اتخذت النيابة العامة لدى المحكمة الوطنية، وهي أعلى هيئة قضائية جنائية بإسبانيا، أولى الخطوات الإجرائية في اتجاه محاكمة مسؤولين كبار مغاربة بتهمة "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية"، إثر تدخل قوات الأمن المغربية لتفكيك مخيم الاحتجاج الصحراوي قرب مدينة العيون، وأحداث العنف التي تلت تلك العملية في الثامن من نوفمبر الجاري. وحسب وثيقة للنيابة العامة، حصلت جريدة إلباييس المقربة من الحكومة الاشتراكية على نسخة منها أمس الجمعة، فقد شددت النيابة على العلاقات التاريخية والثقافية التي واللغوية التي تجمع إسبانيا مع مستعمرتها السابقة لتبرير ضرورة فتح تحقيق للقضاء الإسباني في هذه الأحداث التي أدت إلى مقتل مواطنين من أصل صحراوي، واحد يحمل الجنسية الإسبانية، و11 من أفراد قوات الأمن المغربية. وقالت النيابة العامة لدى المحكمة الوطنية إن "الروابط مع الجالية الصحراوية (بالمغرب) بديهية ولا يجب فقط التأكيد على كون الصحراء الغربية كانت في الماضي مستعمرة (إسبانية) مما أدى إلى خلق روابط لغوية وثقافية وغيرها تم أخدها بعين الاعتبار في التشريع الإسباني" مثل قانون منح الجنسية الإسبانية "الذي يعطي وضعا تفضيليا للصحراويين". وأكدت النيابة العامة على أن "إسبانيا هي القوة المديرة للصحراء الغربية" وليس المغرب في نظر الأممالمتحدة التي "اعتبرت، تضيف النيابة العامة، اتفاقات مدريد لسنة 1975 والتي تنازلت بموجبها إسبانيا للمغرب عن إدارة المنطقة غير المستقلة، غير قانونية". ويبدو أن النيابة العامة، والتي تخضع للسلطة التنفيذية أي للحكومة الإسبانية، أرادت بهذه "الوثيقة السياسية" القول للسلطات المغربية أن من حق إسبانيا التدخل في منطقة الصحراء لحماية الصحراويين ولحماية الروابط الثقافية والتاريخية (أي الاستعمارية) التي تجمعها بالمنطقة. هذا ويذكر أن العصبة الإسبانية لحقوق الإنسان قد أعلنت، يوم الاثنين الماضي، أن عائلة الصحراوي بابي حمادي كركار بوجمعة، والذي يحمل الجنسية الإسبانية، سترفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي ووالي العيون محمد جلموس أمام القضاء الإسباني، إثر وفاة ابنها في أحداث العيون الدامية ليوم 8 نوفمبر. وقررت العصبة الإسبانية لحقوق الإنسان مؤازرة عائلة المواطن المغربي الذي دهسته سيارة، في ظروف لم يتم الكشف عنها بعد، حتى تتمكن من رفع الدعوى القضائية ضد وزير الداخلية المغربي أمام المحكمة الوطنية، وهي أعلى هيئة قضائية جنائية إسبانية. وسيتقدم بالدعوى القضائية، وهي الثانية في ظرف أسبوع ضد وزير الداخلية المغربي تقف ورائها الجمعية الإسبانية المذكورة، أخ الضحية المدعو حماد مولود علي، وذلك دون انتظار نتائج التحقيق الذي فتحه القضاء المغربي للكشف عن ظروف وفاة المواطن المغربي. وتطالب العصبة الإسبانية لحقوق الإنسان ب"إلقاء القبض فورا" على وزير الداخلية المغربي وعلى والي جهة العيون "كإجراء احترازي" في أفق انعقاد جلسة محاكمة المسؤولين المغاربة، حسب رأيها. ويأتي الإعلان عن هذه الدعوى أسبوعا فقط بعد إعلان نفس العصبة رفع دعوى قضائية ضد مسؤولين كبار في الدولة المغربية، من بينهم وزير الداخلية الطيب الشرقاوي متهمة إياهم بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية في الصحراء وبمقتل مواطن يحمل الجنسية الإسبانية". وقد قدمت العصبة هذه الدعوى وفقا ل" مبدأ الاختصاص القضائي العالمي" أو ما يعرف ب "الولاية الكونية" والذي يسمح للمحاكم الإسبانية بالشروع في التحقيق في الجرائم الجماعية التي ترتكب في الخارج ، في ظل ظروف معينة.