قضت المحكمة بالسجن لمدة أربعة أشهر في حق معاد بلغوات، فنان الراب المشهور بالحاقد.... كان الأمل أن تنطق هذه المحكمة بالبراءة، لتسدل الستار على ملف فارغ في المحتوى، ثقيل في مسلسل رسم الصورة الحقوقية للبلد برمته.... كان الأمل أن يكون بالفعل مسلسلا دشن في صمت، كي نمحو هذه الصورة السلبية... مسلسل ابتدأ بإطلاق سراح معتقلي السادس من أبريل، ومعتقلي الحركة الطلابية في القنيطرة... فكان الانتظار والآمل في أن يطلق سراح الحاقد، ونقفل هذه الكوة التي يدخل منها ريح مسموم يجر البلد إلى الخلف.... كانت النتيجة عكس المنطق، وأبت المحكمة إلا أن تزيد وجه الوطن وساخة بحكمها هذا.... لا تحتاج صورة البلد إلى خدش آخر.... فأيقونته هناك في الخارج إصبحت مثار حنق واستهزاء القوى العظمى.... وأصبحت الدولة يوما عن يوم تزيد من حشر نفسها في زاوية ضيقة... كلما خرجت من مصيبة إلا وتجد نفسها متورطة فيما هو أكبر منها .... كأن هناك بالبلد من لا يريد أن تأخذ نفسها من توالي هذه المثالب... منذ أكثر من أربع سنوات، وهي ترفع قدمها من وحل قضية لتضعه في وحل أكثر نتانة منها.... منذ واقعة أكديم ايزيك، إلى حين اعتقال الحاقد، مرورا بمحاكمة انوزلا، والعنف في الكليات وتعنيف المعطلين، وقضية المومني والمعتقل العراس وغيرها مما يسود هذه السبورة المنهكة.... فهل هناك في البلد من يخطط لهذا الإغراق الممنهج لها؟ طبعا للقضاء هيبته، ولما ينتجه من أحكام وقرارات حرمتها، لكنها ليست مقدسة، ولا هي غير قابلة للنقاش والتعليق، ومن هذا المنطلق، وبالنظر إلى خصوصية المعني بالاعتقال، وهو معاذ بلغوات، لا بد أن نسطر على الاستغرابات التالية: ما هو ظاهر، أن الشرطة تقدمت إلى المعني بالأمر لاشتباهها في بيعه لتذاكر مباراة كرة القدم بين الفريق التطواني والرجاء البيضاوي.... الوقوف على حالة السكر والاعتداء على عناصر الشرطة هي لاحقة على هذه التهمة.... برأته المحكمة من هذه التهمة، لإنه لا وجود لفصل ينظمها في القانون .... أثار دفاع الحاقد عدة ملاحظات حول محاضر الشرطة القضائية، حول عملية الضبط ومنطق الوقت غير الممكن فيه، وحول التعذيب والتعنيف الذي تعرض إليه الحاقد، سواء في سيارة الشرطة أو في مقرها، دون إن تأخذ المحكمة يكل هذا... كما طلب استدعاء شهود النفي لصالح معاذ الحاقد، دون أن تتم الاستجابة إلى طلبه مما يعني أنه كانت هناك نية مبيتة من أجل السير بهذا الملف لإشهاره في وجه العالم الحقوقي: بأن طز فيكم جميعا... ثم كانت فكرة الشهادات الطبية التي أدلى بها رجلي الأمن المعنفين، وصور التعنيف الطرية والتي أخذت بعد ما يزيد عن اليومين من الواقعة، دون آثار بداية الالتئام.... ناهيك عن أن تعنيف رجلي أمن من طرف مواطن واحد، وهو بلغوات هنا، يستلزم إعادة النظر في الكفاءة البدنية لهؤلاء، ومدى صلاحيتهم لأن يكونوا بالفعل رجال شرطة تناط بهم مسؤولية حماية المواطنين والدفاع عنهم.... نشرت إحدى الجرائد الأمريكية الذائعة الصيت خبر الحكم على الحاقد فور النطق به... هذا النطق الذي أغلقت به المحكمة باب التراجع في وجه الدولة، التي لن يكون أمامها سوى إطلاق سراحه بعفو ما، أو بفعل الاستئناف، بعد أن تمر من سلسلة تقريع وتوبيخ وضغط من المنتظم الدولي، الذي حتما يتابع تطورات الملف الحقوقي باستغراب شديد، وربما باستنكار أشد..