من خلال قراءة عامة للتوجه الذي سطرته السياسة الخارجية المغربية في التعامل مع الدول العربية، القائم على التعاون و التضامن، و المشاركة في جميع القضايا الكبرى التي تهم سلم وأمن الشعوب العربية ورقيها، ونظراً لما يتقاسمه المغرب مع الدول العربية من قيم روحية و روابط تاريخية وعلاقات النسب والقرابة و باعتباره جزءاً من منطقة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج، فإن خيار الوحدة مع هذه الدول يعد خياراً استراتيجياً ولا شك لدى المغرب حكومة وشعبا، أكد عليه رسميا من خلال انضمامه لجامعة الدول العربية سنة8 195 ومشاركته الفعالة في أجهزتها و مؤتمراتها، وكذلك في جميع المناسبات الدولية و المحطات التاريخية من خلال دفاع المغرب عن القضايا القومية الكبرى وأولها تحرير فلسطين، و احترام الوحدة الترابية للدول العربية، واستقلالها و وسلامة أراضيها و شعوبها. فإن جميع الخطوات الرامية إلى تدعيم بناء الوحدة العربية، والشراكة مع دولها تأتي حتما على رأس أولويات السياسة الخارجية المغربية، مع انفتاحها على آفاق أخرى قارية و إقليمية، كالوحدة الإفريقية باعتبار المغرب دولة افريقية، و بناء اتحاد المغرب العربي، و الشراكة مع دول المجال المتوسطي، و التعاون مع الاتحاد الأوروبي، نظرا لما للمغرب من موقع جيواستراتيجي في المنطقة. لذلك فإن الدعوة التي تلقاها المغرب للانضمام إلى دول التعاون الخليجي، تبقى ذات أهمية، رغم الصعوبات القانونية والواقعية التي قد تعترضها، وما يمكنها أن تفرزه من تداعيات على شكل المنظمة بالأساس و طبيعة أهدافها وتوزيع الأدوار بها وعلى تسميتها كذلك، مادام المغرب يقع على المحيط الأطلسي ويبعد بآلاف الأميال عن الخليج العربي. لكن ذلك لا يمنع من إجراء محاولة لجرد المحفزات و العوائق بالنسبة للمغرب حتى يجد الصيغة القانونية للتعاون مع دول المجلس الخليجي، وإيجاد حلول لما يمكن أن يعترض من إشكالات على مستوى التفعيل لمقترح الانضمام. أولا : المحفزات السياسية والاقتصادية كما لا يخفى على أحد، تمر المنطقة العربية بوضع استثنائي في تاريخها المعاصر، فقد شهدت سنة 2011، أحداثا عظاما أطاحت بنظامين سياسيين عربيين بكل من تونس ومصر تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية، وعصفت بالبعض الآخر و أدخلتها في دوامة الاضطرابات وعدم الاستقرار، كاليمن وسوريا، بل زجت بعضها في أتون الحرب الأهلية، كما حدث بليبيا إحدى أكبر دول المغرب العربي، لذلك فإن بناء اتحاد المغرب العربي وتفعيل أجهزته، وأهداف تأسيسه على المدى القريب أصبح مستحيلا في الوقت الراهن كنتيجة طبيعية للوضع في بعض بلدانه، كليبيا و تونس التي لم تجد بعد طريقها نحو الاستقرار بعد عدة أشهر من إسقاط رئيسها السابق. ونفس الأمر يصدق على الجامعة العربية التي تعيش مرحلة أزمة حقيقية، خاصة بعد سقوط النظام المصري السابق الذي كان يقبض بيد من حديد على السياسة العربية، و مواقفها إزاء القضايا القومية، خاصة الصراع العربي الإسرائيلي، حيث كانت مصر تقود الجناح المعتدل في التعاطي مع مطلب السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وقيام دولة فلسطين، في مواجهة جناح الممانعة الذي تقوده سوريا و الذي لم يسلم هو كذلك من موجة الاحتجاجات الشعبية، ودخل مرحلة جد خطيرة في إدارته لأزمته الداخلية. وبالتالي فان إيجاد بدائل للعمل العربي المشترك، أصبح ذا أولوية قصوى خاصة بالنسبة للدول الأكثر استقراراً كدول الخليج مثلا، نظراً لوجود ضرورة ملحة لذلك أمام وضع سياسي و اقتصادي غير مستقر، ولوجود بوادر للتدخل الأجنبي في شؤون المنطقة قد يؤثر على مسارات التغيير، و يستولى على مقدرات الشعوب العربية و خيراتها وتاريخيا فالتعاون بين المغرب و دول الخليج، شكل نموذجا سياسيا جيداً و مجالا اقتصاديا ممتازاً في تدبير الموارد، وتنمية القدرات، و إحداث مشاريع تنموية مشتركة في مجال الإعمار و الطاقة و الاستثمار و الصناعة و التجهيز بل حتى في المجالين العلمي والصحي، وتشهد على ذلك عدد من المشاريع التنموية بالمغرب التي أقامتها مؤسسات استثمارية سعودية و إماراتية و بحرينية و غيرها، كما أن المغرب أقام بدوره عدة مشاريع بدول الخليج، والتي استفادت كثيراً من خبرة الأطر المغربية والعمالة المغربية المؤهلة في المجالات التقنية والعلمية وكذلك التعليمية، عدى عن تشابه المواقف السياسية المغربية في التعاطي مع الشأن الإقليمي والدولي مع المواقف الخليجية، وآخرها الموقف من الوضع في ليبيا كما أن التوافق العقدي بين المغرب باعتبارها دولة سنية مالكية، ودول الخليج ذات المذهب السني، يزيد من تمتين الروابط لمواجهة المذاهب الدخيلة، و الدعوات المتطرفة التي تغذي الأطروحات الإرهابية التي مست المغرب و دول الخليج منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ما يفيد أن تقوية الروابط بين المغرب و دول مجلس التعاون الخليجي سيقوي منظومة التعاون الأمني في مواجهة المخاطر الخارجية والإرهابية، كما سيرفع من سقف العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، بالإضافة إلى وضع الأسس لمشروع السوق العربية المشتركة، الذي يمكن تفعيله في حالة تطوير صيغة لذلك بين المغرب ودول التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى،وهذا ما تنص عليه المادة الرابعة من ميثاق تأسيس مجلس التعاون الخليجي التي تدعو إلى ( تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الآتية: الشؤون الاقتصادية والمالية الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات الشؤون التعليمية والثقافية الشؤون الاجتماعية والصحية الشؤون الإعلامية والسياحية الشؤون التشريعية والإدارية دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها). كما سيزيد من تعميق المواقف السياسية بينهما، خاصة وأن المغرب يراهن على مسيرة الإصلاحات السياسية و الدستورية، ليطور منظومته السياسية والقانونية، التي قد تكون نموذجا يحتذي بالنسبة لهذه الدول التي أبدت عن رغبتها في الإصلاح على الطريقة المغربية، علما أن أنظمتها السياسية تقوم على المؤسسات الملكية الوراثية ثانيا: الإشكالات القانونية و الواقعية رغم تعدد النقاط الايجابية التي تكتنفها الدعوة التي تقدم بها مجلس التعاون الخليجي للمغرب، لكي ينضم إليه كعضو فاعل في منظمته، إلا أن عددا من الإشكالات الواقعية والقانونية تتعرض هذا الانضمام يمكن أن نلخصها كالتالي : أولا : الموقع الجغرافي للمغرب والبعيد كليا عن منطقة الخليج العربي، مما سيؤدي في حالة انضمام المغرب إلى المجلس، إلى ضرورة تغيير اسمه و أهدافه حيث تنص المادة الأولى من ميثاق تأسيسه على (ينشأ بمقتضى هذا النظام مجلس يسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربية ويشار إليه فيما بعد بمجلس التعاون) ثانيا: تنص المادة الرابعة على أن من أهداف المنظمة ( تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها)، غير أن الوحدة الفعلية تبقى غير ممكنة على المستوى الواقعي إلا بانضمام باقي الدول العربية. ثالثا: على المستوى السياسي، فالمغرب سيصبح ملزما بتبني مواقف المجلس، فيما يخص أمن وسلامة أراضي دوله، خاصة في إدارة الصراع مع إيران والمد الشيعي في منطقة الخليج العربي، الذي يمكن أن تكون له تأثيرات معينة على وضع المغرب الإقليمي و الدولي. لكن ومع ذلك فان كل تلك العقبات يمكن تجاوزها إذا توفرت الإرادة السياسية لدى الطرفين، من أجل تطوير آليات العمل العربي المشترك، لما لذلك من ايجابيات واعدة على واقع ومستقبل المنطقة العربية برمتها و توطيد عرى التعاون و التضامن العربي، الذي يبقى هو العنوان العريض لأي مبادرة تصب لخدمة الشعوب العربية ورقيها وأمنها و سلامة أراضي دولها و وحدتها الترابية، داعيين في الآن نفسه إلى ضرورة إيجاد الصيغ القانونية المناسبة لانضمام المغرب يراعي خصوصيته الجيواستراتيجية، و علاقاته الدولية، خاصة في المجال المتوسطي، وإشراك جميع الفاعلين في وضع تصور واضح لفلسفة التعاون والعمل المشترك بين جميع الأطراف، مما سيدفع قدما بالتجربة لما فيه رفعة شعوب الدول العربية وتقدمها. الخمالي بدر الدين عن موقع صوت الوطن العربي. العنوان الأصلي للمقال: آفاق التعاون بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي