تسلمت مدينة وجدة ، مشعل عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018 من الأقصر المصرية، في 18 مارس الجاري، لتفتح جرح الخلاف الجزائري المغربي. وتعتبر وجدة صلة الوصل بين المغرب والجزائر، إلا أن إغلاق الحدود بين البلدين أثر على المدينة بشكل كبير. ويضم الجزء القديم من وجدة، أو ما يسمى محليا بالمدينة القديمة، العديد من الأسواق العتيقة، ك”سوق الماء”، و”سوق زنقة عطية”. وتشهد تلك الأسواق المتمركزة في محيط باب سيدي عبد الوهاب، أحد أهم أبواب المدينة القديمة، رواجاً مستمراً، رغم إغلاق الحدود، معتمدة على منتجات وسلع محلية. في هذا الجزء من المدينة، حيث الأزقة الضيقة، تتجاور الأسواق مع “المسجد الأعظم”، أو “المسجد الكبير” بلغة أهل المدينة. ويبقى المسجد شاهداً على بصمات السلطان المريني أبي يعقوب يوسف، الذي أعاد بناء المدينة حسب العديد من الروايات التاريخية حوالي سنة 1296 ميلادية. خارج هذه القطعة القديمة من المدينة، تتمركز أسواق أخرى، تشهد على تنوع أنماط الاستهلاك. ففي سوق الفلاح، الذي يقع على شارع علال الفاسي، يجتمع ما تفرق في غيره من الأسواق، وبجواره أيضا سوق يحمل اسم مدينة مليلية، المختص في بيع جميع أنواع الملابس الجاهزة. وجدة، التي احتفلت بألفيتها الأولى سنة 1994، شهدت خلال السنوات الخمس الماضية، الكثير من التغيير، في شوارعها.وعرفت جامعة المدينة، التي تستقطب طلبة من مختلف الجنسيات الإفريقية والعربية، تأسيس العديد من المنشآت الثقافية، والفنية، كمسرح محمد الخامس ومعهد الرقص المعاصر. عاصمة الثقافة العربية واعتمدت اللجنة الثقافية العربية الدائمة (تضم وزراء الثقافة العرب)، بمدينة الدارالبيضاء بالإجماع في 30 نوفمبر الماضي،، مدينة وجدة، عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018. ومن المرتقب أن تشهد المدينة، الواقعة على بعد 20 كليلومتراً من الحدود المغربية الجزائرية، عدة تظاهرات وفعاليات ثقافية، بمشاركة مختلف الدول العربية. وقال محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال إن “هناك مقاربة جديدة للتنمية الثقافية، تعتمد روابط متعددة منها الانفتاح على العالم”. وأضاف أن اختيار المدينة، التي يتجاوز عمرها ألف سنة، عاصمة للثقافة العربية، فرصة للنقاش حول مجموعة من الملفات الاجتماعية من جانب المبدعين والمثقفين. وأكد الوزير المغربي، أن الملتقيات التي ستشهدها المدينة، ستخرج بالخلاصات والتوجهات الكبرى التي تبلور النموذج الثقافي الجديد الذي تتوخى الوزارة بلورته.ولن يقتصر تنظيم الفعاليات الثقافية في وجدة، على الدول العربية المعنية بالدرجة الأولى بهذا الحدث. وكشف عمر حجيرة، رئيس بلدية المدينة، أن المناسبة ستشهد تنظيم أنشطة أخرى من مدن أوربية وإفريقية، تربطها مع مدينة وجدة اتفاقيات تعاون وشراكة مثل ليل وغرونوبل الفرنسيتين، ودكار السينغالية. وأكد أن إختيار وجدة، “مناسبة لتجديد المطالب للحكومة، لدعم البنية التحتية الخاصة بتنظيم الانشطة الثقافية بالمدينة”. وأبرز أنها مناسبة أيضا “للترويج للمدينة في محيطها العربي، لتطوير جاذبيتها، وجعلها قبلة للسياحة، خاصة وأن هذه المدينة تجر ورائها تاريخ عريق يغري بالاكتشاف”. وفي كل مرة يتم اختيار مدينة لتكون عاصمة ثقافية عربية، تطرح العديد من الأسئلة حول بنية الاستقبال والإمكانات المتوفرة لتنظيم كل الفعاليات في أجواء مناسبة. ونوه رئيس بلدية وجدة، بأن المدينة تضم مسرحاً (مسرح محمد السادس)، وهو من أكبر المسارح على مستوى البلاد، (افتتح في يوليوز 2014 )، على مساحة 6500 متر بكلفة مالية قدرها 8 ملايين دولار، ويستوعب 1200 مقعد. وأشار، إلى وجود بنيات ثقافية أخرى بالمدينة، ستتعزز في الأيام المقبلة بمكتبة، لتكون قبلة للمبدعين والمثقفين.ولفت إلى أنه سيحرص على أن تنظم الأنشطة الثقافية أيضاً في الأحياء الفقيرة، لتعم الاستفادة من هذه التظاهرة الكبرى. تقارب المغرب والجزائر ورغم أن الحدود بين الجارتين المغرب والجزائر، مغلقة منذ سنة 1994، إلا أن هذا، بحسب عبد الله هامل، رئيس لجنة الثقافة والتنمية بمجلس جهة الشرق ، “لن تشكل عقبة في سبيل أن تلعب وجدة دور بوابة حقيقة للمنطقة المغاربية وحتى العربية”. وأضاف، أن هناك العديد من الروابط بين الشعبين المغربي والجزائري، وبالخصوص القاطنين في منطقة الشرق المغربي والغرب الجزائري. وإعتبر أن الثقافة والتقاليد وأسلوب الحياة بصفة عامة السائد في المنطقة الغربية الجزائرية، هو امتداد للثقافة بالمنطقة الشرقية. وتتعزز هذه الأواصر، بدعوة جمعيات المجتمع المدني النشطة في مجال فن الغرناطي، والمثقفين الجزائريين، إلى وجدة، لتنظيم فعاليات ثقافية خاصة بهم وبدأ تقليد اخيتار بعض المدن العربية، كعواصم ثقافية في سنة 1995، وكانت القاهرة أول عاصمة ثقافية عربية لتتوالي العواصم الثقافية العربية. وقبل اختيار وجدة عاصمة للثقافة العربية، كان اسم مدينة البصرة العراقية، التي ترشحت لاحتضان الفعاليات الثقافية العربية منذ سنة 2013، مطروح على أجندة اللجنة الثقافية العربية الدائمة. غير أنها اعتذرت بسبب عدم الاستعداد الكافي لاحتضان التظاهرات الثقافية والفنية طوال السنة.