باستثناء نقطتين مضيئتين في عتمة البرمجة الرمضانية لسنة 2013 على قنوات الإعلام "العمومي"، تنتصب الرداءة من جديد في وجه مواطنين مغاربة لا ذنب لهم سوى مصادفة توقيت الإفطار مع فترة بث تلكم الأشياء المسماة برامج رمضان. ويعمق من تلكم الحموضة التي تعفنت، ذلك الصمت المطبق للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أمام تجاوزات هذا الإعلام وما يتم من تقاذف للمسؤولية على المضمون بين شركات الإنتاج والقنوات العمومية في الوقت الذي يكاد صوت وزير الاتصال يبح من كثرة الترديد والتأكيد على استقلالية قنوات الإعلام العمومي. النقطة الأولى المضيئة تتعلق بما تم من عمليات فتح لطلبات العروض في وجه شركات الإنتاج بعد أن تعلن القنوات عن حاجاتها البرامجية، وهو التوجه الذي يؤكد كثيرون أنه يدشن لورش الحكامة ويرسي قواعد تكافئ الفرص ويعزز التنافسية بما سينعكس إيجابا على المضمون وجودة المنتوج على المدى المتوسط والبعيد، وذلك على الرغم من الاختلالات التي رافقت هذه العملية والتي تجاوز النزاع حولها البيانات والوقفات لتصل للقضاء، خاصة الملاحظات المثارة على مستوى تركيبة اللجنة وطريقة البث في الأظرفة وتوقيت وكيفية فتحها وأيضا بما حصل من عودة لنفس الوجوه التي تستحوذ على كعكة برامج رمضان مع بعض التململ في عدد البرامج للشركة الواحدة نموذجا. أما النقطة المضيئة الثانية فجسدتها بعض الإنتاجات الدرامية الكوميدية من قبيل سلسلات "لكوبل" و"راس لمحاين" و"بنات لالة منانة" من خلال مستوى مشاهدتها وكذا حجم الرضا النسبي الذي عبر عنه المواطنون في أكثر من مناسبة وفضاء اتجاهها، بالنظر إلى المجهود الواضح في الكتابة وكذا الإبداع في فكرة هذه البرامج، وهو ما يعاكس تماما التكرار والابتذال الفج الذي جسدته كل من سلسلة "دور بيها يا الشيباني" و"حاولوا على مستور" و"الدنيا هانيا" و"جار ومجرور" وغيرها كثير. بعد ذلك تبرز الملاحظة الثالثة السلبية المتعلقة بالبرامج الدينية حيث تواضعت كل من القناة الثانية "دوزيم" و"ميدي 1 تفي" والقناة الأولى، على خندقة البرامج الدينية خلال شهر رمضان الأبرك في الوقت الميت حيث تبث كلها في فترة الزوال وبعده أو الصباح أو بعد الفجر، فضلا عن عدم تجاوز هذه البرامج لبرنامجين في كل قناة مع أسئلة تطرح حول طبيعة بعضها أتدرج في برامج دينية أم لا خاصة على ميدي 1 تيفي. أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بما يتم من قصف بالإشهار للمشاهدين وقت الذروة ضدا على مقتضيات دفاتر التحملات الواضحة في هذا الباب ففي الوقت الذي تتحدث فيه المادة 49 من تلك الدفاتر عن أنه في التلفزيون يتوجب ألا تقل الفترة الفاصلة بين وصلة إشهارية وأخرى عن 20 دقيقة، وألا تتجاوز المدة الإجمالية للوصلات الإشهارية 14 دقيقة في الساعة خلال الأيام العادية و16 دقيقة خلال شهر رمضان، يسجل عدم احترام هذه المقتضيات.وقد سبق لأحد تقارير الهاكا السنة الماضية أن سجل عدم احترام القنوات العمومية وخاصة القناة الثانية للمدد القانونية للإشهار خلال شهر رمضان. خامسا يطرح بقوة سؤال من له الحق ومن يقرر في طبيعة البرامج التي ينبغي أن تمر في فترة ذروة المشاهدة مابين الساعة السابعة والتاسعة من كل يوم، فلماذا الدراما والكوميديا فقط طيلة هذه السنوات ولما لا برنامج ديني أو وثائقي أو صحتك في رمضان ولما لا المزاوجة بينهما خاصة إذا استحضرنا أدوار الإعلام الأساسية التي قطعا ليست هي الترفيه فقط وخاصة في فترة نجاح جل البرامج مضمون بالنظر لكون الفترة فترة تجمع العائلة، فمن يحدد برامج بعينها لهذا الوقت وأخرى في الوقت الميت؟ سادسا، تابع المغاربة ما تم من عنصرية وكلام فاحش وترويع للمواطنين ضمن حلقات البرنامج المسمى "الكاميرا الخلفية" خاصة "جار ومجرور" على القناة الثانية وخاصة الحلقات التي استضافت الممثل المصري أحمد بدير حيث تم تقديم قصيري القامة وبعض الأفارقة في وضع يثير السخرية ويحط من كرامتهم وهو ما لا تجيزه القوانين الجاري بها العمل خاصة المقتضيات المتعلقة بالإشهار بدفاتر التحملات. وأيضا حلقة الجثة التي فجع بها الممثل حسن مكيات وأيضا حلقة الأفعى التي أرهبت بها الممثلة كريمة وساط وغيرها كثير، من نماذج اقتحام الحياة الخاصة والحميمة للمواطنين. سابعا: يسجل تكرار العديد من الوجوه الفنية بأزيد من خمسة أعمال خلال هذا الشهر في الوقت الذي خرج فيه فنانون للتسول وآخرون يستنكرون العطالة والتهميش المقصود الذي يعانونه في مجال أكد أهله قبل غيرهم استناده لمنطق العلاقات والمحسوبية، وهو نفس التهميش الذي يعانيه 64 كوميديا من الشباب الذين تم اكتشافهم من طرف القناة الأولى من خلال برنامج "كوميديا" طيلة خمسة سنوات. ثامنا: يسجل باستغراب كبير حالة "التفرج" التي أصابت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الهيئة الوحيدة المخول لها الرقابة على ما يبثه الإعلام العام والخاص، فعلى الرغم من تسجيل العديد من المخالفات القانونية على مستوى الإعلام السمعي والبصري على وجه التخصيص، فإن هذه الهيئة فضلت التزام الصمت واتخاذ موقف المتفرج، على الرغم من الجدل الإعلامي والمدني والبرلماني الذي رافق تلك التجاوزات، فمنذ شهر ماي 2012 تاريخ التعيين الملكي باقتراح من رئيس الحكومة لكل من أمينة لمريني الوهابي رئيسة للمجلس الأعلى ل"الهاكا" وجمال الدين الناجي، مديرا عاما لها. لم تصدر الهيئة المذكورة أي تنبيه أو قرار زجري أو تأديبي في حق المؤسسات الإعلامية التي خرقت القانون. تاسعا: إن التجاوزات المسجلة تساءل كذلك لجن الأخلاقيات التي تم تشكيلها بكل من شركة صورياد "دوزيم" والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والموكول لها الاطلاع والبث في مضمون الاعمال والبرامج التي ستقدم على هذه القنوات وافتحاص مدى احترامها للعديد من القوانين والأدبيات والأخلاقيات، وكذا تتبع وتلقي شكاوى المواطنين والتفاعل معها، وهو ما لم يحدث إلى اليوم كما يطرح السؤال كذلك على جمعيات حقوق المشاهد وحماية المستهلك التي التجأت للاحتجاج والذهاب للقضاء في مناسبات معدودة، مما يدفع في اتجاه تقوية أدوارها وتوسيع مهامها بما يؤسس لمنطق جديد يقوم على الرقابة المدنية على الإعلام العمومي حيث يصبح المجتمع المدني فاعل أساسي في الرقابة على الإعلام وتتبع مدى احترامه للمقتضيات القانونية خاصة المنصوص عليها بدفاتر التحملات. عاشرا: يسجل كثيرون ما يطبع هذه الأعمال من ارتجال في التنفيذ وضعف في كتابة النصوص وتأخر في إعلان هذه البرامج وتقديمها للمشاهدين، بل إن عمليات تصوير بعض السلسلات تستمر حتى مع دخول شهر رمضان ومنها ما كتب في أسبوع وسجل في شهر وهي عوامل كلها تقدم وجبة برامجية وفنية رديئة للمواطن المغربي كل ما حل الشهر الفضيل رمضان. بكلمة، إن أس كل هذه الملاحظات وكذا انتقادات المواطنين والهيئات الفاعلة في المجال وكذا ما عبر عنه وزير الاتصال نفسه من عدم رضاه على عدد من تلك الأعمال، ليؤكد حقيقة مفادها أن المغاربة لم يتوفروا بعد على إعلام وبرامج تكون مرآة يرون فيها ألامهم وآمالهم في رمضان وفي غير رمضان، ولعل هذا أبرز العوامل المفسرة لاستمرار الهجرة المغاربة للإعلام الأجنبي بما يطرحه ذلك من تحديات ومخاطر على النشء المغربي على مكونات هويتنا وخصائصنا الثقافية.