تحت قبة البرلمان هناك نقاش وسجال سياسي وفكري مهم حول مصير السلطة التقديرية التي أعطتها مدونة الأسرة للقاضي لتزويج القاصرات استثناء حتى دون أن يبلغن السن القانونية، أي 18 سنة. حزب العدالة والتنمية أخذ العصا من الوسط، حيث طالب بتقييد يد القاضي الشرعي، وعدم السماح له بتزويج القاصرات دون 16 سنة والتوقف عن تزويج طفلات في عمر 15 و14 و13 وحتى 12 سنة. نعم، في مغرب القرن ال21 مازال القضاة يسمحون لطفلات في العالم القروي بالذهاب إلى فراش الزوجية عوض الذهاب إلى فصل الدراسة. أما فريق التقدم والاشتراكية فيطالب بإلغاء الاستثناء من الأصل، وتثبيت سن واحد للزواج هو 18 سنة في المدن كما في البوادي.. نقطة إلى السطر. وعلى العائلات المحافظة في البوادي أن تتكيف مع القانون، وأن تحترم جسد الفتاة الصغيرة لا أن نجعل القانون وحقوق الإنسان ومصلحة الفتاة وتعليمها يتكيف مع العقليات المتخلفة التي مازالت تتاجر في فلذات أكبادها. نواب آخرون، ليبراليون يا حسرة، فضلوا الجلوس على التل في هذه المعركة، وإحالة الموضوع، لحساسيته، على المجلس العلمي الأعلى أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان لإعطاء الرأي، وبعدها يقرر نواب الأمة... يجب أن نسجل النقط التالية: أولا: بلادنا تعرف تقدما كبيرا عن باقي الدول العربية، فلم يعد بيننا من يقول بزواج ابنة التاسعة أو العاشرة، كما قال الشيخ السلفي عبد الرحمن المغراوي، قبل أن تقوم في وجهه «قيامة حقوقية» هرب على إثرها إلى السعودية، ولم يرجع إلا وقد أفتى بجواز التصويت على دستور 2011. وكانت هذه هي الضريبة السياسية التي دفعها مقابل رأي فقهي شاذ أصبح اليوم يعتبر «بيدوفيليا» وليس زواجا. ثانيا: يجب أن نقر بأن الرخصة التي أعطتها مدونة الأسرة للقاضي الشرعي طيلة 10 سنوات من عمر هذا التشريع، لتزويج قاصرات في حالات استثنائية، استعملت استعمالا سيئا من قبل قضاة منغلقين ومتأثرين بفقه البداوة القديم. ولقد قدمت وزارة العدل آلاف الحالات التي زوج فيها قضاة صبيات صغيرات في 13 و14 و15 سنة، وبعضهن حملن بعد 9 أشهر، وصرن يلعبن مع أبنائهن بنفس اللعب التي لم يلعبن بها وقد دخلن في عصمة رجل أو مراهق هو نفسه يحتاج إلى رعاية. 10 سنوات من المرحلة الانتقالية لتطوير العقليات والعادات في البوادي تكفي، وإلا عوض أن نغير الواقع سنتعايش معه. الفتاة التي لا يسمح لها القانون بالتصويت على رئيس المجلس البلدي دون أن تصل إلى 18 سنة، كيف يسمح لأهلها بتزويجها قبل هذا السن؟ هذا انتهاك لحرمة جسدها الصغير وإعدام لمستقبلها الكبير. ثالثا: التشريع والقاعدة القانونية إحدى الأدوات المهمة لتطوير المجتمعات وتحديثها وعصرنتها إلى جانب الاقتصاد والثقافة والإعلام، والتشريع كما لا يجب أن يسبق الواقع بآلاف الكيلومترات، لا يجب كذلك أن يتخلف عن مهام الإصلاح والعدالة والإنصاف بآلاف الكيلومترات خوفا من رد فعل المجتمع المنغلق والمحافظ. لا زواج تحت 18 سنة كحد أدنى، وإلا فإن الزواج الذي تتوفر فيه الشروط الدنيا للنجاح لا يمكن أن يكون طرفاه دون نضج العشرينات وربما الثلاثينات. أيها النواب، هل ترضون لبناتكم الزواج تحت سن 18 سنة؟ ستقولون: «لا»، وبعضكم سيضيف: «لكن الناس في البوادي يعتبرون ابنة 18 سنة عانسا، وإذا وضعنا تشريعا قاسيا بالنسبة إليهم، فلن يطبقوه، وسنرجع إلى الزواج السري بالفاتحة ودون عقد»... هنا يجب على رجال ونساء الدين والفقه أن يتحركوا ويصدروا فتاوى تحرم زواج البنت دون الثامنة عشرة، وذلك لتسهيل تطبيق القانون. أينما كانت المصلحة فثمة شرع الله، والإسلام ونبيه جاءا هدى ورحمة للعالمين.