أكد الكاتب العام الجديد العام للفدرالية الإسبانية للهيئات الدينية (فيري)، في حوار مع أندلس برس، أن المقاربة الأمنية وحدها في الشأن الديني لاتفيد وأن إسبانيا مطالبة بفتح المجال أمام الإسلام الوسطي والمعتدل و عدم التضييق على مناصريه كما تفعل حاليا. وفي أول خروج إعلامي له بعد توليه منصب الكاتب العام للفدرالية الإسبانية للهيئات الدينية (فيري)، خص الدكتور سعيد بورحيم النسخة الورقية ل"أندلس برس" بهذا الحوار الذي أفصح فيه عن تشخيصه لوضع الشأن الديني بإسبانيا وعن تطلعاته لتشبيب الفيدرالية وتوحيد الصف الإسلامي وإعادة هيكلة اللجنة الإسلامية، الممثل الرسمي للمسلمين في إسبانيا، على أسس شفافة وديمقراطية. 1. بعد التهنئة على المنصب الجديد، ماهي التشكيلة القيادية الحالية للفيري، وهل تتوقعون مزيدا من التشبيب في الخط الأمامي لقيادة هذه التمثيلية الإسلامية؟ بداية أقدم شكري الخالص لجريدتكم التي نتمنى لها مزيدا من التألق. عاشت الفيري سنوات من المخاض المفروض والممنهج، حيث خاضت في الأربع سنوات الأخيرة جملة من الرجّات كانت تهدف بالأساس إلى وأد وتنحية الفيري من الساحة لكن بفضل الله أوّلا و باعتمادنا على احترام قانوننا الأساسي ثانيا والعدالة ثالثا استطعنا أن نتجاوز المحنة نسبيّا و نتّجه الآن نحو المزيد من دمقرطة أكثر للبيت الداخلي و رصّ صفوفه فذلك هو الضّامن للبقاء. أعتقد أن فيدراليتنا هي من المؤسسات القليلة التي تمارس الديمقراطية الداخلية ممارسة حقيقية وأيضا من المؤسّسات التي فتحت أبوابها أمام الشباب إيمانا منها أن مستقبلا واعدا مرهون بتحمل الشباب جزءا من المسؤولية. عدنا قبل أيام من مخيم شبابي تنظمه الفيدرالية بتعاون مع "جمعية الشباب المسلم بإسبانيا " و الذي شهد بفضل الله نجاحا باهرا، لنأكد أن الإهتمام بالشباب هو في صلب اهتمامات الفيدرالية، و إني على يقين أن المرحلة القادمة سوف تشهد تشبيبا في صفوف إدارة الفيري. الجمع العام الأخير أفرز مكتبا مسيّرا جديدا وإن حافظ على رئاسته الأستاذ محمد حامد علي الذي حضي بإجماع داخلي على شخصه رغم رغبته في التنّحي، فلقد ضخت فيه دماء جديدة سوف تزيد الفيري قوة و مصداقية أكثر. تشكيلة المكتب المسير كانت كالتالي: الأستاذ محمد حامد علي رئيسا الأستاذ محمد خرشيش نائبا للرئيس الأستاذ سعيد بورحيم كاتبا عامّا الأستاذ محمد خليفة أمين المال الأستاذ محمد مبين مدينا مستشارا الأستاذ خوليو فضل الله تمارا مستشارا الأستاذ هارون كراكويل روميرو مستشارا 2. ماهي أولويات العمل التي ستعكفون عليها من موقعكم القيادي، و ماهي طبيعة الرهانات على المدى المتوسط والبعيد؟ القيادة الناجحة هي تلك التي تمارس مهامها وفقا للمنهج التنظيمي للمؤسسة، فلقد اعتدنا داخل المكتب على اتخاذ القرارات بعد إخضاعها للمناقشة و الدراسة. فالأولية اليوم هي للّجنة الإسلاميّة التي طالما حاولنا و عبر برامج عدّة من المساهمة في تفعيلها وتعديلها لتتلاءم و المرحلة و استجابة منّا لمطالب عامّة المسلمين، و حين أحسّ طرف ما جدّية مسعانا وعزمنا على تغيير واقع اللّجنة الإسلاميّة سارع إلى زرع الألغام في طريقنا واستعمل أساليب قديمة طالما حققت له مبتغاه، و مع الأسف وُ جد منّا و من صفوفنا من ساهم معه في كل ذلك. إن مسلمي إسبانيا في ازدياد مضطرد و بوتيرة جدّ عالية، الشيء الذي يفرض علينا كمسؤولين أمام الله و أمام التّاريخ العمل على كسب أكبر قدر من الحقوق لهم بكل ما أوتينا من قوة و حكمة و هذا هو رهان الحاضر والمستقبل. المقاربة الأمنية وحدها في الشأن الديني لاتفيد وإسبانيا مطالبة بفتح المجال أمام الإسلام الوسطي والمعتدل و عدم التضييق على مناصريه 3. ماهي طبيعة العلاقة حاليا مع السلطات الإسبانية، في ظل الأزمة الاقتصادية التي ستقلص من دورها في دعم الجمعيات الدينية والهواجس الأمنية والسياسية حيال التمثيليات الإسلامية؟ الفيدرالية هي مؤسسة إسبانية و من مصلحة السلطات الإسبانية أن لا يكون للأزمة الاقتصادية آثار سلبية على مؤسستنا,ذلك لأنّ تقليص دور الجمعيات الدينيّة يعني تقليص في حقّ جدّ حسّاس من حقوقها، صحيح أن أكثر الجمعيات تعتمد على تمويل نفسها بالإعتماد على مساهمات أعضائها، و بفعل الأزمة فإننا لاحظنا تأثيراً بالغاً في مداخيل جلّ الجمعيات التي أضحت في أمس الحاجة إلى دعم الدولة لتحافظ على فتح أبواب مراكزها و مصلّياتها أمام المسلمين. طالما عبّرنا عن أنّ المقاربة الأمنية وحدها في الشأن الديني لاتفيد و لم تأت بالجديد، إنما في اعتقادنا مقاربة التكوين وفتح المجال للمؤطرين الأكفاء وأمام الإسلام الوسطي والمعتدل و عدم التضييق على مناصريه و هم الأغلبية من المسلمين هو الضّامن لمستقبل يسوده الأمن و الأمان بين التدين و المجتمع. نسعى جاهدين لإيجاد هيكلة جديدة للّجنة الإسلامية على أسس ديمقراطية 4. كيف تصفون طبيعة المرحلة الراهنة وموقعكم ضمن التمثيليات الإسلامية في إسبانيا؟ الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية هي إحدى موقعي اتفاقية التعاون مع الدولة الإسبانية بجانب الأقليات الدينية الأخرى (البروتستانت و اليهود) سنة1992 و بالتالي فموقعها ووزنها ثابت لا يتغير, هناك متغيرات كثيرة في الساحة تعاملنا معها بكل واقعية و جدية و نسعى جاهدين لإيجاد لكل واحد موقعه في ظل هيكلة جديدة للّجنة الإسلامية على أسس ديمقراطية تؤسس لأرضية يتفق عليها الجميع وللمرحلة المقبلة التي نتمنى أن تنتصر فيها لغة الحوار عن لغة الحجارة، و نبتعد فيها عن التخوين و الإتهام في النوايا، فمن قواعد العمل الأساسية التي لا مناص و لا بديل للعاملين في الشأن الديني عنها، هي قاعدة حسن الظن بالله و حسن الظن بالناس. إنهاء التنافر بين الفيري واتحاد الجمعيات الإسلامية واقع يبشر بغد أفضل كيف تقيمون التقارب الأخير بين الفيري واتحاد الجمعيات الإسلامية وهل تعتقدون أن هناك إمكانية لإعادة هيكلة اللجنة الإسلامية على أسس ديمقراطية وشفافة؟ مرت عشرون سنة على اتفاقية التعاون و طبق من بنودها ما طبّق و بقي جزء كبير لم يٌفعّل في أرض الواقع. هذا الأمر يعزوه الكثيرون إلا الشٍّقاق بين الفيدرالية و الإتحاد. من البديهي أن يكون التقارب و إنهاء التنافر والخلاف واقع يبشر بغد أفضل, هذا التقارب لم يكن وليد المرحلة فقط بل هوحقيقة أفرزها وعي بضرورة البحث عن سبل التعاون . اللقاء بين الفيري و الإتحاد في السنوات الأخيرة عددناه بأكثر من عشرين لقاء، مكّن كل ذلك من تكسير الجليد و بناء الثقة بين الإخوة الشيء الذي سيساهم في إعطاء الإطار الذي يجمعنا قوة و فعالية. و سترون آثار ذاك قريبا إن شاء الله. عدد الفيدراليات عبر التراب الإسباني ارتفع في الآونة الأخيرة بشكل عقد بصفة كبيرة المشهد التمثيلي للمسلمين يإسبانيا، وبما أن الفيدرالية و الإتحاد هما الممثلان الرئيسيان للمسلمين أمام الدولة الإسبانية، فطبيعي أن تعزى إليهم أمر إعادة الهيكلة، وهو ذات الشئ الذي قاما به, و لقد تمّ وضع التعديل (تعديل القانون الأساس) الذي سوف تستفيد منه كل الفيدراليات عند وزارة العدل و ما زلنا ننتظر الرد. 5. ماهو أول ملف وضع على مكتبكم بعد استلام مهامكم؟ مرت على انتخاب المكتب بضعة أيام و لم نعقد بعد لقاء المكتب المسيّر، أثناء ذلك نحدد الأوليات، و نضع البرنامج السنوي الذي سوف يأتي بالجديد انسجاما مع المرحلة التي تمر بها الأسرة المسلمة هنا بإسبانيا. وإذا كان هناك ملف يحضى بالأولوية فسوف يكون جمع كلمة و أمر الفاعلين في الشأن الديني على كلمة سواء, بعدها أنا على يقين تام بأن الملفات العالقة و الشائكة كقضية الحجاب مثلا, أوتعميم تدريس الدين الإسلامي داخل المدارس العمومية, أوغيرها من الملفات سوف تجد طريقها إلى الحل. منذ أن وصلنا إلى هذه الديار و منذ أكثر من عشرين سنة لم نأل جهدا يوما في الدفاع عن قضايا المسلمين في هذا البلد بقدر قٌدراتنا، و اليوم و نحن نستلم هذه الأمانة سنعمل مع إخواننا الصادقين سوية لتحقيق المزيد من المكاسب بكل تفان و بكل صدق وأمانة والله من وراء القصد و هو الذي يهدي السبيل . 6. هل سيؤثر منصبكم القيادي الجديد مع ما سيحمله من أعباء على دوركم في العمل الإغاثي والخيري؟
نتمنى أن يكون تأثيرا إيجابيا، فالمجالين لا يتعارضان بل قد يلتقيان في كثير من الأحيان و قد يفيد الواحد الآخر ففي نهاية المطاف هو موجه للبحث عن الخير للآخرهنا أو هناك. الإغاثة الإسلامية هي مؤسسة خيرية تكرس جهدها للتخفيف من معانات شعوب العالم الأكثر فقراً، ولتحقيق ذلك فهي تعتمد بالأساس على تبرعات المحسنين انطلاقا من المساجد. دورنا في الفيدرالية هو تقديم الدعم و العون للمساجد.نلاحظ أن المسجد و المسلمين هو المحور الذي يجمع بين المؤسستين, نتمنى أن نوفق في الإدارتين و إن لا قدر الله في مرحلة ما وجدت نفسي بين أن أتخلى عن إحداهما فلا شك أن العمل الخيري هو الأقرب إلى قلبي لأن له علاقة بأضعف حلقة في المجتمع وأقصد هنا الفقير واليتيم و المحتاج. من هو سعيد بورحيم؟ شهادة في الرجل من الدكتور بوعزى عسام أفضل ما نصف به هذا الرجل هو أنه سلطة شعبية بامتياز. في هذا البروفايل، نكتب عن رجل استثنائي بامتياز، سليل عائلة "بطوطية" بامتياز، من أب سوسي وأم غمارية، ولد سعيد بورحيم سنة في عروس الشمال، طنجة، المدينة الفاتحة ذراعيها على بحر ومحيط، والتي يتربى أبناؤها منذ نعومة أظافرهم أن يكونوا "دوليين" في تفكيرهم، ومنفتحين على العالم، دون أن يفقدوا شخصيتهم الأصيلة المتميزة. وبعد الدراسة الابتدائية والثانوية في طنجة، رحل إلى تطوان لمتابعة الدراسة الجامعية في العلوم، ليلتحق بعدها بمدريد لدراسات السلك الثالث. وبموازاة مع إعداد الأطروحة في الفيزياء، حصل على دبلوم خبير في الطقس، وتشعبت اهتماماته الجمعوية، بدء بجمعية الطلبة المغاربة التي ساهم فيها على مدى الجيلين، وكذا الجمعية الدينية والثقافية الفلاح في خيطافي، ويحضر كل المناسبات المهمة لهذه الجالية في كافة أرجاء التراب الإسباني. غير أن هذه الأمور المتعلقة بالسيرة الذاتية لا يجب أن تخفي عنا المظهر الأكبر لشخصية سعيد، وهي قدرته الاجتماعية الهائلة على التواصل مع الناس، وحتى "شغفه" بهذا الأمر. ولكم في ذلك مثالان: جمعتنا الأقدار بسعيد في العديد من المناسبات في مدريد ونواح أخرى من التراب الإسباني، ويدهش المرء للعدد الهائل من الناس، من مختلف الأعمار والمشارب والاتجاهات الذين تربطهم به معرفة وثيقة، وليس فقط من المنحدرين من مدينة طنجة، بل من كل أصقاع المغرب والمشرق. فكأن هذا الرجل الذي جمع في نسبه بين شمال المغرب وجنوبه، يجمع في روحه رحابة العالم العربي والإسلامي. الثاني لما ننتهي من صلاة الجمعة، ونلتقي بسعيد، فلا نغادر باب المسجد إلا بعد ساعة أو ساعة ونصف مما نسميه تندرا ب"توديع الوفود"، فلا يكاد يوجد خارج لا يسلم عليه ويتجاذب معه ما تيسر من أطراف الحديث. هذا وقد زاد من هذه الشعبية الهائلة كونه ذو صوت جميل نادر، وهو المدعو الأول لكل الاحتفالات والأعراس والعقائق، وغيرها. وقد اتخذت الفدرالية الإسبانية للهيئات الدينية (فيري) قرارا صائبا بتعيينه منسقا لجهة مدريد، لأنه شخصية وازنة ومعروفة بسمعتها الطيبة وقدرتها على الحوار ولم الشمل. بعد ذلك تم انتخابه كاتبا عاما جديدا للفيدرالية، في أعقاب الجمع العام العادي للفيري الذي انعقد نهاية شهر مارس 2012. إضافة إلى ذلك، فهو ممثل منظمة الإغاثة الإسلامية في إسبانيا، وينتظره عمل طويل للتعريف بهذه المنظمة وأهدافها. وختاما لهذا البروفايل الملخص جدا لضرورات العمل الصحفي، نوصي أخانا سعيد بأن يؤدي لكل ذي حق حقه، وألا تنسيه مشاغله العامة حياته الخاصة.