في وقت ترتفع فيه أصوات بعض الدعاة والسياسيين في مصر بتصريحات تدعو لإقصاء المختلفين معهم ونبذهم من المجتمع، مع محاولات لإيهام الرأي العام باحتكار أولئك الدعاة للحقيقة، أطلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أمس وثيقة «الحريات»، كما يطلق اليوم (الأربعاء) مبادرة بعنوان «نحو استعادة روح وقيم الثورة المصرية واستكمال أهدافها»، في لقاء وطني يجمع القيادات السياسية والفكرية والشبابية الفاعلة في الساحة المصرية، بينما دعا الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر للحوار، في تصريحات ل«الشرق الأوسط»، إلى توخي الحكمة في تكوين رأي عام يحتكم إلى الحوار ونبذ التعصب. وقال شيخ الأزهر في مؤتمر صحافي عقده أمس في مقر مشيخة الأزهر إن المصريين، والأمة العربية والإسلامية، يتطلعون بعد ثورات التحرير التي أطلقت الحريات، وأذكت روح النهضة الشاملة لدى مختلف الفئات، إلى علماء الأمة ومفكريها المثقفين، كي يحددوا العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحة ومنظومة الحريات الأساسية التي أجمعت عليها المواثيق الدولية، وأسفرت عنها التجربة الحضارية للشعب المصري، تأصيلا لأسسها، وتأكيدا لثوابتها، على أساس من رعاية مقاصد الشريعة الغراء، وإدراك روح التشريع الدستوري الحديث، ومقتضيات التقدم المعرفي الإنساني. وأضاف الطيب: «من هنا فإن مجموعة العلماء الأزهريين والمثقفين المصريين الذين أصدروا وثيقة الأزهر الأولى لمستقبل مصر في يوليو الماضي، وأتبعوها ببيان دعم حراك الشعوب العربية الشقيقة نحو الحرية والديمقراطية، قد واصلوا نشاطهم وتدارسوا في ما بينهم القواسم الفكرية المشتركة في منظومة الحريات والحقوق الإنسانية، وانتهوا إلى إقرار جملة من المبادئ والضوابط الحاكمة لهذه الحريات». وأضاف أنه يترتب على حق حرية الاعتقاد التسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساس متين من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص في جميع الحقوق والواجبات. كما أشار أيضا إلى أنه يترتب على احترام حرية الاعتقاد، رفض نزعات الإقصاء والتكفير، ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين بهذه العقائد. ومن جانبه قال الدكتور عزب إن المجتمعين لإعداد وثيقة «الحريات» أكدوا أن حرية الرأي والتعبير هي المظهر الحقيقي للديمقراطية، وينادون بتنشئة الأجيال الجديدة وتربيتها على ثقافة الحرية وحق الاختلاف واحترام الآخرين، ويهيبون بالعاملين في مجال الخطاب الديني والثقافي والسياسي في وسائل الإعلام مراعاة هذا البعد المهم في ممارساتهم. كما دعا الدكتور عزب إلى توخي الحكمة في تكوين رأي عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق ويحتكم إلى الحوار ونبذ التعصب، وقال إنه ينبغي لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامي السمح. يشار إلى أن الكثير من قادة تيارات الإسلام السياسي، وأبرزها تيار جماعة الإخوان والتيار السلفي، والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، أدلوا خلال الأشهر الأخيرة بتصريحات اعتبرها البعض تدخلا في الحريات ومحاولات للتفتيش في الضمائر، واتهام الخصوم بالكفر، في وقت يتجه فيه تيار الإسلام السياسي للاستحواذ على أغلبية مقاعد البرلمان بعد ثورة 25 يناير التي قامت بإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك أساسا للمطالبة بإطلاق حرية الاختلاف والتعبير والحريات العامة.