قيل قديما في الحركة بركة، أما الآن ففي الحركة ضمير مستتر تقديره حزب ثوري ليبرالي حداثي ديمقراطي تقدمي حقوقي وديع، وكان قديما يمكن للحركة أن تصبح حزبا لكن لم يكن بمقدور الحزب أن يصبح حركة لينهض من جديد ويبعث من رماد في حلة جديدة وباسم جديد ووجوه كانت تلعب خارج الحزب ودخلت اللعبة بطريقة مباشرة. رزقت الساحة المغربية مؤخرا بمولود جديد اختير له من بين الأسماء "ضمير"، وقد استقبل بحفاوة كبيرة نظرا للظرفية الراهنة التي جاءت بحزب إسلامي" كيتبورد" وحده في الساحة السياسية ويطلق رصاصات "فارغة" تحدث صوتا ولا توقع أذى، لذلك كان لزاما أن يخرج للوجود هذا المولود الضمير في زمن اللاضمير. وفي الحقيقة تعتبر هذه الحركة القديمة/ الجديدة امتدادا لحركات أو جمعيات موجودة في الساحة لكن صوتها لم يعد مسموعا وأصبحت خرجاتها مناسباتية أو استنفد رصيدها، نذكر منها على سبيل المثال بيت الحكمة و وحركة اليقظة المواطنة وحركة لكل الديمقراطيين، وإذا عرفنا أعضاء هذه الحركات وتلك الجمعية بطل العجب في حركة "الضمير"، تقريبا نفس الأسماء ونفس المرجعيات ونفس الأهداف لكن تحت اسم جديد، نحن لسنا بصدد انتقاد هذه الحركة أو غيرها لكن نحن بصدد تسليط بعض الضوء عليها لنخرجها من العتمة إلى النور. الضمير اسم يحيل على الرقابة أو الأنا الأعلى الذي يضبط سلوك الفرد والجماعات، وقد أجاب السيد سعيد لكحل في آخر مقالاته عن السبب وراء تأسيس هذه الحركة ولماذا اختيار ذلك الإسم، وقد خلص في الأخير إلى أن الديمقراطية ليست هي صناديق الاقتراع فقط وأن غالبية الشعب ( وهو هنا يقصد الفئة التي صوتت لحزب العدالة والتنمية) تعيش في مآسي بفعل غياب الوعي السياسي كما أنه سجل تشردم قوى الشعب الحية ( حزب الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، التقدم والاشتراكية...) واستقالة مثقفيها كان دافعا أساسيا في خروج الحركة لتأخذ على عاتقها دعم المشروع المجتمعي الحداثي والعمل على خلق وعي جمعي بأهميته كأفق سياسي يحرر طاقات الشعب ويفجر إبداعاته ويصون كرامته ويضمن حقوقه. لكن إذا تتبعنا ما جاء في مقال السيد لكحل وقرأنا مابين السطور فإنه يمكننا أن نلخص كل كلمات تلك المقالة وكل ما جاءت به حركة "ضمير" في جملة واحدة، مواجهة حزب العدالة والتنمية، وهذه الجملة يمكن أن نسقطها على برنامج حزب الأصالة والمعاصرة وهي نفس الجملة التي نجد مفهومها ضمن ما جاءت به حركة من أجل كل الديمقراطيين والتي بالمناسبة كتب فيها السيد سعيد لكحل مقالا طويلا كانت خلاصته شبيهة بما جاء في مقاله الأخير عن حركة ضمير. إذن يمكن القول بأن حركة ضمير هي حركة من أجل كل الديمقراطيين في حلة جديدة، وبتغيير بعض الوجوه التي كانت تنشط خارج الحركة و الآن أصبحت داخل الحركة، ولنبدأ بالسيد صلاح الوديع الذي كان من مؤسسي حركة لكل الديمقراطيين والذي توارى من حزب الأصالة والمعاصرة ليعيد تموقعه من جديد في هذه الحركة الوليدة، وللإشارة فالشاعر صلاح الوديع لم يعد يظهر إلا لماما، واستعاض عن قرض الشعر بقرض مقالات نعي ينشرها على صدر بعض الجرائد لينعي فيها "مانديلا" أو مناضلة، وربما وجد في الحركة مكانا أرحب للتعبير عن أفكاره بدل حزب الأصالة والمعاصرة الذي ضاقت قشابته بالسيد وديع. لطيفة أحرار الممثلة التي لم يكن التمثيل سبب شهرتها بقدر ما كانت خرجاتها وفتحات قفطانها سبب شهرتها وكذلك خرجات بعض المتعصبين ضدها ومصادرة حقها في التعبير وتعرية واقعنا المرير، وجدت في الحركة المكان الذي من خلاله يمكن أن تسمع صوتها وتواجه أولئك الغربان الذين ينعقون في وجهها صباح مساء بعقليتهم البالية. فالآنسة لطيفة لا يذكر لها المشاهد المغربي أي عمل فني كان سببا في شهرتها بقدر قراءة أخبارها على صفحات الجرائد بأنها تعرت في مسرحية "كفر نعوم" أو مطالعة صورة لها على البساط الأحمر وهي مشاركة في مهرجان مراكش ليس بعمل جديد لكن بلباس جديد. سعيد لكحل الباحث عن الجماعات الإسلامية هو اسم آخر يؤثث حركة "الضمير" فالسيد معروف باتجاهاته السياسية وبمناكفته للإسلاميين ولا داعي لسرد سيرته لأن كل المتتبعين للشأن السياسي في المغرب يعرفونه ويعرفون مواقفه لذلك فموقعه داخل الحركة هو موقع طبيعي يتماشى وقناعاته الأيديولوجية وحتى السياسية. وأخير ا وليس آخرا السيد أحمد عصيد وهو أشهر من نار على علم، فهو أستاذ الفلسفة وهو الناشط الحقوقي وأستاذ التاريخ ... فلنقل هو "الجوكير" أينما تذهب تجده، يفهم في الفلسفة والتاريخ والجغرافيا والتربية والوطنية والتربية الإسلامية والتراث وكل شيء، لكن أهم ما يميزه هو أنه الآخر معروف بمواقفه تجاه الدين وتجاه الإسلاميين . إذن بإطلالة سريعة نجد أن الأشخاص الذين يشكلون هذه الحركة هدفهم وحيد وواضح، وهو الوقوف في وجه الإسلاميين ويشكلون كتلة ضد أي تراجع عن المكتسبات التي حققها المغرب، ويعتبرون أنفسهم ضمير هذا الشعب الذي أغلبيته غير واعية سياسيا وأنهم الصوت الذي ينادي وسط (الظلام) بحقوق الإنسان... كل هذا الكلام جميل ومعقول ولا غبار عليه، لكن من باب الفضول فقط ألا يدفعنا ميلاد هذه الحركة إلى طرح بعض التساؤلات المشروعة. ألا يمكن اعتبار هذه الحركة مشروع حزب جديد؟ ألا يمكن اعتبار هذه الحركة الذراع الدعوي لحزب الأصالة والمعاصرة؟ هل من الممكن أن تتطور هذه الحركة وتعارض أحزاب أخرى غير حزب العدالة والتنمية؟ ألا يمكن أن يقع لهذه الحركة ما وقع لحركة كل الديمقراطيين ويركب على ظهرها بعض أصحاب المصالح وتفرغ من محتواها؟ هل يمكن أن تناقش هذه الحركة كل المشاكل التي يعاني منها المواطنون، بعيدا عن طعنها في دينهم؟ هل يمكن لهذه الحركة ألا تقحم الدين في السياسة هي الأخرى؟ هل يمكن لهذه الحركة أن تقضي على كل البدع السياسية كما تريد القضاء على البدع الدينية؟ أسئلة كثيرة تبقى مطروحة على هذه الحركة في ظل الوضع السياسي الذي نعيشه، ونتمنى ن تكون إضافة في المشهد المغربي ولا تكون طائرا يغرد خارج السرب، فسماؤنا مليئة بالطيور المغردة خارج السرب ولا نريد مزيدا منها. [email protected]