تناقلت وسائل الإعلام الوطنية والعربية مؤخرا خبر تعرض الشيخ الكتاني لتهديدات بالقتل من قبل متطرفي الحركة الأمازيغية. ولنا أن نعترف أن هذا الخبر لم يشكل مفاجأة بالنسبة لنا. فبالأمس القريب سمعنا بتقطيع أوصال طالب يساري من قبل مجموعة تنتمي لهذا التيار المعروف في الجامعات بتبنيه للعنف وتأسيسه لميليشيات مسلحة تعتمد على الاستفزاز والضغط النفسي. كما لم يكن مفاجئا صمت وزارة الداخلية التي يديرها زعيم أكبر حزب طائفي مخزني في المغرب أسس بهدف الاستقطاب العرقي ومقاومة المد القومي العربي. إن هذه الأحداث المأساوية ليست في الواقع إلا حلقة من مسلسل عنف هوياتي متطرف غير مسبوق جعل من عدائه للغة العربية خبزه اليومي ومن إلغائه للمكون العربي وثقافته في المغرب ماء يروي عطش ضعاف النفوس والمرضى. وهو مستعد اليوم إلى المزيد من الاستفزازات والإرهاب الفكري لكل من قرر التصدي له بحزم وشجاعة. إنها النتيجة الحتمية لخطاب إقصائي ولانهيار السلطة وعجزها الكامل إلى حد التماهي مع حركة أمازيغية تعدت كل الخطوط الحمراء، ستحرق آجلا أم عاجلا الأخضر واليابس. وهي لن تتوقف عن عدوانيتها إلا عندما سيتحول المغرب إلى ممالك متناحرة يسودها التمزق والتشرذم. ولقد بتنا اليوم نحنّ إلى أيام الحسن الثاني بحنكته وحكمته ودهائه السياسي، حيث كانت هيبة الدولة وحرصها على وحدة المغرب ورفضها المطلق للأعلام والمطالب العرقية. إننا نعيش اليوم مرحلة مفصلية في تاريخ المغرب بين أن نكون ونستمر كوطن موحد لجميع أبنائه بلغة واحدة جامعة وبعلم أخضر وأحمر، أو لا نكون. حينها سنفسح المجال للأعلام الصفراء وستطل علينا جمهورية للريف وأخرى لسوس وربما غدا واحدة لجبالة ودكالة وهكذا دواليك. من المسؤول عن هذا الانجراف الهوياتي؟ من حقنا أن نتساءل ونطرح هذا السؤال لفهم ما يجري ومعرفة أسباب هذه الكارثة التي حلت ضيفا ثقيلا علينا دون استئذان. إن هذه اللحظات الحاسمة تتطلب منا جميعا وقفة جريئة مع الذات نحدد من خلالها كل المسؤولين عن هذا الانزلاق الهوياتي الخطير وهذا الإعصار الأمازيغي الذي ينبئ بأنهار من الدماء. فالأمازيغية اليوم أصبحت قنبلة موقوتة ستنفجر في يد الجميع بدء بمن عمدوا على دسترتها وإدخالها إلى قبة البرلمان وفرضها على تلاميذ المدارس. سنقولها بكل حسرة وأسى. إن المسؤولية الأولى تلقى على عاتق من خططوا وهندسوا وطبلوا وهللوا لخطاب أجدير الكارثي بامتياز. فهذا الخطاب كان الانطلاقة الفعلية والشرارة الأولى في عملية تحويل المغرب إلى مجتمع عرقي طائفي يعوض فيه الولاء للعرق وللقبيلة الانتماء لوطن ظل عبر كل مراحله متجانسا معتزا بكل مكوناته العربية والأمازيغية والأندلسية والحسانية والإفريقية تحت سقف حضارة عربية إسلامية بلسان عربي مبين وبعلم واحد. فهذا الخطاب وما تلاه من قرارات إدارية عبثية جعلت من الأمازيغية مكونا فوق العادة وأعطتها أكثر من حجمها الحقيقي في المجتمع ووضعتها على رأس كل الأولويات لإخفاء عجز أصحاب القرار السياسي عن إيجاد حلول ناجعة لمشاكل البطالة والسكن والفساد والتعليم والصحة. وهو ما كرسه الدستور الجديد الذي ارتكب خطأ جسيما عندما لم يتحدث إلا عن الأمازيغية كإرث مشترك لكل المغاربة وهمش بطريقة فجة باقي المكونات التي أغنت على الدوام الثقافة المغربية بلغتها وإبداعاتها في شتى المجالات، وتناسى أن يركز على أهمية العربية كلغة جامعة لكل المغاربة تحتم على الجميع احترامها وعدم الطعن فيها. إن مسؤولية الإخفاق في تدبير ملف الأمازيغية تتقاسمها السلطة برأسيها مع باقي المشهد الحزبي والمثقفين والمجتمع المدني. وإنه لمن الغريب أن تجعل الدولة من متطرفي الأمازيغية مخاطبها الرسمي في تسيير هذا الملف والمتحدث الوحيد باسم أمازيغ المغرب. ففتحت لهم معاهد حكومية لتسييرها حسب منطقهم المتحجر، وبرامج خاصة في قنوات تلفزية ومنحتهم وزارة الثقافة مسؤولية تدبير طاولات مستديرة لتقرير مصير كل المغاربة. وفي الوقت ذاته تم تهميش كل الفعاليات والشخصيات الأمازيغية المنفتحة التي ترى الأمازيغية من منظار ثقافي محض وواقعي يأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع ويعترف بكل مكوناته ويتعايش معها بعيدا عن كل إيديولوجية ضيقة مبنية على إقصاء الآخر وإلغاء هويته وإسهاماته. أما الأحزاب فلقد أصبحت عبارة عن أشباح لا تقدم أي جديد للمغاربة ولا تحمل أي مشروع حداثي يخرجنا من عنق الزجاجة. فالأحزاب الرئيسية سيطر عليها الشعوبيون الذين يدغدغون العواطف ويستعملون اللغة السوقية أثناء مهامهم عوض اللغة العربية الأنيقة الراقية التي تليق بمناصبهم كموظفين كبار ونواب للأمة ومتحدثين باسمها. فحزب الإسلاميين الذي وعدنا في الماضي بفتح نقاش جدي حول تيفناغ ولغة المختبر وإعطاء الأهمية لتطوير اللغة العربية وتنميتها تخلى اليوم عن كل وعوده، بعد أن تخلى عن محاربة الفساد والفاسدين، وبات نفسه يكتب بتيفناغ ويدافع عنها ويطعن في قدرة اللغة العربية على إنتاج العلوم في سقطة من وزير فرانكفوني جاهل لا علاقة له بالتعليم العالي ولا بالبحث العلمي. أما باقي أحزاب السلطة والمعارضة فهي منشغلة بملاسناتها العقيمة وبمزايداتها حول الأمازيغية لمعرفة أيها سيتقرب ويتزلف أكثر لحركة أمازيغية متخلفة في فكرها وفي تصورها للمجتمع. ولقد فشلت جميعها في تدبير الشأن العام حتى انفض الناس من حولها وهجروا صناديق الاقتراع. أما المثقف فأصبح اليوم منكمشا حول ذاته عاجزا عن تحمل مسؤولياته ولعب دور بوصلة يهتدي بها الباحثون عن الحقيقة والمستعدون لسماع شيء جديد يقطع مع الخطاب الرسمي المنمق للسلطة وأدواتها. وهكذا اختفت الأقلام الجريئة وعوضتها أصوات تمارس النفاق والحربائية والعهر السياسي وتسبح مع تيار مخزني يكرس الجهل والأمية في المجتمع، وأخرى تريد العودة بنا إلى أيام الكاهنة وماسينيسا. وأصبح المثقف اليوم مرتعشا من إرهاب التيار العرقي، يخاف أن يستعمل مصطلح ًالمغرب العربيً و ًالربيع العربيً وأن يدافع عن عروبة المغرب. حتى أن أحدهم اخترع لنا مصطلحا غريبا أطلق عليه اسم ًالعالم العربي الأمازيغيً إرضاء لنزوات دعاة الفتنة، ناسيا أن يضيف إليه الكردي والبابلي والآشوري والفينيقي والإسلامي والمسيحي وووو لنزيد من تقسيم المقسم وتجزيء المجزئ. أما الإعلام فلقد فقد مصداقيته منذ أن أصبح بوقا دعائيا لحركة أمازيغية تمارس التحريض على العنف وإثارة النعرات العرقية وبث جو مشحون بالكراهية والحقد وإلغاء الآخر. فما أن نفتح صفحات بعض المواقع المغرضة حتى يطل علينا رواد هذه الحركة المشبوهة بمقالين يوميا وكأن لا عمل لهم غير كتابة المقالات . وباسم حرية التعبير، تسمح هذه المواقع لنفسها بنشرها مع تعليقات أتباعهم المليئة بالبغضاء لكل ما له علاقة بالعرب، دون أي وازع أخلاقي أو احترام لضوابط المهنة. الأخطاء القاتلة للحركة الأمازيغية غالبا ما يشتكي رواد الحركة الأمازيغية من لامبالاة الشارع المغربي لمطالبهم واحتقاره وعدم اقتناعه بجدوى رسوم تيفناغ وبالأمازيغية المعيارية باعتبارها لغة اصطناعية متخلفة تم اختراعها داخل المختبر بطريقة إيديولوجية من أجل التضييق على اللغة العربية والدخول في منافسة معها. وهم يرجعون ذلك إلى تعريب المجتمع دون التفكير ولو للحظة في عملية نقد بناء ومراجعة فكرية لفهم أسباب ابتعاد المغاربة عنهم. فمظاهرات تاودا التي تدعو إليها مئات الجمعيات الأمازيغية المتناسلة كالفطر لا تستقطب إلا بعض النشطاء الناهقين خلف أعلامهم العرقية. ولمحاولة فك هذه العزلة، لجأ بعضهم إلى الدعوة لتحالف بين المؤسسة الملكية والحركة الأمازيغية لتمزيغ المغرب وإخراجه من محيطه العربي. بينما طالب آخرون الإسلاميين بالتنصل من كل علاقة مع العرب والعروبة والعمل على دعم إسلام أمازيغي خاص مختلف عن إسلام العرب. وهي كلها محاولات يائسة لا تزيد المغاربة إلا كراهية لهذه الحركة التخريبية الشوفينية. لقد ارتكبت الحركة الأمازيغية أخطاء قاتلة جعلت منها مجموعة منبوذة من المغاربة الذين يعتبرونها متطرفة ومتعصبة لعرق خالص بفكر إقصائي عنصري. ولنا أن نرصد أهم هذه الأخطاء لعلها توقظ من ما زال يغط في سباته ويتعامل مع هذه الحركة متناسيا خطرها على وحدة المغرب والمغاربة : 1 نظرية الأرض: إن الدارس لأدبيات هذه الحركة يلاحظ أن هذه النظرية تشكل حجر الزاوية في فكرها ومشروعها لكل بلدان المغرب العربي. فهذه النظرية تعتبر هذه الأرض أمازيغية وبالتالي فكل ما فيها من إنسان وهوية وثقافة ولغة وفنون وحجر وشجر ووو فهو أمازيغي. حتى أن أحدهم ذهب إلى القول يوما أن الله وهب كل شمال إفريقيا إلى الأمازيغ. وهي نظرية إقصائية عنصرية تلغي التعدد الثقافي في المغرب كما تلغي مكوناته العربية والأندلسية والحسانية والإفريقية التي قدمت الشيء الكثير في كل المجالات وساهمت في إثراء الثقافة المغربية التي هي جزء من ثقافة عربية جامعة. وهو ما يتناقض مع ما يدعيه رواد هذه الحركة من إيمان بالتعددية والانفتاح والتسامح. وعندما تسمعهم يتحدثون عن الثقافة المغربية فهم لا يذكرون منها إلا المكون الأمازيغي المسلم واليهودي بعمق إفريقي متجاهلين باقي المكونات. وهذه النظرية الغريبة لا يقبلها عقل ولا منطق. فالإنسان لا يجرد من هويته وثقافته بمجرد هجرته من مكان إلى آخر وإلا لاعتبرنا كل الأمازيغ الذين يعيشون في هولندا أو ألمانيا هولنديين أو ألمان لا علاقة لهم بالأمازيغية. والمغاربة من أصول عربية أو أندلسية أو إفريقية لن يتحولوا بأمر من هذه الحركة العنصرية إلى أمازيغ. وهم سيظلون معتزين بأصولهم وبانتمائهم إلى المغرب. وهم ليسوا ضيوفا عند أحد، ولا أحد من حقه أن يزايد على وطنيتهم. فهم قاوموا الاستعمار وضحوا في سبيل رفعة هذا الوطن وتقدمه. ولو قسنا هذه النظرية على كل شعوب الأرض لكان كل الأمريكيين هنودا حمرا ولكان كل المصريين فراعنة وكل العراقيين آشوريين وبابليين وكل اللبنانيين فينيقيين، وهم المعروف عنهم اعتزازهم وافتخارهم بعروبتهم. وهوية الأرض تحددها وتقررها هوية الإنسان الذي يعيش فيها ويغير معالمها ويضيف إليها من إبداعاته وإسهاماته. فالمغرب كان إفريقيا ثم أمازيغيا وونداليا ورومانيا. وهو الآن بلد عربي ينتمي إلى محيطه العربي الإسلامي. وضجيج وعويل الناهقين لن يغير شيئا. والمغاربة يعتزون بانتمائهم إلى حضارة عربية إسلامية ساهموا في بناء صرحها إلى جانب أشقائهم العرب والمسلمين. كما أن الهوية لا يحددها قرار أميري عبثي ولا دستور وإنما تحددها كينونة الإنسان وقناعاته وثقافته. 2 الحرب على اللغة العربية والحط من قدرها: يعتقد دعاة التمزيغ واهمين أن لغة المختبر ورسومها البائدة لا يمكن أن تنمو وتزدهر إلا بالانتقاص من اللغة العربية ومحاربتها واعتبارها دخيلة على المغرب ومتخلفة عاجزة عن مواكبة الركب الحضاري والمعرفي. والواقع أن هذه اللغة متجذرة في وجدان المغاربة كلغة علم وحضارة وكلغة للقرآن. وهم لن يسمحوا لشرذمة من المضللين بالحط منها واحتقارها. وهي لغة اعترف الأعداء قبل الأصدقاء بعظمتها وجماليتها وقدرتها الهائلة على التأقلم مع العلوم الدقيقة واختراع مصطلحات جديدة. وعدم استعمالها اليوم بشكل حصري في كل مجالات الحياة راجع فقط لانعدام الجرأة السياسية عند أصحاب القرار والمتحالفين معهم من الفرنكفونيين أذناب الاستعمار وعملاؤه. ولقد حاولت فرنسا الاستعمارية بوسائلها الجبارة، ماضيا وحاضرا، القضاء عليها عبر منعها وإقحام المغرب في المنظمة الفرنكفونية الاستعمارية لإبقائه تحت سيطرتها الاقتصادية والسياسية وتكريس تبعيته الثقافية، إلا أنها لم تفلح. وظلت صامدة تقاوم رغم كل الدسائس والمحن بفضل جهود الغيورين والمدافعين عنها كرمز للهوية العربية الإسلامية. ولقد ساهم أحبتي الأمازيغ الشرفاء في هذه الجهود واستعملوا الحروف العربية لكتابة لهجاتهم. فمن منا سينسى ابن أجروم والطيب غزال الذي كان من المدافعين الأشاوس عن تعريب التعليم الجامعي. فقام بعمل دؤوب لترجمة المصطلحات العلمية، تركتها الدولة العميلة لفرنسا حبيسة رفوف المكتبات وفضلت عليها لغة موليير لتسيير إداراتها واقتصادها. فأصابتنا اللعنة التي ما زالت تطاردنا إلى اليوم وأصبحنا شعبا معاقا لغويا نتحدث عامية هجينة بلسان ملوث. ولنا فقط أن نذكر المشككين في عدم تأهيل اللغة العربية للعلوم، بالتجربة الرائدة في العزيزة سوريا. فهذا البلد عرّب الطب وكل العلوم منذ عقود في جامعاته. والطبيب السوري ليس أقل كفاءة من أخيه المغربي الذي ما زال يدرس إلى اليوم بلغة المستعمر. كما أن علماء الذرة العراقيين في عهد الرئيس الشهيد صدام حسين ألفوا كتبهم باللغة العربية، فرفضت إدارة جورج بوش ترجمتها إلى الأنجليزية وقررت تدمير هذا البلد العربي العريق وإعادته إلى العصور الوسطى. أما ادعاء الحاقدين بموت العربية لأن لا أحد يتحدثها في الشارع، فنحن سنرد عليهم أن هذا راجع إلى هذه الأمية المتفشية التي جعلت المغرب يحتل مراكز متدنية في التعليم ونشر المعرفة في المجتمع. ويكفي أن نقارن بين خطاب إنسان مثقف وآخر أمي لنكتشف أن الأول يتحدث عامية تغلب عليها المفردات الفصيحة. وهو بكل تأكيد لن يستعملها في الشارع لجهل الأمي بها. ولدعاة التمزيغ نطرح سؤالا واحدا. هل هذه الأمازيغية المعيار، التي ليست في الواقع إلا سوسية منقحة أخرجت منها المصطلحات العربية، يتحدثها الأمازيغي في الشارع ويفهمها الريفي والأطلسي والسوسي والفيكيكي. الجواب واضح وضوح الشمس ولا يحتاج إلى تحليل. فحتى باللهجات، فالريفي لا يفهم السوسي ولا الأطلسي والتواصل بينهم منعدم وهو لا يتم إلا بالعامية العربية المغربية في وقت يتواصل فيه كل العرب من المحيط إلى الخليج بلهجاتهم دون الحاجة إلى استعمال لغة أجنبية. والمغاربة المقيمون في المشرق والخليج لا يجدون أدنى صعوبة في التواصل مع ساكنة البلد المضيف. رحم الله الحسن الثاني، رغم الكثير من أخطائه، الذي اعتبر دائما أن في المغرب لغة واحدة جامعة هي اللغة العربية ولهجات عربية وأمازيغية تساهم في إغناء الثقافة المغربية. 3 الطعن المستمر في الحروف العربية: دأب دعاة التمزيغ، في إطار حملة مسعورة لتبخيس كل ما هو عربي، على اعتبار العربية لغة آرامية والتأكيد على أن العرب لم يخترعوا شيئا جديدا. ويكفي أن نتفحص المواقع على الشابكة وويكيبيديا تحديدا لنرى الفرق الشاسع بين الحرفين وعددها. والآرامية أقرب إلى العبرية في شكلها. ونحن لن نخوض في تفاصيل المقارنة بينهما وندعها للمختصين. وقد قام الأخ الفاضل الأستاذ عبد الجليل الكور مشكورا بمجهود رائع في هذا الشأن لإسكات هذه الأصوات النشاز، عبر مقال نشر في عدة مواقع. ونحن نحييه ونشد على يديه كأحد الأصوات المتألقة والجريئة في مجابهة التيار الأمازيغي بالحجة والدليل. 4 محاولات تمزيغ العامية المغربية: أكثر علينا أحدهم بمقالات بعيدة كل البعد عن التحليل اللساني الأكاديمي، يغلب عليها الطابع الأيديولوجي المتطرف، يحاول دون حياء إقناعنا أن العامية المغربية أمازيغية في تركيبتها ومصطلحاتها حتى ولو كانت معظم مفرداتها مشتقة من العربية الفصيحة. وهو ينطلق كعادته من نظرية الأرض التي تعتبر كل شيء في شمال إفريقيا أمازيغيا. إلا أنه نسي أن يشرح لنا لِم لا يفهمها الكثير من الأمازيغ في الجبال والقرى النائية ولِم يحتج نشطاء الأمازيغية على استعمالها في المحاكم كعامية لا يفهمها الأمازيغ. كما نريد أن نفهم لِم اخترع الأمازيغ العامية للتواصل مع العرب. أسئلة بقيت بدون جواب في طرح يثبت بالملموس الإفلاس الفكري للتيار الأمازيغي الغارق في الأحقاد والضغينة. أقول لمن يزعم بأمازيغية العامية المغربية أنني مستعد للتخلي له عنها لهجانتها وتلوثها. فهي تصيبني بآلام حادة في الدماغ لأنها عبارة عن عجين لغوي يمزج بين العربية المكسرة والفرنسية المهدمة وبعض الألفاظ الأمازيغية. ولقد هجرتها منذ مدة عندما عرّبت لساني بالكامل وأبيت إلا أن أتحدث بالعربية الفصيحة مع أبنائي وأحارب العامية ومزج اللغات في بيتي. وكم أشعر بالنشوة والاعتزاز بالانتماء إلى أمة عربية عظيمة عندما أتواصل بها مع الإخوة العرب الذين أتعامل معهم باستمرار. 5 الطعن في عروبة المغرب: لقد جعل التيار الأمازيغي من حربه على العروبة خبزه اليومي. فهو يعارض نشر اللغة العربية والاهتمام بها ودعوة الغيورين عليها لتعريب الإدارة والتعليم الجامعي بكل شعبه. وهو في ذلك يقوم عن قصد أو من حيث لا يدري بتكريس هيمنة لغة المستعمر. وكلنا يعلم اليوم التحالف القائم بين التيارين الأمازيغي والفرنكفوني لمحاربة العربية ودعواته الممنهجة للاعتماد على عاميتنا الهجينة عوض العربية الفصيحة. وهو يعلم مسبقا أن الأمازيغية المعيار تحمل في داخلها بذور التخلف وجذور فنائها، وكل ما كتب بها لا يتعدى مقررات تلاميذ الابتدائي. وفوق ذلك فهي ما زالت إلى الآن، بعد سنوات من إضاعة للمال العام والجهد، في طور التقعيد. إن العروبة وطن وانتماء حضاري يتعدى بكثير العنصر العربي. ومن يحاولون اليوم وصمه بالعرقية فهم يمارسون الكذب والتضليل. فالعروبة تحارب العرقية والطائفية والقبلية وتدعو إلى وحدة كل المكونات الثقافية تحت سقف الحضارة العربية الإسلامية بلسان عربي جامع. والمغاربة ظلوا على الدوام مؤمنين بهذه العروبة ومدافعين عنها. ولعل المظاهرات المليونية التي خرجت في الرباط نصرة لفلسطين والعراق ودعما للرئيس الشهيد صدام حسين وتحية لنضاله في وجه آلة الدمار الأمريكية، شاهدة على ذلك. بينما مظاهرات تاودا لا يشارك فيها إلا بضع مئات من الناهقين في قلب مدينة الدارالبيضاء. 6 الاعتماد على الأساطير والخرافات: لقد تعب المغاربة من أساطير الحركة الأمازيغية التي يرون فيها مجموعة من المتطرفين تريد إعادتهم إلى العصر الحجري واستعمال رسوم غريبة لم يشهد لها العالم بأي إنجاز. وهم مستعدون للكذب والمغالطات لإيهام المغاربة بوجود حضارة أمازيغية قائمة بذاتها عكس ما تقوله كتب التاريخ. ولقد ذهبت بهم الوقاحة إلى السطو على السنة الفلاحية التي يُحتفل بها في كل البوادي واعتبارها سنة أمازيغية تم التهليل والتطبيل لها. 7 محاربة الإسلام: تعوّد رواد الحركة الأمازيغية على الخلط بين العلمانية ومحاربة الأديان. فالعلمانية، كما أسس لها منظروها، ولدت في أوروبا بعد هيمنة الكنيسة على الحياة العامة وكان هدفها فصل السلطات والقضاء على احتكار رجال الدين وليس الدخول معهم في صراعات دنكشوتية لا فائدة منها. إلا أن الحركة الأمازيغية لها تصورها الخاص لمفهوم العلمانية مبني على التشنج والاستفزاز والتعرض لثوابت الأمة دون الأخذ بعين الاعتبار أن الإسلام يعتبر نقطة محورية ثابتة في الهوية المغربية. وهي بذلك تحفر قبرها بنفسها وتنفصل حتى عن الأمازيغ أنفسهم الذين يرفضون في غالبيتهم أي مساس بهذه المقومات. 8 التعرض لرموز الحركة الوطنية: يعود هذا الحقد بالأساس إلى دفاع الحركة الوطنية عن عروبة المغرب وتعريب المجتمع من أجل استقلال حقيقي للمغرب عن فرنسا. وهو ما لم تستسغه الحركة الأمازيغية الحالمة بتمزيغ المجتمع وإعادته إلى عصر الكاهنة وماسينيسا. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا. فتوالت الافتراء ات والأكاذيب للطعن في أعضاء المقاومة ونضالهم من أجل تحرير المغرب. 9 الدفاع عن عرق أمازيغي خالص: إن المتتبع لكتابات نشطاء الأمازيغية يلاحظ تركيزهم على وجود عرق أمازيغي خالص في كل شمال إفريقيا وكأن هذه المنطقة لم تعرف هجرات متتالية وإمبراطوريات متعاقبة، ليبقى الحديث عن عرق أمازيغي محض افتراء لا يقبله عقل سليم. وغالبا ما نسمع رواد هذه الحركة وأتباعهم يطالبون كل من يعتبر نفسه عربيا في المغرب إلى فحص حمضه النووي للتأكد من ذلك. وهي أفكار عنصرية خطيرة لا يجب التهاون معها. وهي تحيلنا مباشرة إلى النازية والجرائم التي اقترفتها باسم حماية العرق الآري والكوارث التي جرتها على أوروبا. وفي وقت تعمد فيه الدول المتحضرة إلى الدفاع عن التعددية ، نجد دعاة الفتنة ينادون بالصفاء العرقي وهو ما سيجر المغرب آجلا أم عاجلا إلى حرب أهلية شبيهة بتلك التي وقعت بين الهوتو والتوتسي. 10 تبخيس كل ما هو عربي: إنها سياسة ممنهجة ترمي إلى إلغاء المكون العربي وتحقيره والتغاضي عن كل ما قدمه للمجتمع. وهو ما نقرأه يوميا على صفحات المواقع الإلكترونية التي لا تجد حرجا في نشر الشتائم والسباب للعرب ووصفهم بأقدح الألفاظ. فكل شيء اليوم أصبح أمازيغيا ولا دخل للعرب به. حتى أنني سمعت يوما أحدهم يقول إن الأرقام العربية التي تعدت شهرتها الوطن العربي وأصبحت متداولة عالميا، ما هي في الواقع إلا أرقام أمازيغية سرقها العرب منهم.فهل بعد كل هذه الأخطاء القاتلة للحركة الأمازيغية ما زال من يشكك في خطرها على المجتمع؟ خلاصة القول، إننا أمام تحد كبير يستلزم زعيما حقيقيا على شاكلة الحسن الثاني يتعامل بحزم وجرأة مع التيار الأمازيغي لإعادة الأمور إلى نصابها والضرب بيد من حديد على كل من يجرون هذا الوطن إلى فتنة لا قبل له بها ستعصف قريبا بوحدته. كما أننا بحاجة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى قطب قومي عربي قوي وفعال يتحالف مع كل القوى الوطنية التي ترفض إملاء ات الحركة الأمازيغية ويركز على العروبة والإسلام كثابتين غير قابلين لأي نقاش في إطار مجتمع تعددي يعترف بكل مكوناته الثقافية تحت سقف الحضارة العربية الإسلامية وبلغة عربية جامعة لكل المغاربة. إننا نطالب بإعادة ملف الأمازيغية إلى نقطة الصفر وفتح نقاش جدي حقيقي حول جدوى تيفناغ والأمازيغية المعيار في القرن الواحد والعشرين وعرضه لاستفتاء شعبي حقيقي لا تتدخل فيه السلطة ولا أعوانها. أتمنى أن تنقشع هذه الضبابة التي ما زالت تغطي أعين أصحاب القرار ليكتشفوا خطورة الحركة الأمازيغية الظلامية التي تقودنا بفكرها المتعفن نحو المجهول. ألا قد بلغت وإن غدا لناظره قريب