اعتبر الزعيم الروحي للتيار السلفي وأحد أبرز منظريها بالجزائر، والأستاذ بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر الدكتور علي فركوس أن" القيام للسلام الوطني سواء أكان القيام مصحوباً بالتحية والإنشاد أم بقراءة القرآن ووضع الورود والأزهار يعد مظهرًا وثنيًا منافياً لجناب التوحيد"، ونسب هذه الطقوس إلى "اليهود والنصارى" القائمة حسب وصفه على "الغلو في رؤسائهم وقادتهم"، كان ذلك خلال رده على سؤال ل"إيلاف" حول موقفه من قيام وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مؤخراً بتوقيف ثلاثة أئمة رفضوا الوقوف للسلام الوطني بمدرسة الإطارات الدينية بولاية سعيدة غرب الجزائر. هذا وكانت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائر قد أوقفت بشكل تحفظي ثلاثة أئمة كانوا يتلقون تكويناً بمدرسة الإطارات الدينية في ولاية سعيدة غرب الجزائر، عشية الاحتفال بذكرى ثورة التحرير الفاتح نوفمبر، وأثناء عزف النشيد الوطني رفض هؤلاء الأئمة الوقوف، وقام مدير المدرسة بتحرير محضر للحادثة وقام بإرساله إلى الوزارة التي أصدرت قرارات توقيف تحفظية بحق هؤلاء، قبل أن تحيلهم إلى المجلس التأديبي الذي أصدر قرار بمنعهم من إلقاء الخطب في المساجد ولم يتم فصلهم بشكل نهائي عن العمل. والجدير بالذكر أن هذه الحادثة هي الثانية من نوعها، إذا رفض خمسة أئمة العام الماضي الوقوف للنشيد الوطني أثناء عزفه وذلك بحضور وزير القطاع أبو عبد الله غلام الله بدائر الإمام بالعاصمة والذي وصف حينها الحادثة ب"الجريمة التي لا تغتفر"، ليفيد بعد ذلك أن الوزارة تراجعت عن فصل هؤلاء بعد أن ندموا على فعلتهم، ويحسب هؤلاء الأئمة على التيار السلفي.
"إيلاف" اتصلت بالزعيم الروحي للحركة السلفية بالجزائر ومنظرها الدكتور علي فركوس لمعرفة وجهة نظره الشرعية حول المسألة، وسلم لنا رسالة اسماها "تحري السداد في حكم القيام للعباد والجماد" ضمن سلسلة توجيهات سلفية، وحسب الشيخ فركوس فان السبب المباشر لكتابة هذه الرسالة هو الإجابة على سؤال ورده من تركيا حول حكم القيام الإجباري لتمثال منصوب ل"كمال أتاتورك" في وسط المؤسسات التربوية، إذ تفرض السلطة القيام له إجباريا قبل الدخول إلى الأقسام الدراسية، وتطرق خلال فصول هذه الرسالة إلى قضية النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت وغيرها من المراسيم الخاصة بالاحتفالات الرسمية والوطنية. ويذهب الشيخ فركوس، إلى تحريم الوقوف للنشيد الوطني وفي ذلك يقول " ومن قبيل القيام المحظور شرعا.. الوقوف للجمادات من التماثيل والأوثان على اختلاف أنواعها وتباين أشكالها، فيدخل في النهي منحوت الصورة من ذوات الأرواح كالأصنام وغير الصور الحيوانية من بقية الجمادات الأخرى كالقيام للصليب أو النصب التذكارية أو للنار المشتعلة أو للعلم أو للمدفع أو للضريح، سواء كان القيام مصحوبا بالتحية والإنشاد أو بقراءة القرآن ووضع الورود والأزهار أو بالتزام الواقفين الصمت لدقيقة أو دقائق، فان هذا القيام يعد مظهرا وثنيا منافيا لجناب التوحيد"!. وفي أحد فصول الرسالة يرد شيخ السلفيين على ما يسميه شبهات القيام للجماد، واعتبر فتوى دار الإفتاء المصرية والتي جاء فيها أن "تحية العلم بالنشيد أو بالإشارة باليد في موضع معين إشعار بالولاء للوطن والالتفاف حول قيادته والحرص على حمايته، ولا يدخل ذلك في مفهوم العبادة فليس فيها صلاة، ولا ذكر حتى يقال إنها بدعة أو تقرب إلى الله "اعتبرها" مفرغة عن الدليل والحجة"، ويضيف قائلا: "واحدهم يقول إن الوقوف للنشيد الوطني أمر محبب، لأن ديننا الحنيف يؤكد أن حب الوطن من الإيمان، وأن هذه السلوكيات رمزية، واصطلاحات لا علاقة لها بالشرع وأن الاستماع للنشيد والوقوف للعلم يدخل في شكل تقدير الوطن والولاء له". والعلم الوطني أو الراية حسب الشيخ فركوس "مجرد وسيلة من وسائل الحرب، ولم يثبت في هذه الجمادات أي مستند شرعي أو تاريخي يدل على مظاهر التعظيم والعبادة لها من الوقوف لها أو الانحناء بطأطأة الرأس أو الخشوع لها بقطع الأنفاس وترك الحركة، أو حمل العلم في وسادة و الانبطاح على الأرض إذا ما سقط العلم". ويرى فركوس أن "رفع الرايات على وجه التقديس فوق البيوت والبنايات أو على الساحات العمومية أو على المدارس والجامعات عرفت عند المعاصرين المتأثرين بالمدنية العلمانية الغربية فقلدوهم في الاحتفالات والأعياد الرسمية والمراسيم، وهي تعد امتداد للوثنيات اليونانية والرومانية. واعتبر أن المقدسات الوطنية أقوى تعظيما واشد عقوبة من المقدسات الشرعية" والدليل على ذلك حسب فركوس "حكاية من امتنع عن أداء المراسيم الموضوعة وأبى القيام للعلم في إشارة واضحة إلى الأئمة فقد ارتكب في نظر من يؤله الهوى أعظم جريمة ونقموا منه ونسبوه إلى الخيانة العظمى وكان من المخذولين والمبعدين، في حين أن من اقترف كل المخازي والمهالك من اختلاس ونهب، وهو في ظاهره يعظم العلم ويتظاهر بمحبة الوطن كان هذا من المنصورين و المقربين". ويرفض الشيخ فركوس ربط مسالة الوطنية بالإيمان، واعتبر أن "حب الوطن ليس من الإيمان ولا من مقتضياته ولوازمه بدليل اشتراك الناس فيه من غير فرق بين مؤمن و كافر"، وحسب الشيخ فركوس فان الاعتماد على حديث "حب الوطن من الإيمان" في الاحتجاج على أن حب الوطن من لوازم الإيمان لا يستقيم لأنه حديث موضوع مكذوب ومختلق عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر من ذلك يرى فركوس أن" التركيز على مبدأ الوطنية أمر خطير على عقيدة المسلم وواقعه، فإلى جانب مصدره العلماني فهو مزيح لعقيدة الولاء و البراء الشرعي ومقص لرابطة الأخوة الإيمانية". من جانبه، استغرب احمد لخضر بن سعيد، الرئيس السابق لتنسيقية أبناء الشهداء صدور هذه الفتوى، ودعا بالمناسبة في حديثه ل"إيلاف" الشيخ فركوس إلى مراجعة النصوص الدينية، وأضاف بن سعيد: "استغرب لماذا صنع الأئمة من قضية الوقوف للنشيد الوطني من الحبة قبة؟". مضيفا الوقوف للنشيد الوطني لا يعتبر تقديس في حد ذاته، وإنما هو احترام لهؤلاء الذين كافحوا الاستعمار الفرنسي ودفعوا أرواحهم فداءً لهذا الوطن، هؤلاء يستحقون منا التكريم والاعتراف والتقدير، ثم أن الثورة التحرير كانت قائمة لمحاربة الكفار وكانت تحت راية الله أكبر" يضيف بن سعيد، مؤكدا. أما الشيخ شمس الدين بوروبي فاعتبر في تصريحه ل "إيلاف" فتوى تحريم الوقوف للنشيد الوطني فتوى باطلة، وهي قائمة على أسس غير صحيحة، وأول من أفتى بها هم بعض مشايخ السعودية وهم مخطئون في ذلك، يؤكد الشيخ شمس الدين الذي يشدد على أن "النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد الأولية ولكل جيش له راية وكل صحابي لا يترك الراية تسقط بدليل أن سيدنا جعفر في غزةتبوك حمل الراية "العلم" فانقطعت يده اليمنى فحملها بيده اليسرى فانقطعت اليسرى فحملها بعضديه ولم يتركها تسقط إلا أن استشهد، وقبل أن تسقط حملها صحابي آخر فاستشهد فحمل ثان وثالث". ويضيف الشيخ شمس الدين، سائلا لشيخ فركوس: "أنا اسأل الشيخ فركوس وجماعته الذين يحرمون الوقوف للنشيد الوطني أيهما اشد أن يقتل الرجل وألا تسقط الراية أو أن يقف لها، مع أن المعنى من الوقوف للعلم وللنشيد ليس احترام قطعة القماش، وإنما احترام الدلالات التي يرمز لها، وقد جاء الإسلام باحترام الرمزية فنحن نقبل الحجر الأسود وهو رمز للخير ونرجم الشيطان لأنه رمز للشر، فالإسلام يحترم الرموز فالنجمة والهلال في العلم الجزائري يرمزان إلى الإسلام وأن هذا الدين سيبقى عاليا أما البياض فيرمز إلى الحرية والأحمر إلى دم الشهداء والأخضر إلى الجنة، إني أسألك يا فركوس الذي يقف احتراما لهذه القيم كيف يقال عنه مبتدع؟". ويؤكد في الأخير الشيخ بوروبي "احذر من هذه الفتوى الباطلة التي هدفها تدمير حب الأوطان في قلوب الناس، ويجب أن اذكر بأن هذه الفتوى لم تأت وحدها فقبل الشيخ فركوس حرم احد شيوخ اليمن، وهو مقبل الوادعي الاستماع إلى النشيد الجزائري أو قراءته لأنه فيه شرك بالله، هذه الفتوى ليست بريئة فبعد أن اسقط الماسونيين الخلافة جاء الدور على الوطنية". عن موقع إيلاف