لفت انتباهي مؤخرا خبر تداولته أحد أكبر المواقع الإلكترونية نقلا عن صحيفة واسعة الانتشار، مفاده إقدام 137 مسجدا تابعا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في مناطق الأطلس، على رفع العلم الأمازيغي. مشيرة إلى أنه تم تشكيل ًحركة الأئمة الأمازيغ" داخل المساجد تضم حوالي 254 إماما أمازيغيا، وأن أولئك الأئمة متشبعون بالفكر المتنور المنفتح للإسلام الأمازيغي المناهض للإسلام الوهابي. ولقد قام موقع آخر بتفنيد هذا الخبر واعتبار صوره مفبركة. وسواء صح هذا الخبر أم لم يصح، فيمكن القول أن المغرب يوجد حاليا وسط زوبعة أمازيغية مدمرة تحولت إلى قنبلة موقوتة ستنفجر في وجع الجميع إن لم يتم نزع فتيلها، وأن الاستفزازات المستمرة للتيار العرقي في تزايد مطرد، في ظل غياب كلي للسلطة برأسيها. وهذا الخبر يحيلنا إلى الملاحظات التالية: 1 نشر الخبر في أحد المواقع وتكذيبه في موقع آخر دليل على الحاجة الملحة لتقنين هذا القطاع واحترام المعايير المهنية والضوابط الأخلاقية. وإنه لمن المؤسف أن يلجأ بعض الإعلاميين إلى الإثارة والتحريض وعدم التحقق من المعلومة قبل وضعها بين يدي القارئ. فنشر خبر بمثل هذه الخطورة يتطلب وعيا ومسؤولية لما له من عواقب على المجتمع. لست أتحدث هنا من باب التشكيك في هذا الخبر. فاحتمالات صحته واردة جدا وعلينا أن نأخذها بمحمل الجد، لما عهدناه لأتباع التيار الأمازيغي، بعلمانييهم وإسلامييهم، من تصرفات خرقاء تصب جميعها في نهر التقسيم والعرقية. وأنا، وإن كنت غير متأكد منه لعدم توفري على أية معلومات إضافية، فإنني أميل إلى صحته لمعرفتي بقدرة الحركة الأمازيغية على استعمال كل الوسائل بما فيها العنف اللفظي والجسدي وتسييس الدين للوصول إلى أهدافها الدنيئة وخلق حالة من التشنج وعدم الاستقرار في المجتمع. 2 الغياب الكلي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المسؤولة عن المساجد. فنحن لم نسمع منها إدانة ولا استنكارا لرفع علم عرقي فوق المساجد ولا تحريات للتحقق من الخبر والضرب بيد من حديد، إن ثبت ذلك، على هؤلاء الأئمة الأمازيغ الذين أقحموا الدين في مطالب عرقية لا مبرر لها. فمنذ متى كان للمسجد جنسية أو عرق. فهو مكان لجميع المسلمين كيفما كانت ألسنتهم ولونهم وعرقهم، وتصرفات هؤلاء اعتداء شنيع على حرمة المساجد ودعوة صريحة إلى التقسيم والتفتيت. ونحن لن نستغرب، إذا بقيت الأمور على حالها، أن نلجأ إلى إظهار بطاقة هويتنا أمام المساجد وأن يتم رفضنا لأننا عرب وبحجة أن هذه الأماكن خالصة للأمازيغ دون غيرهم. إننا فعلا في قمة العبث والسخافة. يتحدث هذا البيان المثير للجدل عن إسلام أمازيغي يتعارض مع الإسلام الوهابي المطبق في المغرب، حسب زعمهم. ولنا أن نذكرهم أولا أن غالبية المغاربة على المذهب المالكي، وأن لا وجود لإسلام أمازيغي وآخر عربي وإفريقي وآسيوي وأوروبي، إلا في عقول من يريدون لهذه الأمة شرا. فهناك إسلام واحد يعتمد على القرآن والسنة صالح في كل زمان ومكان ولكل الأعراق والألسن. إنه قرآن بلسان عربي مبين يؤكد أفضلية وأولوية اللغة العربية عند كل المسلمين. 3 مرة أخرى نلاحظ غياب ردة فعل الحقوقي والمثقف اليساري. فوحدة المغرب والمغاربة وإدانة الاصطفاف العرقي لا تدخل البتة في قائمة أولوياته. وهو بات اليوم منشغلا بالتطبيل والتهليل لرأس الفتن والدفاع عن حقه في الإساءة وسب الإسلام والطعن باستمرار في رسالته ونبيه وثوابت مليار مسلم عبر العالم. وهو من حيث لا يدري، يضع يده في عصيدة حارقة سيكتوي بها قبل غيره. فاستفزازات التيار العرقي لا حدود لها، وهي لن تنتهي إلا بإعادة المغرب إلى عصر الكاهنة وماسينيسا والقضاء كليا على اللحمة الاجتماعية للمغاربة. سنذكر هؤلاء المثقفين الذين وصفوا صاحبهم بالمفكر العبقري الحداثي المتنور، وهو لا يتعدى مستواه شهادة الإجازة في الفلسفة، أن حرية الرأي والإبداع تحكمهما ضوابط أخلاقية وأنها تقف عند حدود ثوابت الأمة، وإلا تحولت إلى فوضى خلاقة وحرب مدمرة. وحرية الرأي لا تعني بتاتا حرية القذف والسب . وكل المجتمعات المتحضرة تسن قوانين لحماية ثوابتها والتصدي بحزم لكل من يريد أن يعبث بها. ولنا فقط أن نرى كيف تدافع فرنسا عن علمانيتها بشكل مدهش وترفض أي مساس بها. ولقد وصل بها تطرفها العلماني إلى منع النقاب في الشارع، في قانون عبثي يضرب في الصميم الحريات الشخصية التي تتغنى بها فرنسا وتحاول تصديرها إلى العالمين العربي والإسلامي.. 4 إنه من اللافت اليوم تنامي ظاهرة رفع العلم الأمازيغي العرقي في كل المناسبات الثقافية والرياضية والسياسية، في تحد سافر للدولة ولعلمها الوطني ولمشاعر المغاربة الذين يعتبرون علمهم رمزا لوحدتهم. إن وضعية المغرب، بكثرة أعلامه، يذكرنا بأيام ملوك الطوائف في الأندلس. وكلنا يعرف مصيرها المشؤوم. فهذا علم للريف و0خر لجمهورية سوس وذاك للصحراء. ويأتينا آخر لجماعة 20 فبراير وآخر للسلفيين دون أن يقض ذلك مضجع السلطة وكأنها تتلذذ في النظر إلى كثرة هذه الأعلام المقززة التي يحمر منها علمنا الوطني خجلا. إن رفع العلم الأمازيغي ظاهرة مخيفة وخطيرة لدلالاتها ورمزيتها. فالحاملون له يكرهون ولا يعترفون بالعلم المغربي ولا بالدولة الممثلة له. وهو ما يعني حربا ضد هيبة الدولة ورموزها وطعنا في شرعيتها. وإنه لمن المؤسف أن هذه الأعلام العرقية لا تحرك شعرة واحدة من رأس حاكم هذه البلاد ولا ذرة كرامة من كيانه. فإين نحن من الرئيس الفرنسي الأسبق شيراك الذي انتفض غاضبا في إحدى مقابلات الكرة، وهو يسمع جزء من الجمهور يصفر النشيد الفرنسي. وهذه الحادثة أدت مباشرة إلى سن قانون يجرم كل من يهين العلم والنشيد الوطنيين. أم أن تقليد فرنسا لا يكون إلا في الانحلال الأخلاقي والمجون، ولا يتعداه إلى مسؤولية الحاكم في الدفاع عن رموز الدولة وثوابت الأمة وكرامة الشعب. إن من يحملون العلم الأمازيغي بعيدون كليا عن الوطنية. وهم ليسوا إلا مجموعة من الخونة المتآمرين على وحدة المغرب، وجب تقديمهم إلى العدالة والقصاص منهم. وهم يعملون تبعا لأجندات استعمارية معروفة هدفها التمزيق والتجزيء. وسنظل نأكد على أن من يرفض علمنا الأحمر والأخضر فهو لا يستحق أن ينتمي لهذا الوطن. 5 تثبت واقعة رفع العلم العرقي فوق المساجد دخول إسلاميين أمازيغ على خط الفتنة والعرقية بعد أن تحالفوا مع متطرفين علمانيين لضرب عروبة المغرب وإخراجه من محيطه العربي، والدعوة إلى إسلام أمازيغي خالص يقطع كل صلة له بالعرب، ثقافة ووجدانا. وهو ما لاحظناه في تدخل وزير الخارجية الإسلامي لحذف مصطلح المغرب العربي، لدى نظرائه المغاربيين. وليس من الغريب اليوم أن نسمع إسلاميين أمازيغ ومحجبات أمازيغيات يعتزون بكسيلة وبالكاهنة وبكل من يعادي العرب ويحقد عليهم، ويطعنون في اللغة العربية ومقدراتها ويتباهون بعلمهم الأمازيغي الطائفي الذي تمت صياغته وخياطته في الأكاديمة البربرية بباريس لحاجة في نفس الاستعمار قضاها. ومداخلة وزير التعليم العالي الأمازيغي الأصل الحاقدة على العربية، ما زالت في أذهاننا وسنظل نذكره بها حتى يعترف بجريمته. وها هم اليوم، إسلاميون وعلمانيون، يطالبون بالعودة إلى الأعراف الأمازيغية القديمة والمعتقدات الوثنية التي حاربها الإسلام كإحدى رموز الجاهلية مثلما حارب عبادة الأصنام عند العرب. إننا نطالب الدولة بوضع حد لاستفزازات وتصرفات الحركة الأمازيغية بكل تلويناتها الإسلامية والعلمانية. كما نطالبها بسن قانون يمنع ويجرم كل من يحمل العلم الأمازيغي ويهين العلم المغربي كرمز لوحدة المغاربة. ندعو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى الضرب بيد من حديد على كل هؤلاء الأئمة الأمازيغ الذين سقطوا في أتون العرقية وقاموا بوضع هذا العلم الهجين فوق المساجد في تصرف همجي حقير ونسوا دورهم الحقيقي في نشر الإسلام والدفاع عنه. إننا نوجه نداء إلى كل الغيورين على هذا الوطن وكل الضمائر الحية للخروج في مظاهرة مليونية في قلب مدينة الدارالبيضاء تنديدا بالحركة الأمازيغية وباستفزازاتها وعنصريتها وفكرها الإقصائي ضد العرب. سنظل نذكرها أن كل هذه المحاولات لتمزيغ المغرب حجرا وشجرا وإنسانا وثقافة، وضرب تعدديته الثقافية واللسنية، وإخراجه من محيطه العربي الذي ينتمي إليه بطريقة وجدانية وحضارية، مآلها الفشل الذريع. ولن ينفع معها الصراخ والعويل في مظاهرات تاودا ولا النهيق في كل المنابر الإعلامية والسطو المنظم على العديد من المواقع الإلكترونية لنشر الخربشات ونفث السموم والأحقاد. فالمغاربة ملوا طلعته البهية عليهم كل صباح بتعاويذ أكل عليها الدهر وشرب. فشريحة عريضة من المغاربة لا تزيدها هذه التصرفات الخرقاء إلا اعتزازا بانتمائها العربي ولن تقبل يوما عنه بديلا. سنظل نحذر من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. فالتجارب الدولية تثبت أن العنف الهوياتي واللفظي وخلق جو مشحون بالكراهية بين فئات المجتمع، يتحول إلى عنف جسدي وصراعات لا نهاية لها.