في التاسع من مارس الماضي، خضعت 17 فتاة مصرية لما يسمى ب"إختبارات العذرية"، في انتهاك واضح لكافة المواثيق والمبادئ الحقوقية والإنسانية. ورغم انقضاء سبعة أشهر على القضية، إلا أنه لم يتم التحقيق فيها بشكل جدي، بل تلقت إحدى الضحايا تهديدات بالقتل، لحملها على التنازل عن شكاوى قضائية ضد المجلس العسكري. وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش عدم إجراء تحقيقات في قضية فحص العذرية للمتظاهرات، وقالت المنظمة في تقرير مطول لها حول القضية "الجيش المصري لم يحقق أو يلاحق أحداً بتهمة الاعتداء الجنسي على سبع سيدات، من قبل عناصر من الجيش بتاريخ 10 مارس 2011 في السجن العسكري بمنطقة الهايكستب العسكرية، بدعوى إجراء "اختبارات عذرية". وأضافت "بعد أكثر من سبعة أشهر، تبين أيضاً إخفاق النيابة العسكرية في التحقيق على النحو الملائم في حوادث تعذيب أخرى، موثقة بحق هؤلاء النساء و13 أخريات، وما يُقدر ب 170 رجلٍ، في 9 مارس داخل أسوار المتحف المصري". ودعت المنظمة إلى إحالة جميع القضايا الضالع فيها مدنيين، سواء كضحايا أو مدعى عليهم، إلى القضاء المدني. ويصر القضاء العسكري على أنه صاحب الاختصاص الوحيد في نظر الشكاوى الخاصة بالعاملين بالجيش، بما في ذلك قضايا وقعت في شهر أكتوبر/تشرين الأول، عندما دهست آليات عسكرية متظاهرين أقباط. وأشارت المنظمة إلى أن سميرة إبراهيم السيدة الوحيدة بين السيدات السبع التي تقدمت بشكوى اعتداء جنسي لطرف النيابة العسكرية، تتلقى مكالمات تهديد من مجهولين. ولفتت المنظمة إلى أن النمط كان سائداً طوال رئاسة حسني مبارك، إذ دأبت قوات الأمن على ترهيب الضحايا والشهود في شكاوى الانتهاكات. وأضاف التقرير أن محاميي سميرة إبراهيم قدموا شكوى في 23 يونيو/حزيران بمقر النيابة العسكرية. واستدعى نائب رئيس النيابة العسكرية سميرة إبراهيم بعد ثلاثة أيام لأخذ شهادتها. وفي 10 مارس/آذار، ثم استدعت النيابة طبيباً في الجيش كان في الخدمة في السجن الحربي فأنكر حدوث ذلك الإجراء بحق السيدات. وتكرر إنكار أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إجراء اختبارات العذرية، بما في ذلك ما ورد من تصريحات لللواء محمد العصار واللواء إسماعيل عتمان في 11 أبريل في برنامج "آخر كلام" التلفزيوني. لكن في 30 ماي أكد لواء في المجلس العسكري طلب عدم ذكر اسمه لشبكة "السي إن إن" أن الجيش أجرى اختبارات عذرية. وقال: "لم نرغب في أن يقلن إننا قمنا باغتصابهن أو بالاعتداء عليهن جنسياً، من ثم أردنا أن نثبت أولاً أنهن لسن عذراوات". وأضاف: "البنات اللواتي تم القبض عليهن لسن كابنتك أو ابنتي. هؤلاء البنات كانوا في خيام مع متظاهرين رجال في ميدان التحرير، ووجدنا في الخيام زجاجات مولوتوف ومخدرات". وفي البيان رقم 29 للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحة المجلس الرسمية على الفيس بوك، بتاريخ 28 مارس/آذار، ورد أن الجيش قد قام ب "اتخاذ الإجراءات اللازمة للوقوف على صحة" الأنباء الخاصة ب "تعذيب فتيات تم اعتقالهن خلال الاعتصام الأخير في ميدان التحرير". وفي 6 يونيو/حزيران قال ل هيومن رايتس ووتش أحد لواءات المجلس العسكري متحدثاً عن اختبارات العذرية: "لا يمكننا تأكيد أو نفي تلك الواقعة لأنها تخضع للتحقيق حالياً". وأضاف أن المجلس العسكري "أصدر تعليماته بألا يتكرر ذلك الأمر مرة أخرى". وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يحاول الحُكام العسكريون إخفاء واحدة من أبشع الانتهاكات التي ارتكبتها قواتهم هذا العام. ويتم بذلك حرمان الضحايا من حماية القانون بعد صدمة الاعتداء الجنسي ". وأضاف جو ستورك: "تستغرق التحقيقات في النيابة العسكرية في العادة من أسبوع إلى اثنين قبل أن تتم إحالتها إلى المحكمة أو يُحفظ التحقيق فيها، وكثيراً ما ينتهي القضاة من المحاكمة في جلسة أو اثنتين". وأضاف: "بعد سبعة أشهر يمكننا أن نستنتج أن جنرالات المجلس ورغم وعودهم، لا يعتزمون إطلاقاً التحقيق مع أحد أو ملاحقة أحد على هذا الاعتداء الجنسي الإجرامي". في عصر 9 مارس قام الجنود ورجال في ثياب مدنية بتدمير مخيم للمتظاهرين في صينية ميدان التحرير التي تتوسطه، حيث كان الناس يخيمون بشكل متقطع منذ 28 يناير/ كانون الثاني. اعتقل ضباط الجيش 20 امرأة على الأقل، بالإضافة إلى 174 رجل على الأقل، ونقلوهم جميعاً إلى داخل أسوار المتحف المصري، حيث نصب الجيش قاعدة مؤقتة منذ احتجاجات يناير/كانون الثاني، وقاموا بتعذيبهم. ووفقاً للتقرير فإن هيومن رايتس ووتش وثقت كيفية قيام الجيش بضرب وجلد وركل الرجال، وضرب النساء، وتقييدهم بالسلاسل إلى السور الحديدي، وصعقهم بالكهرباء. رشا عزب، صحافية في جريدة الفجر الأسبوعية تبلغ من العمر 28 عاماً، قالت ل هيومن رايتس ووتش كيف تم تقييد يديها إلى سور حديقة المتحف الخارجية: ركلوني على بطني وضربوني بالعصي الخشبية وصفعوني على وجهي. وجهوا لي السباب. وذات مرة، قام أحدهم بشد رباط يديّ. وقفت هكذا لأربع ساعات، ورأيت العشرات من الرجال وهم يُسحلون على الأرض ويجلدون بالسياط. كانوا جميعاً ممن بقوا في الميدان. سمعت الناس تصرخ من داخل المتحف وهم (الجنود) يقولون: احمدوا ربنا أنكم مش جوا". وأفرج الجيش عن ثلاث نساء ذكرن أنهن صحافيات لكنه أخذ 17 سيدة أخرى مع 157 رجلاً إلى القاعدة العسكرية س 28، وفيها المحكمة العسكرية. تحفظ الجنود على السجناء في الحافلات تلك الليلة، ثم نقلوهم إلى السجن الحربي في الصباح، وأخذوهم إلى المحكمة العسكرية في العصر. بعد محاكمات دامت أقل من 30 دقيقة، حكمت المحكمة على النساء ال 17 جميعاً بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ بتهمة "البلطجة". وأفرج الجيش عنهن في 11 مارس. وبحسب ما ورد في التقرير فإن المنظمة وثقت شهادة فتاتين هما سميرة إبراهيم وسلوى الحسيني، وقالت الأولى في شهادتها: دخل إلى الزنزانة رجلان في زي عسكري، سألونا من منّا "مدامات" و مين "آنسات"، ثم قالوا لنا نحن السبعة أنهم سيفحصونا ليتحققوا من كوننا عذراوات. أخذونا واحدة تلو الأخرى. عندما حان دوري أخذوني إلى سرير في الممر أمام الزنزانة. كان هناك الكثير من الجنود حولنا وكان بإمكانهم رؤيتي. طلبت أن يبتعد الجنود فقام الضابط الذي رافقني إلى الخارج بصعقي بعصا مكهربة. قامت السجانة بالوقوف عند رأسي وقام رجل بزي عسكري بفحصي بيده لعدة دقائق. كان الأمر مؤلماً، واستغرق وقتاً طويلاً، وكان من الواضح أن المقصود من فعلته هذه "أن يذلني". وأورد التقرير شهادة سلوى الحسيني، وقالت فيها: عندما أخذوني إلى السجن الحربي قال الضابط للحراس إننا معتقلات بتهمة الدعارة. عندما نقلونا إلى النيابة في اليوم الثاني لم تكن هناك أية اتهامات منسوبة إلينا ذات علاقة بالدعارة. صباح الخميس أتى الضباط وقالوا إنهم سيفحصون عذريتنا. أخذوني إلى سرير في الممر وأجبروني على خلع بنطالي. استخدم الضابط أصابعه ليفحصني. كان يرتدي معطفاً أبيض اللون فوق زيه الرسمي. وكان حوله ثلاثة أو أربعة جنود. عندما سألت إن كان من الممكن أن تفحصني امرأة قالوا: "ده دكتور ومعاه شهادة". وأضافت سميرة إنها في اليوم التالي لتقديمها الشكوى بدأت تتلقى مكالمات هاتفية على هاتفها المحمول من أرقام غير ظاهرة. خرق للقانون الدولي ولفتت المنظمة إلى أن مصر بصفتها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، مُلزمة بحماية النساء من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية والتمييز، وهي ملزمة أن تضمن لهن الحق في الخصوصية، مشيرة إلى أن اختبارات العذرية الإجبارية تنتهك هذه الالتزامات الثلاثة، كما تنتهك ضمانات عدم التعرض للتمييز، وتعتبر خرق لحقها في السلامة الجسدية والكرامة والخصوصية والمساواة أمام القانون. وتابعت المنظمة قائلة: "بموجب القانون الدولي، فإن اختبارات العذرية رهن الاحتجاز تعتبر معاملة قاسية ولاإنسانية. هذه الاختبارات مؤلمة ومهينة ومخيفة".
محلياً، تفاعلت مع القضية عشر منظمات حقوقية ونسوية، وكان تفاعلها في صورة إصدار بيان إدانة عقب الحادث، ولم تجرِ متابعة له، وتلك المنظمات هي: مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، ونظرة للدراسات النسوية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمركز المصري للحق الاقتصادية والاجتماعية، والمؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، ومؤسسة المرأة والذاكرة، ورابطة المرأة العربية، ومؤسسة دراسات المرأة الجديدة، ومركز هشام مبارك للقانون، بإستثناء المركز الأخير، الذي وثق سبع حالات من الإنتهاكات، حسبما قال الناشط الحقوقي أحمد راغب ل"إيلاف"، وأضاف أنه شخصياً من وثق الحالات السبع، مشيراً إلى أن أقوال الضحايا أجمعت على أنهن أجبرن على خلع ملابسهن، وضربت من إعترضت على خلع الملابس بقسوة، ولفت إلى أن الضحايا أفدن في شهاداتهن أن شخصاً يرتدي ملابس بيضاء وسيدة ترتدي ملابس عسكرية هما من قاما بإختبارات العذرية بأسلوب يبدو أن الهدف منه الإذلال. ولفت راغب إلى أن ثلاث منظمات حقوقية تقدمت بثلاث شكاوى إلى وزارة الصحة ونقابة الأطباء والنائب العام منذ سبعة أشهر، لكن لم يتم إتخاذ أية إجراءات قانونية بشأنها. ونوه راغب بأن ثلاث منظمات أقامت دعاوى أمام القضاء، الأولى للطعن في عدم اتخاذ الجيش للإجراءات اللازمة حيال القضية. وسوف تنظر في 29 نوفمبر. والأخرى للمطالبة بإحالة الدعوى المدنية التي أقامتها إلى القضاء العسكري، ومن المقرر النظر في تلك القضية في 13 ديسمبر المقبل. صبري حسنين موقع إيلاف، 19 نونبر 2011. التعليق على الصورة: سميرة ابراهيم إحدى الضحايا التي تتلقى تهديدات بالقتل