للمرة الثالثة.. نبع النساء.. فيلم لا يمثل المغرب ما بعثني على الكتابة مرة أخرى (للمرة الثالثة) حول الشريط السينمائي ” نبع النساء” للمخرج الفرنسي راديو ميهايليانو الذي يمثل المغرب في مهرجان أبو ظبي السينمائي، هو المقال الذي كتبه الناقد المصري طارق الشناوي حول الفيلم تحت عنوان :” مخرج يهودي يلجأ للقرآن للدفاع عن المرأة بفيلم مغربي”. والحقيقة ما أثار انتباهي في المقال ثلاثة نقط أريد التعقيب عليها. أولا: التأكيد على ما كتبناه في مقال سابق وما اعترف به مجموعة من النقاد مغاربة وفرنسيين، وهو المستوى الفني المتواضع الذي ظهر به الشريط، يقول الكاتب:” الفيلم على المستوى الإبداعي أراه متواضعاً ولا يحمل أي إضافة في التناول والتتابع والتعبير”. وهو الشيء الذي أكدت عليه الصحافة الفرنسية (وقد اطلعت على جزء منها) التي لم تنوه بالفيلم بعد مشاركته الباهتة في مهرجان “كان”(2011)، لكونه “جاء مكررا لمشاهد ومضامين شوهدت من قبل، خاصة وأن الموضوع سبق أن طرح في شريط تركي”. وهكذا فالشريط كان متوسطا على المستوى الفني إخراجا وكتابة (إلا ما كان من التصوير لأماكن طبيعية ساحرة برؤية السائح) ولغة مع غياب إدارة الممثلين (الذين يعيشون في فرنسا والذين ظهروا وكأنهم في درس لغوي حيث يتعلمون الدارجة المغربية بلكنة المهاجرين) وعدم الانسجام في ما بينهم. ثانيا: قال كابت المقال:” إلا أنه (الشريط) فكرياً يصب في صالح المرأة العربية والمسلمة”، لماذا؟ لأنه في اعتقاد الكاتب :”المخرج يرتكن إلى القرآن الكريم في إيجاد الحجة للدفاع عن الإسلام ونظرته للمرأة لأن أيضاً بعض الرجال يجتزئون آيات من القرآن من أجل التأكيد على أن الشرع يسمح لهم بقهر المرأة”. وأنا هنا أتساءل: هل هي هذه حقيقة الفيلم؟ هل الفيلم بالفعل يخدم قضية المرأة المسلمة والمجتمع المسلم؟ أم أن العكس هو الصحيح؟ في هذا الإطار يتدارك (في اعتقادي) طارق الشناوي (وإن بدا متحفظا ) ما كتبه حول الشريط ودفاعه عن المرأة المسلمة، حيث يقول :” ويبقى الحديث عن المخرج الفرنسي اليهودي الديانة لماذا يقدم فيلماً عن وضع المرأة في الإسلام.. لا أستطيع أن أتحدث عن النوايا ولكن أغلب الظن أن الهدف المضمر هو تقديم فيلم مليئ بالمشاهد الفلكلورية التي ترضي المشاهد الأجنبي من طقوس الولادة والاحتفالات المصاحبة لها وقهر المرأة اجتماعياً وجسدياً في العالم العربي بدعوى العادات والتقاليد، وهي بضاعة درامية مضمونة في تسويق الأفلام أوروبياً، إلا أن المخرج كان يخشى في نفس الوقت أن يتهم بالتشهير بالإسلام بسبب ديانته اليهودية التي من الممكن أن تصبح أداة للتساؤل والرفض والاتهام المسبق بالهجوم العلني على الإسلام. لا أستطيع أن أحكم على نوايا المخرج ولكن...”. لسنا في حاجة للحديث عن نوايا المخرج،( الذي نذكر انه مخرج فرنسي ذو أصول يهودية رومانية وقد أقام مدة طويلة بالكيان الصهيوني وحصل على الجنسية الإسرائيلية قبل أن يستقر بفرنسا)، وإنما قصة الفيلم ومشاهده ومضامينه السلبية تؤكد: أن الشريط الذي عرض في حفل افتتاح الدورة 5 لمهرجان المرأة الدولي بسلا كان مستفزا (للجمهور المغربي) نظرا للأكليشيهات الاستشراقية (مشهد الحمام المسيء ومشاهد المضاجعة العنيفة...) وللنظرة الاستعمارية التي يروجها الشريط ولا زال الغرب يروجها عن المجتمعات العربية الإسلامية بخصوص المرأة وعلى أنها محتقرة من طرف الرجل المسلم الذي يصور على انه عنيف ومهووس بالجنس، ومحتقرة من طرف الإسلام (خاصة مسألة الضرب ومسألة الحجاب) وإن حاول المخرج (في تناقض صارخ) أن “يلمع” صورة الإسلام من خلال اعتماده على بعض آيات القران. كما أن المخرج روج لصورة المتدين المتطرف، بمعنى أن الذي يدعو للحجاب فهو متطرف وبالتالي يدعو لقمع المرأة. وللتأكيد على هذه الصورة البشعة اختار المخرج البيئة القروية- الأمازيغية التي صورها بشكل فج و بعيدا عن كل موضوعية، وكأننا لا زلنا نعيش في القرون الوسطى التي كان الغرب لا يعتبر فيها المرأة إنسانا. بمعنى أن المخرج في شريطه يعطينا دروسا (وفقا لنظرة الغرب) في التحضر وفي التحرر وفي كيفية التعامل مع المرأة ومع الحب، وعلى أن كتاب ألف ليلة وليلة أفضل كتاب أنتجه العرب. ولأجل الوصول لذلك سخر المخرج مجموعة من الممثلين المغاربيين والممثلات المغاربيات معروفين بانسلاخهم عن هويتهم وثقافتهم الأصلية، مثل الممثلة الجزائرية بيونة و ليلى بختي، والتونسية حفصية حرزي والفلسطينية هيام عباس والتونسي صلاح وبكري والممثل المغربي محمد مجد ومحمد تسولي. وفي هذا الصدد يؤسفني أن المغربيات آمل الأطرش (التي كان دورها باهتا) وحليمة بنموسى ومجيدة بنكيران لم يكن إلا كومبارس فقط، حيث أساء الشريط إلى مسارهن الفني. ولعل السؤال الموضوعي هو: كيف قبل الممثلون المغاربة بهذه الإهانة وبمثل هذا الشريط المسيء لنا؟ بل كيف قبلنا هذا الشريط بمضامينه السلبية وتواضعه الفني ليمثلنا في مهرجانات عالمية؟ وهنا أعرج على النقطة الثالثة: يقول كاتب المقال (الذي نشر في موقع عربي وآخر مغربي):” الفيلم مغربي لأن المغرب يشارك مع فرنسا وبلجيكا وإيطاليا في الإنتاج، كما أن الوقائع الدرامية والتصوير تم في المغرب، بالإضافة إلى أن المخرج استعان فقط بعدد من الممثلين المغاربة...”. ونحن نتساؤل : هل يمكن اعتبار هذا الشريط مغربيا؟ ولماذا يمثل المغرب إذا كان مخرجه من فرنسا؟ هل المشاركة في الإنتاج وحدها تعطي صفة شريط مغربي؟ أنا الذي أعرفه هو أن البطاقة التقنية لشريط “عين النساء” مكتوب فيها “شريط فرنسي”، وهذا المعطى يوجد في جميع المواقع السينمائية الفرنسية. فلماذا لا يكتب عليه “شريط مغربي”؟ أما أن الأمر يتعلق باتفاقيات “اورو ميد” السينمائية والموقعة بين بلدان منطقة “ميدا” (إسرائيل والبلدان العربية للبحر الأبيض المتوسط) وبلدان الاتحاد الأوروبي، والتي لا نعلم أي شيء عن فحواها إلا ما هو منشور في الصحف ومواقع الانترنيت؟ هل هناك بروتوكولات الشراكة السينمائية التي تعطي الحق لدول الجنوب أن تتبنى أشرطة سينمائية لدول الشمال؟ مهما يكن، فإنني أرى في ذلك إهانة لنا كمواطنين مغاربة وللمخرجين المغاربة (سواء في الداخل أو الخارج) الذين فيهم سينمائيون أكفاء وإن اختلف المرء مع افكارهم. وإذا ما القينا نظرة على السينما المصرية أو التونسية أو الجزائرية وغيرها، فإننا لن نجد فيها هذه الظاهرة التي بدأت تأخذ مجراها بالمغرب. * ناقد سينمائي مغربي