الرباط – يفترض بعض الناس خطأ، آخذين بالاعتبار حجم العنف والاضطراب في دول ذات غالبية إسلامية مثل العراق وأفغانستان، أن العنف ينبع من تعاليم الإسلام، بينما الواقع هو أن الإسلام لا يوافق على أعمال كهذه. ولا يساعد الإعلام في توضيح الأمر، مركّزاً أحياناً على نشاطات الإرهابيين الذين يدّعون الإسلام، بدلاً من تعريف هؤلاء الأفراد كمجرمين، وإلقاء الضوء على الجوهر الحقيقي للإسلام. يعرض الإعلام الإرهابيين المسلمين وهم يحملون السلاح وهم يُصلّون، ولكنه نادراً ما تُطلق صفة الإرهابي أو المتشدد أو الأصولي على أية مجموعة دينية أخرى. على سبيل المثال نادراً ما تُستخدم تعابير مثل “متشدد هندوسي” أو “إرهابي يهودي”، رغم أن هنالك في كل ديانة أناس لا يمثلون المجموعة الأكبر. الغالبية الساحقة من المسلمين أناس يحبون السلام ويتعايشون بتناغم مع جيرانهم. وهم يقولون أن جوهر الإسلام هو التسامح واحترام جميع الديانات. واقع الأمر هو أن النبي محمد (ص) عُرِف بأخلاقه الحميدة المميزة ومشاعره الرحيمة وتسامحه مع جميع الناس، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم. الإسلام دين عالمي لجميع الأزمنة والأمكنة، وهو يشجّع التسامح واحترام الفروقات. وبينما يصبح عالمنا قرية عالمية، وبينما تجمع التكنولوجيا الثقافات معاً وتزيد من التفاعل بين الحضارات، يتوجب علينا احتضان التسامح الديني على أنه واحد من المبادئ الأساسية وراء المجتمعات الديمقراطية المزدهرة. هناك العديد من الآيات القرآنية التي تدعم رسالة العيش السلمي المشترك والتناغم هذه. ومن بين السمات الأساسية للإسلام حرية الدين وعدم الإكراه: “لا إكراه في الدين” (256:2) وكذلك: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (99:10). عندما أسس النبي محمد أول مجتمع مسلم في مكةالمكرمة، ضمن حرية العبادة وقدسية الروح البشرية والحق بالأمان لجميع غير المسلمين بمن فيهم المسيحيين واليهود، “أهل الكتاب” كما يشار إليهم في القرآن الكريم. كان لهم نفس الحقوق، وكانت عليهم نفس الواجبات مثل المسلمين، وحصلوا على الحماية من التهديدات الخارجية. وبالإضافة إلى الاعتراف بحقوق غير المسلمين الدينية، ينادي الإسلام باحترام المسيحيين واليهود ودياناتهم، مشيراً إلى أن الإيمان هو قضية شخصية بين الفرد وخالقه. يحترم معظم المسلمين فكرة حرية الأديان التي أرسى القرآن الكريم قواعدها. وأنا أرى هذه الفكرة تمارس في بلدي المغرب، وهو بلد ذو غالبية إسلامية، عاش فيه اليهود منذ قرون عديدة ومارسوا ديانتهم بحرّية. لدى الطائفة اليهودية المغربية قُضاتها في مجال قانون الأسرة الذي يغطّي أموراً مثل الميراث والزواج والطلاق مثبتاً أن التسامح الديني أمر يمكن ممارسته والعيش معه. حرص النبي (ص) على إنشاء علاقات ترتكز على الاحترام والمساواة والعدالة مع غير المسلمين وأوصى بمعاملتهم جيداً قائلاً إن من يؤذي غير مسلم هو عدوي ليوم القيامة، وكذلك إن من قتل نفساً بشرية تخضع لمعاهدة فلن يذهب إلى الجنة. ويتعزز هذا الاحترام في أحاديث شريفة عديدة مثل قوله الذي نقله أحد الصحابة هو جابر ابن عبدالله: “مرت جنازة فوقف النبي (ص) احتراماً، فقلنا له إنها جنازة رجل يهودي. فقال: “إذا رأيتم جنازة فعليكم بالوقوف، أفليست نفس بشرية؟” تشجّع تعاليم الإسلام على التعارف والتواصل بين الناس والترابط بين المجتمعات. “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” (13:49). من المهم اليوم للجميع وخاصة الإعلام الابتعاد عن بحث الإسلام فقط حسب علاقته بالإرهاب، والتوجه نحو نشر مفهوم الإسلام بتنوعه. ### * هند السباعي الإدريسي كاتبة مدوّنة مغربية hindapress.canalblog.com. شاركت في ورشة عمل بالرباط للمدوِّنين نظمتها منظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة تعمل في مجال تحويل النزاعات العالمية. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية. مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 30 نيسان/إبريل 2010 www.commongroundnews.org تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال