إدارة الجمارك عللت القرار الجديد والذي يندرج في إطار أهداف الحكومة إلى هيكلة القطاع وتنظيمه وكذا إلى مكافحة التجارة غير المنظمة والتهرب الضريبي علاوة على تقوية أمن البلاد بالحد من التجارة غير المشروعة، خاصة أن استيراد بضائع وسلع قد تسبب ضررا على صحة وسلامة المواطنين أو تشكل أخطارا بيئية أو أمنية. و قد خلّف هذا القرار استياءا كبيرا و شعورا بالإحباط بين صفوف الجالية المغربية القاطنة بالخارج و خاصة ببلدان إسبانيا و إيطاليا حيث يؤدي المغاربة فاتورة الأزمة الاقتصادية أكثر من غيرهم, فالبطالة بين صفوف المهاجرين تصل إلى ضعف المعدل بين أصحاب البلد, كما أن ندرة فرص العمل دفعت بالعديد من المغاربة إلى البحث عن مصدر للرزق من خلال امتهان التجارة في السلع المستعملة, حيث أضحى لافتا للإنتباه التزايد الكبير في عدد السيارات من الحجم الكبير (فوركونيط) حيث تشير بعض التقديرات إلى دخول أكثر من 15 ألف عربة محملة بالبضائع سنويا إلى المغرب قادمة من دول أوروبية مختلفة, و التي تنقل بضائع جديدة ومستعملة، من أجل عرضها وبيعها بالأسواق المغربية في إطار نوع من التجارة الموسمية غالبا ما تذهب مداخيلها لتغطية تكلفة العطلة الصيفية لهؤلاء المهاجرين وتنقلاتهم وأفراد عائلاتهم, المنتقدون للقرار الجديد للحكومة أكدوا على أن توقيته ومقتضياته لم تراع جملة من العوامل، بل وضربت بعرض الحائط كافة مبادرات ممثلي الجالية الرامية إلى التجاوب مع مطالبها وتطلعات أفرادها، حيث لن تزيد هذه الإجراءات القانونية إلا الطين بلة. و تجذر الإشارة, أن الأوضاع الصعبة التي تمر بها أغلب بلدان أوروبا و خاصة إسبانيا و إيطاليا, غيرت و بشكل كبير من أحوال أغلب المهاجرين، وصارت السيارات التي كانت تدخل المغرب محملة بالمشتريات والهدايا في صورة نمطية التصقت بأذهان المغاربة لسنوات عديدة، قبل العودة إلى بلدان المهجر للعمل والكسب، وسيلة لنقل مختلف البضائع، لإعادة بيعها في الأسواق المغربية التي يقصدها عدد من مغاربة الداخل الراغبين في سلعة الخارج, كعنوان لأزمة خانقة ترسم أمام المهاجرين مستقبلا مجهولا في بلدان الاستقبال. المهاجرون المغاربة و المعاناة المستمرة يأتي قرار الجمارك المغربية المشار إليه سابقا ليوجه ضربة موجعة للمهاجرين المغاربة و خاصة القاطنين بإسبانيا و إيطاليا في ظل واقع اقتصادي جد متأزم حيث الآلاف من الأسر المغربية المهاجرة تعيش وضعية هشاشة اجتماعية كبيرة كما تجد صعوبة بالغة في تأمين الرزق أمام انسداد الآفاق و ندرة فرص الشغل, و بينما تنتظر الجالية المغربية بالخارج من الحكومة المغربية عبر جميع المؤسسات الرسمية المعنية بقضايا المهاجرين, اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف معاناتهم مع ظروف الأزمة الاقتصادية و التي يدفع ثمنها المهاجر المغربي أكثر من غيره, تنهال القرارات و الإجراءات في الاتجاه المعاكس لتزيد من المعاناة و الإحباط بين صفوف الجالية المغربية و لتكريس التعامل المناسباتي و الانتقائي مع أفراد الجالية حيث تفتح الأبواب في وجه التحويلات المالية لأهميتها بالنسبة للاقتصاد الوطني بينما توصد الأبواب في وجه العديد من مطالب الجالية المغربية و التي و إن كانت تتفهم الدواعي الكامنة وراء اتخاذ مثل هذا الإجراء, فإنها تطالب بالأخذ بعين الاعتبار الوضعية الصعبة التي يعيشها المهاجرون في بلدان الاستقبال و التي دفعت بالعديد منهم إلى البحث عن مورد للرزق عبر الاشتغال ببيع الأدوات المستعملة التي يجمعونها من البلدان الأوربية. و قبل هذا القرار, استقبلت الجالية المغربية في وقت سابق من هذه السنة بكثير من الاستياء قرار الحكومة المغربية فرض ضريبة إضافية على شركات الطيران المنخفص التكلفة و الذي كان و ما يزال يشكل متنفسا للمهاجرين المغاربة من أجل الالتحاق بالبلد الأم لقضاء أيام العطل نظرا لما يوفره من أثمان جد اقتصادية و كذا إمكانية السفر مرات عديدة خلال السنة لزيارة المغرب. و كانت الحكومة المغربية و في إطار مشروع قانون المالية لهذه السنة و كذلك في إطار البحث عن موارد مالية جديدة, قد قررت رفع الرسوم على تذاكر الطيران لتشمل 100 درهم على كل تذكرة، بالنسبة إلى الدرجة الاقتصادية، و400 درهم على ركاب درجة الأعمال, و هو ما يشكل عبأ جديدا على كاهل المهاجرين علما أن العديد من الأسر المهاجرة تعيش على مساعدات اجتماعية لا تفوق 450 يورو في الشهر, و كان من نتائج هذا القرار إعلان مجموعة من شركات الطيران العالمية التي تقل ركابا من وإلى المغرب، تخفيض عدد رحلاتها أو إلغاءها بصفة نهائية و هو ما شكل ضربة أخرى موجعة للمهاجرين المغاربة بالخارج و الذين كانوا قد استبشروا خيرا بوجود هذه الشركات المنخفضة التكلفة لما توفره من فرص السفر بأثمان مغرية و في متناول الجميع خاصة مع انهيار القدرة الشرائية للمهاجر المغربية كنتيجة حتمية لتداعيات الأزمة الاقتصادية و ازدياد نسبة البطالة, و من جهتها, عبرت العديد من الجمعيات الممثلة للجالية المغربية بالخارج على خلفية هذا القرار, عن استيائها العميق من موقف الحكومة المغربية و اعتبرته مضرا بمصالح المهاجرين المغاربة, كما عملت على تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقرات القنصليات و السفارات المغربية ببلدان الإقامة. و حذرت المنظمة الدولية للطيران «اياتا» المغرب من خسائر مالية قد تصل إلى أكثر من مليار درهم وفقدان أكثر من 13 ألف عامل لوظائفهم، نتيجة القرار القاضي برفع الضريبة الجوية التي فرضتها السلطات المغربية على الشركات العاملة في المجال, وحذرت المنظمة من أن القرار القاضي برفع الضريبة على تذاكر الرحلات الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ شهر أبريل المنصرم، قد يؤدي إلى نتائج عكس ما يتوقع منه. رد فعل الجالية مباشرة بعد صدور قرار إدارة الجمارك المغربية و الذي كان له أثر سيئ على نفسية المهاجرين المغاربة لما سيحمله من تداعيات على مستوى عيش الآلاف من الأسر المهاجرة, توالت احتجاجات أفراد الجالية و كذا جمعيات المجتمع المدني بالمهجر ضد هذا القرار الذي لم يأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الجالية المغربية بديار المهجر و اضطرار الكثير من أرباب الأسر إلى مزاولة مثل هذا النشاط التجاري لتأمين مصاريف العيش لأسرهم بالخارج و كذا مساعدة باقي أفراد الأسرة بالمغرب و من تم تداعيات هذا القرار كذلك على العديد من الأسر المغربية و التي يعتبر المهاجرون مصدر رزقهم الأساسي, حيث اعتبر الجميع أن هذا القرار هو قطع للأرزاق في وقت تنذر فيه فرص العمل بدول الاستقبال و تنعدم المساعدات الاجتماعية و إن وجدت فهي هزيلة لا تسمن و لا تغني من جوع, و أمام هذا الوضع و ضيق الحال, لم يعد من خيار بالنسبة للعديد من المهاجرين المغاربة إلا الاشتغال على بيع المواد المستعملة الآتية من أوربا أو فقط العمل على نقلها. و في سياق رد فعل الجالية على هذا القرار, و من أجل إيصال و إسماع صوتهم و استيائهم و معاناتهم إلى المسؤولين المغاربة, لم يتوانى أفراد الجالية المغربية القاطنة بالخارج و المتضررين من دخول هذا القرار حيز التنفيذ, من تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان المغربي بالعاصمة الرباط, مطالبين بإلغاء القرار الصادر عن مديريَّة الجمارك والضرائب غير المباشرة، و الذي يلزم أصحاب السيارات الكبيرة "الفورغونات" الذِين يدخلُون بضائع ذات طبيعة تجاريَّة؛ بتقديمِ سجلِ تجارِي والخضوع لمسطرة الاستيراد، التِي يرونهَا أكبر من الأنشطَة البسيطة، التِي يتدبَرُون بهَا أمرهُم, متسائلين عن البديل الذي يمكن أن تقدمه الحكومة المغربية لتشغيل هذه الشريحة من أبناء الوطن, و التي غالبا ما يتم التعامل معها بمنطق "البقرة الحلوب" حين الحاجة إلى دخول العملة الصعبة بينما ينسى المسؤولون معاناة المهاجرين مع ظروف العيش في ظل واقع الأزمة الاقتصادية, و يعتزم المهاجرُون المغاربة المتضررون من قرار الجمارك الجديد، خوضَ أشكالٍ احتجاجيَّة تصعيديَّة إلى أنْ تتراجع الحكومة عمَّا اعتبروهُ قطعًا لأرزاقهم. و في تصريح لجريدة أندلس برس, قال السيد يونس أوسعيد, رئيس جمعية المهاجرين المغاربة بخيرونا, أن مثل هاته القرارت تزيد الطين بلة و من شأنها تعميق معاناة المهاجرين المغاربة الذين يكتوون بنار الأزمة الاقتصادية في ظل غياب مساعدات حقيقية, كما أكد أن هذا القرار سيزيد من تكريس وضعية الهشاشة الاجتماعية التي تعيشها العديد من الأسر المغربية و التي كانت تعول على مثل هذه الأنشطة التجارية البسيطة لضمان الحد الأدنى من العيش, داعيا في الوقت نفسه السلطات المغربية إلى مراجعة هذا القرار خدمة لمصالح الجالية. كما التقت جريدة أندلس برس, عدد من المهاجرين المغاربة القاطنين بمنطقة خيرونا و الذين يمتهنون نقل البضائع من إسبانيا إلى المغرب, حيث صرّح لنا السيد مصطفى, 56 سنة رب أسرة, أن ظروف الأزمة الاقتصادية دفعت به إلى الاشتغال بنقل البضائع المستعملة إلى المغرب كمخرج لوضعية البطالة التي أصبح يعيشها بإسبانيا و ليعيل أسرته الصغيرة, يقول السيد مصطفى أنه قلق جدا من دخول قرار الجمارك المغربية حيز التنفيذ لأنه يعني بكل بساطة الحكم على الكثير من المهاجرين بالتسول و قطع الرزق, أما السيد عبد اللطيف, مهاجر مغربي يقطن بالمنطقة منذ عشر سنوات, يقول أن وضعية المهاجرين المغاربة أصبحت تستدعي الشفقة لما يجدونه من صعوبة بالغة في تأمين مصاريف العيش, "هاد التجارة غير كنسلكو بها الوقت, و دابا باغين يقطعو علينا الرزق" يقول عبد اللطيف بحرقة بالغة, ماذا عسانا نشتغل بعد هذا المنع? الحالة هنا بإسبانيا لا تفرح, ليست هناك مناصب شغل كافية و المساعدات قليلة, لهذا أتمنى, يضيف عبد اللطيف, أن تتراجع السلطات المغربية عن هذا القرار لأننا بحاجة إلى مورد رزق لإعالة أسرننا.