قال سعيد الحاجي، باحث في التاريخ المعاصر، مركز تكامل للدراسات والأبحاث، إن إسبانيا وقفت ضد فرنسا وتقربت من أمريكا في قضية المغرب. ما الذي يسجّله التاريخ حول الموقف الإسباني في المعركة الأخيرة التي أفضت إلى استقلال المغرب، أي معركة عزل محمد الخامس ونفيه؟ بعدما ظل التعبير عن الموقف الرسمي الإسباني تجاه عزل فرنسا للسلطان غامضا، على مستوى البيانات والخطب الرسمية وتصريحات المسؤولين، باستثناء إشارة بسيطة في خطاب التهنئة بمناسبة عيد الأضحى لسنة 1954، الموجه إلى خليفة السلطان بالمنطقة الشمالية، والذي عبرت فيه إسبانيا عن أسفها لقيام فرنسا بهذه الخطوة، وهو موقف لم يكن في مستوى تطلعات الوطنيين في الشمال؛ سيتضح موقف إسبانيا عندما وجهت حكومة مدريد يوم 05 فبراير 1954 مذكرة إلى السلطات الفرنسية، تحتج فيها على عزل السلطان ونفيه. أي إن إسبانيا كانت رسميا ضد نفي محمد الخامس وتنصيب بنعرفة؟ بعد توجيه إسبانيا للمذكرة الاحتجاجية للسلطات الفرنسية، بدأت حملة في الصحف الإسبانية المقربة من الحكم، مثل: ABC وARRIVA اللتان هاجمتا قرار فرنسا بعزل السلطان. وإثر هذه التطورات، أرسلت فرنسا استفسارا لسلطات مدريد حول موقفها من عزل السلطان، فكانت إجابة إسبانيا بأن ذلك بسبب عدم استشارتها في اتخاذ قرار عزل السلطان. وفي الواقع، لم تكن قضية نفي السلطان محمد الخامس إلا شماعة علقت عليها إسبانيا موقفها، كما أن مبرر معارضتها للقرار والمتمثل في ضرورة احترام شرعية السلطان محمد الخامس، لم يكن مقنعا بدليل أن إسبانيا كانت دائما تقوم بالتضييق على الوطنيين في الشمال، كما أنها حاولت منعهم من التواصل أو الارتباط بالسلطان محمد الخامس. كيف تعامل الوطنيون المغاربة مع الموقف الإسباني في معركتهم من أجل الاستقلال؟ الوطنيون في الشمال استغلوا الموقف الإسباني الرافض لقرار فرنسا، لمطالبة الإدارة الاستعمارية والمندوب السامي بالينيو، بالسماح للوطنيين الملاحقين في المنطقة الفرنسية كي يعبروا نحو المنطقة الإسبانية، كما استطاعوا انتزاع دعم إسبانيا للمقاومة المغربية المسلحة ضد فرنسا، وهو ما دفع هذه الأخيرة إلى تهديد إسبانيا وإيصال الأمر إلى هيئة الأممالمتحدة. لقد دفع الموقف الإسباني المعارض لقرار فرنسا ودعمها للمقاومة المغربية في هذه الفترة، السلطات الفرنسية تحت تأثير اضطراب الأوضاع إلى فتح قنوات الاتصال مع السلطان محمد الخامس في منفاه بمدغشقر للخروج من أزمتها، خصوصا بعد تولي إدغار فور رئاسة الحكومة الفرنسية سنة 1954. ومع بداية مفاوضات إيكس ليبان ظهر لإسبانيا أن خططها لتأزيم الأوضاع في المنطقة الفرنسية لم تنجح بالشكل المطلوب، فقامت بمحاولات للمشاركة في المفاوضات، وذلك بإرسال إشارات تفيد التراجع عن موقفها تجاه قرار فرنسا عزل السلطان، حيث بدأت بالتضييق على نشاط الوطنيين ومحاصرة المقاومة المسلحة في تلك الفترة. ما هي الخلفيات الحقيقية للموقف الإسباني المعارض لقرار فرنسا بعزل السلطان؟ لقد كان معلوما أن العلاقات الفرنسية الإسبانية لم تكن دائما على ما يرام، وهو ما يجعل موقف إسبانيا منتظرا، خصوصا وأنها كانت تعتبر أن عدم استشارتها من طرف فرنسا قبل الإقدام على خطوة نفي السلطان، ينطوي على إهانة لها كدولة تقتسم المغرب مع فرنسا، كما أن إسبانيا أرادت أن تظهر عدم تبعيتها لفرنسا فيما يتعلق بسياستها الاستعمارية في المغرب، وذلك بعدم التفاعل إيجابا مع قرار السلطان نفسه، إضافة إلى أن إسبانيا كانت تعتبر أنه تم تهميشها من طرف فرنسا خلال مفاوضات تقسيم المغرب. وعلى مستوى آخر، لم يكن لدى الجنرال فراسنيسكو فرانكو أي استعداد للدخول في حرب جديدة مع المغرب، خصوصا وأن خطر الشيوعيين كان لايزال قويا في إسبانيا، وكانت لديه تخوفات من أن يستغل هؤلاء انشغال إسبانيا بحروبها في المغرب لتهديد حكمه، كما كان فرانكو يعتقد أن موقفه المعارض لعزل السلطان سيجبر فرنسا على تقديم تنازلات لإسبانيا، وأن إطالة أزمة العرش المغربي سيجعلها تتملص من التزاماتها مع فرنسا في المغرب، وسيصبح قرارها مستقلا مما يجعلها تحقق مكاسب إضافية، وهو ما يفسر إشراكها للوطنيين بشمال المغرب في الحكومة الخليفية والترويج للحكم الذاتي للمنطقة الخليفية. أي إن أطماعا خاصة كانت تبرر الموقف الإسباني ضد فرنسا؟ لقد كانت إسبانيا تستبعد سماح فرنسا بعودة السلطان إلى عرشه، لذلك كانت تفكر في استغلال الأزمة، أيضا، لتوسيع حدود المنطقة الخليفية وضم منطقة طنجة الدولية إلى نفوذها، وكان الإسبان يعتقدون بسياستهم المهادنة تجاه الوطنيين، أن المغاربة لن يطالبوا بخروج إسبانيا من المنطقة الشمالية. وعلى صعيد آخر، فقد كانت إسبانيا الديكتاتورية تعيش عزلة دولية، وكانت تراهن على تقوية نفوذها وموقعها في المغرب، ووضع الموقع الاستراتيجي للمنطقة الشمالية المغربية، رهن إشارة الولاياتالمتحدةالأمريكية لمساعدتها في مواجهة المد الشيوعي، وكانت تعتقد أن هذه السياسة ستمهد لها طريق ذلك إلى العودة للمنتظم الدولي والشرعية الدولية. وفي نهاية المطاف، فإن رضوخ فرنسا لمطالب الوطنيين بإرجاع السلطان محمد الخامس إلى عرشه سنة 1955، سيربك حسابات إسبانيا وسيدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى التراجع عن التحالف مع فرانكو.